أول حالة طلاق بالرسائل القصيرة على الجوال في مصر تطرح تساؤلات وتحديات

تقديم دورات تدريبية للأئمة على الإنترنت

TT

نظرت السيدة القاهرية في الرسالة الخطية في هاتفها الجوال غير مصدقة ما تراه.

فقد انتهت من محادثة هاتفية مع زوجها، وهو ضابط جيش في مهمة، بعد مشاجرة. وتجاهلت محاولته الاتصال بها مرة اخرى، لأنها لا تريد الاستمرار في الجدل، كما اوضحت في مقابلة صحافية.

ونقل رنين الهاتف، الذي يشير الى وصول رسالة، رد فعله «انت طالق. وسيعلمك ذلك ألا تردي على مكالماتي». واتبع ذلك محاولات الصلح، التي فشلت بسبب مشاجرة اخرى، هذه المرة بخصوص طلب الزوجة من اسرتها التدخل للتوسط في مشاكلهما. وكتب زوجها في رسالة ثانية «انت طالق. لا تطلبي من اخرين التدخل في شؤوننا».

ومحاولة صلح اخرى. ومشاجرة اخرى. وطلاق اخر. هذه المرة وجها لوجه، في اواخر العام الماضي. وتجدر الاشارة الى ان القوانين الاسلامية تجعل الطلاق أمرا سهلا بالنسبة للرجل، على الرغم من ان التسويات المالية ليست في صالحه. كل ما يمكن ان يفعله الزوج هو القول لزوجته «انت طالق» ثلاث مرات، ويعنيها لإنهاء الزواج.

الا ان التكنولوجيا اضافت تعقيدات، مما دفع السلطات الدينية المصرية لمناقشتها في قضية المرأة القاهرية، وهي مهندسة وملتزمة بتعاليم الدين: كيف يمكن تطبيق القوانين الاسلامية على الرسائل الخطية عبر الهاتف في القرن الواحد والعشرين؟ في ماليزيا ودولة الامارات العربية وقطر، حيث وقعت اول حالة طلاق باستخدام الرسائل الخطية عبر الهاتف الجوال في السنوات الاخيرة، توصل المسؤولون المدنيون والدينيون الى نتائج مختلفة.

والى حين ان يقرر علماء الدين والقضاء المصري مصير زواج هذه المرأة، تعيش بعيدا عن زوجها الضابط مع ابنها البالغ من العمر 4 سنوات. الا انها لا تزال تضع في اصبعها خاتم الزواج. وطلبت عدم نشر اسمها لحماية خصوصيتها، لأن مثل هذه القضايا نادرة للغاية في مصر. اوضحت ذلك المرأة الرشيقة ذات الصوت الهادئ، التي تضع حجابا ارجوانيا وظلا ارجوانيا حول عينيها.

واكد مسؤولون قانونيون هويتها وحقيقة ان القضية، رفعت امام محكمة الاحوال الشخصية في شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي. الا انهم لم يتفقوا على ان القضية هي الاولى ام الثانية التي تستخدم فيها الرسائل الخطية عبر الهاتف. وقال ان ضابط الجيش لم يظهر امام المحكمة.

وقد تبنت المؤسسات الاسلامية ببراعة التكنولوجيا المتطورة لنشر رسالتها. وينتشر الدعاة على القنوات الفضائية. والعديد من المؤسسات الدينية والمشايخ لديهم مواقع على الانترنت تقدم لأتباعهم الفتاوى.

وقد بدأ مفتي مصر، الذي تعينه الدولة وهو واحد من اعلى السلطات الدينية، في تقديم دورات تدريبية للائمة على الانترنت. ويتلقى موقع مفتى مصر الشيخ علي جمعة 3 الاف اتصال يومي، كما يتلقى خط ساخن عشرات من المكالمات الهاتفية يوميا، طبقا للمتحدث باسمه ابراهيم نجم. وكل التساؤلات تتعلق بقضايا اسرية، مثل الطلاق كما اوضح.

الا ان انتشار الدعوة عبر التلفزيون والمواقع الاسلامية على الانترنت قد ادى الى مجموعة كبيرة من الاصوات المربكة المتنافسة. ويمكن للاعلام الاذاعي وعبر الانترنت تضخيم الكراهية او تبسيط القضايا الدينية المعقدة. وتقدم التكنولوجيا وسائل اتصال لم يكن في وسع المسلمين الاوائل مجرد تخيلها.

وتستخدم الاتجاهات الليبرالية والمحافظة في الاسلام التكنولوجيا الحديثة لإيصال رسالتها. ففي مصر استخدم شباب الاخوان المسلمين مدونات على الانترنت في العام الماضي، لحث المنظمة الاسلامية على ان تكون اكثر انفتاحا على النساء واقل اقصاء للديانات الاخرى.

وقد تبنــت المؤسـسـات الاسلامية مواقع الانترنت وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة لإظهار ان الاسلام لا يزال يقدم «حلولا براغماتية للمشاكل المعاصرة» كما ذكر نجم. واضاف «نعتقد ايضا بإساءة استخدام التكنولوجيا، الا ان ذلك لا يدفعنا للقول بانسوها. لن يكون ذلك ممكنا»، الا انه اوضح ان الطلاق باستخدام الرسائل النصية عبر الهاتف الجوال يمثل «اساءة واضحة تماما للقانون». وتجدر الاشارة الى ان السلطات الدينية في دولتين خليجيتين على الاقل، هما دولة الامارات العربية وقطر اقرتا الطلاق بالرسائل النصية عبر الهاتف الجوال في احكام صدرت بين عامي 2001 و2003. الا ان المسوؤلين الاسلاميين في سنغافورة لم يقروه.

وقد استنكر المسؤولون الحكوميون في ماليزيا تلك القضايا وتعهدوا بفرض غرامات كبيرة على أي شخص يحاول تطليق زوجته بالرسائل النصية عبر الهاتف. وفي عام 2003 قال رئيس الوزراء انذاك مهاتير محمد «نأمل في انه بدلا من ارسال رسائل نصية، النظر الى الزوجة الجميلة التي ستطلقها. ربما ستبكي قليلا وتغير رأيك». وقد اقرت القيادات الدينية في ماليزيا شرعية الطلاق عبر الرسائل النصية، وتوقف حديث الحكومة عن حظر وفرض غرامات عليها.

وفي مصر ينظر الكثير الى الرسائل النصية باعتبارها وسيلة تافهة لإنهاء الزواج.

وقالت سناء محمد وهي سيدة في الثالثة والاربعين من عمرها تقف خارج محكمة للاحوال الشخصية في القاهرة «يجب ان يكون وجها لوجه». وقد لجأت سناء محمد للخلع، وهو نص يتيح للنساء تطليق ازواجهن مع التنازل عن حقوقهن المالية.

وتشير الاحصائيات الحكومية المصرية الى وقوع طلاق كل 6 دقائق في مصر، كما ذكر احمد عيد احمد المحامي في محكمة القاهرة للاحوال الشخصية. وحتى قبل ظهور الرسائل النصية، كان الطلاق سهلا في مصر، كما ذكرت هدى بدران رئيسة تحالف المرأة العربية ومقره القاهرة. وتجدر الاشارة الى ان الطلاق السريع، لاسيما بين الاسر الفقيرة، يسمح للزوج بالضغط على الزوجات الاقل تعليما بالتخلي عن التسوية المالية، ويترك بذلك النساء وهن غير قادرات على رعاية اطفالهن وانفسهن، كما اوضحت هدى بدران.

وقالت هدى بدران ان «90 في المائة من اطفال الشوارع هم من اسر حصل فيها طلاق الابوين»، وبسبب تعدد الزوجات. وقالت «ما هي التكلفة الحقيقية التكلفة الاقتصادية للطلاق غير المقيد؟».

وبالنســــبة للمهندســة البالغة من العمر 25 سنة، فإن الرسائل النصية جعلت التكلفة مستحيلة. فزوجها يريد ردها، كما قالت، ولكن علماء الدين الذين استشارتهم قالوا لها انها مطلقة امام الله وان العودة له ستكون خارج نطاق الزواج. ولكن اذا رفضت العودة واعلنت المحكمة ان الطلاق باطل، فإنها تخشى ضياع حق حضانة ابنه. وقالت ان الرسائل النصية «فتحت ابواب الجحيم على حياتي».

* شاركت المراسلة الخاصة نورا يونس من القاهرة والباحث روبرت توماسون في واشنطن في هذا التقرير.