السليمانية: النازحون والعمال العرب يغادرون ليحل محلهم الأكراد الهاربون من القصف التركي

التحسن الأمني في وسط وجنوب العراق وتضاؤل فرص العمل في كردستان وراء الحركة العكسية

TT

بموازاة التحسن النسبي في الاوضاع الامنية الذي تشهده العاصمة بغداد والمدن الاخرى في وسط وجنوب العراق، تشهد محافظة السليمانية بإقليم كردستان حالة من الهجرة المعاكسة للعمال العرب الى مناطقهم التي نزحوا عنها خلال الاعوام الخمسة الماضية بسبب تردي الاوضاع الامنية وتفشي البطالة فيها. فمن مجموع أكثر من أربعة آلاف عامل قصدوا السليمانية من مختلف ارجاء العراق بحثا عن فرص العمل، لم يبق سوى ألف عامل عربي من بغداد وبعض محافظات الوسط والجنوب معظمهم من الذين استقروا مع عوائلهم النازحة في السليمانية وضواحيها والبقية الباقية هم من العمال غير المتزوجين والمستقرين في الفنادق البائسة والرخيصة في انتظار حدوث مزيد من التحسن في مواطنهم الأصلية كي يعودوا اليها على جناح السرعة.

وأكد وائل وليد، 26 عاما، الذي يعمل نجارا لقوالب الصب الكونكريتي منذ خمس سنوات استعداده للعودة الى مدينته بعقوبة بمجرد استتباب الامن والاستقرار فيها. وقال لـ«الشرق الاوسط» انه متزوج وله طفل واحد ويعيل مع والده أسرة مؤلفة من 19 فردا، وان معاناته شديدة في ظل توقف حركة العمل والبناء في السليمانية بسبب موجات البرد الشديد. وأضاف انه لم يكسب منذ عشرة أيام دينارا واحدا ولم يلتق بعائلته منذ 3 أشهر كونه لا يمتلك نفقات زيارة أسرته التي قال انه يرسل لها إعانة مالية بواقع 100 – 150 ألف دينار عراقي كل شهر أو شهرين. أما عبد الرزاق صلال 43 عاما فقد أكد أنه نزح الى السليمانية قبل 3 اشهر اثر تدهور الاوضاع الامنية في مدينته الديوانية بجنوب العراق، لكنه صار يصارع البطالة والجوع نظرا لانعدام فرص العمل، مؤكدا انه سيعود الى مدينته بمجرد حصوله على نفقات السفر. اما معد حمزة، 28 عاما، والذي يعمل في السليمانية منذ عامين، فقال انه لا يجد فرصة عمل إلا يومين او ثلاثة كل اسبوع او عشرة ايام، لكنه يعود مساء الى أهله في منطقة سلمان باك القريبة من بعقوبة.

من جهته، قال علي محمد سعيد، 38 عاما، ان اصحاب العمل يتفقون مع العمال على أجور معينة، لكنهم يدفعون نصفها بعد انجاز العمل ولا أحد يحاسبهم على ذلك. وأضاف ان أي عامل يدخل السليمانية بحثا عن فرصة عمل من دون علم جهاز الامن الكردي «اسايش»، فانه يتعرض للمساءلة القانونية ويتم القبض عليه فورا وإعادته الى آخر نقطة تفتيش مؤدية الى كردستان قرب مدينة كركوك. وأيده في ذلك صباح جمعة توفيق، 36 عاما، وهو من أهالي بغداد ويعمل في المدينة منذ ثلاث سنوات، قائلا انه تعرض مرارا لاستغلال بشع من قبل أرباب العمل الذين أوهموه بأجور باهظة مقابل إنجاز عمل شاق، لكنهم تراجعوا في نهاية المطاف ولم يدفعوا له إلا نصف الأجور بعد جهد جهيد رغم انجازه العمل على نحو ممتاز. وقال إن السلطات المحلية انحازت الى جانب أرباب العمل كونهم من الضباط والمسؤولين وتجاهلت حقوقه.

أما فائق أحمد، 41 عاما، من أهالي بعقوبة فقد أكد أن أكثر من أربعة آلاف عامل من مختلف محافظات الوسط والجنوب كانوا يقيمون في نحو عشرة فنادق رخيصة ويفترشون حتى ممراتها مقابل 3 آلاف دينار عراقي؛ أي ما يعادل دولارين ونصف الدولار، عاد معظمهم الى مدنهم الاصلية خلال الشهرين الماضيين بعد تحسن الاوضاع الامنية فيها.

ولم تقتصر العودة الى المواطن الاصلية على العمال فقط، بل ان العشرات من العوائل العربية التي كانت قد نزحت الى السليمانية وضواحيها من بغداد والموصل وتكريت وديالى ومدن الجنوب، عادت ادراجها تدريجيا في غضون الاشهر الثلاثة الماضية؛ فمن مجموع 400 عائلة عربية كانت تقطن مناطق شهرزور لم يبق سوى خمسين عائلة فقط تقف هي الاخرى على استعداد للعودة، وكذلك غادرت نحو مائة عائلة نازحة مجمع بيرة مكرون على مشارف السليمانية فيما غادرت اكثر من 20 عائلة مجمع قالاوا في احد احياء السليمانية الى مناطقها الاصلية. وقال وليد جياد، 43 عاما، المختار السابق للمجمع ان جميع العوائل النازحة تتحين الفرصة للعودة الى مناطقا، لكنها تريد اولا التأكد من استتباب الامن فيها كليا. وقال لـ«الشرق الاوسط» إن الرئيس العراقي جلال طالباني يمد العوائل النازحة بين الحين والآخر بمبالغ مالية مقدارها 150 ألف دينار لإعانتها على مواجهة مصاعب الحياة في السليمانية، كما وان ديوان المحافظة كان قد زود الاسر النازحة بالمحروقات والاغطية ووسائل التدفئة، فيما وفرت منظمات انسانية وسائل نقل يومية لنقل التلاميذ والطلبة الى مدارسهم. واشار الى ان نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي زار المجمع الشهر الماضي في اطار زيارته للسليمانية وحث النازحين على العودة الى مدنهم وتعهد بمنحهم تعويضات مالية مجزية عن الاضرار التي لحقت بممتلكاتهم وبيوتهم وضمان الامن والاستقرار لهم هناك وقال «مازلنا في انتظار ان يفي نائب الرئيس بوعوده كي نعود الى مناطقنا بأسرع ما يمكن».

ويبدو أن الاقدار تشاء ان يبقى مجمع قالاوا في السليمانية محطة لاستقبال النازحين والمنكوبين من سائر ارجاء العراق؛ ففي حين يستعد العديد من العوائل العربية لمغادرة ذلك المجمع البائس الذي يفتقر الى أبسط مستلزمات العيش الانساني، يحط العديد من العوائل الكردية النازحة رحالها بعد ان دمرت غارات الطائرات التركية قراها وقصباتها الحدودية في محافظات السليمانية واربيل ودهوك؛ إذ وصلت خلال الشهرين الماضيين نحو خمسين اسرة كردية نزحت من قرى مناطق بهدينان التي تعرضت للتدمير التام من قبل الطائرات التركية في اطار تداعيات ازمة حزب العمال الكردستاني، أما القاسم المشترك الذي يجمع هذه العوائل الكردية والعربية النازحة من معظم أرجاء البلاد والقاطنة في ذلك المجمع المقرف، فهو الصبر على البلاء وتقاسم البؤس والشقاء