أميركا تريد من العراق سلطة واسعة للقيام بعمليات قتالية بعد انتهاء تفويضها الحالي

إدارة بوش تسعى أيضا لحماية المتعاقدين الأمنيين لكنها قد تصطدم بمعارضة بغداد

TT

صرح مسؤولون في الجيش الاميركي وإدارة الرئيس جورج بوش، بأنه مع اقتراب موعد انتهاء التفويض الممنوح للولايات المتحدة في العراق بعد 11 شهرا، ستصر واشنطن على أن تمنح الحكومة العراقية سلطة واسعة للولايات المتحدة للقيام بعمليات قتالية وضمان حصول المتعاقدين المدنيين على حماية قانونية خاصة اعتمادا على القانون العراقي.

إلا ان نفس المسؤولين قالوا ان هذا الموقف سيقابل بمعارضة من جانب العراق خصوصا في ظل برلمانه المنقسم على نفسه وحكومته المركزية الضعيفة والحساسيات العميقة إزاء نظرة الآخرين إلى العراق كونه دولة غير مستقلة. موقف الولايات المتحدة الساعي إلى التوصل إلى علاقات رسمية عسكرية ـ عسكرية تحل محل التفويض الحالي من الأمم المتحدة جاء في مسودة مقترح تحدث حوله كل من البيت الأبيض ووزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية ومسؤولون عسكريون شريطة عدم الإفصاح عن أسمائهم. وتتضمن المقترحات مطالب اقل إثارة للجدل حول حصانة أفراد القوات الاميركية وعدم محاكمتهم في العراق وسلطة حبس السجناء العراقيين. إلا ان المتوقع هو ان يثير سعي الولايات المتحدة لحماية المتعاقدين المدنيين خلافا بسبب عدم تمتع المتعاقدين الذين يعملون مع الجيش الاميركي في أي بلد آخر بالحصانة من القوانين المحلية. ويرغب بعض المسؤولين الاميركيين في ان يتمتع المتعاقدون بحصانة كاملة من القوانين العراقية، فيما يريد آخرون قدرا أقل من الحماية. وقال هؤلاء المسؤولون ان التفاوض مع الجانب العراقي، الذي من المتوقع ان يبدأ الشهر المقبل، سيحدد ما إذا ستكون صلاحيات القيام بعمليات قتالية مستقبلا من جانب واحد، كما هو الحال الآن، ام انه ستتطلب التشاور مع الجانب العراقي أو حتى تتطلب مصادقة عراقية.

وقال مسؤول رفيع في إدارة بوش يعمل في التحضير للتفاوض مع العراقيين، إن المفاوضات المرتقبة ستكون عسيرة. وكان أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس، فضلا عن مرشحي الرئاسة باراك اوباما وهيلاري كلينتون، قد اتهما البيت الأبيض برعاية مفاوضات ستحول العلاقة الأمنية الطويلة المدى مع العراق إلى قانون. إلا ان مسؤولين في إدارة بوش قالوا ان المقترح الاميركي لا يحدد حجم القوات الاميركية في العراق مستقبلا ولا يطلب إقامة قواعد اميركية دائمة في العراق ولا يمنح ضمانة أمنية تحدد مسؤوليات واشنطن في حال تعرض العراق لهجوم. ويرى محللون أن وجود التزامات على المدى البعيد في الاتفاق بين الجانبين سيجعل من الاتفاق معاهدة ثنائية يتطلب مصادقة من مجلس الشيوخ. وتواجه إدارة بوش واقعا سياسيا يتلخص في انها لا تستطيع الاعتماد على ثلثي الأصوات المطلوبة للمصادقة على معاهدة مع العراق تتضمن مثل هذا الالتزام العسكري.

ووصف مسؤولون في إدارة بوش مسودة المقترح في سياق كونه اتفاقا تقليديا حول وضع القوات، وهو اتفاق ظل التفاوض بشأنه تاريخيا من صلاحيات الهيئة التنفيذية والتوقيع عليه من قِبل نفس الهيئة من دون الحاجة إلى إجراء تصويت داخل مجلس الشيوخ بشأنه. وأعرب وزير الدفاع الاميركي، روبرت غيتس، عن اعتقاده بأن مثل هذه الاتفاقيات لا تتضمن حجم القوات مؤكدا عدم رغبة الولايات المتحدة في إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق. وأضاف قائلا إن الطريقة التي يجب من خلالها النظر إلى الاتفاق الإطاري يجب ان تكون على أساس انه مدخل لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق. وكانت الولايات المتحدة قد أبرمت اتفاقيات للاحتفاظ بقواعد عسكرية في ما يزيد على 80 دولة حول العالم ليست في حالة حرب، بما في ذلك اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وعدد من جيران العراق. كما ليس في هذه الدول يشعرون بالغضب إزاء مقتل مدنيين على مسلحين يعملون في شركات أمن متعاقدة ولا يخضعون للمحاسبة على أساس القانون العراقي. وقال ديمقراطيون إن الإعلان الأولي في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) حول نية الإدارة الاميركية التفاوض بشأن اتفاق مع العراق تضمن تعهدا من جانب الولايات المتحدة بدعم العراق في «حماية نظامه الديمقراطي في مواجهة المهددات الداخلية والخارجية». وقال النائب الديمقراطي بيل ديلاهانت إن ما تتفاوض بشأن الإدارة الاميركية يعتبر معاهدة ويجب ان يكون ذلك خاضعا لإشراف الكونغرس ومصادقته في نهاية الأمر. وأضاف قائلا خلال اجتماع للجنة الفرعية للشؤون الخارجية بالكونغرس إن أي اتفاق تبرمه الولايات المتحدة اتفاق للدفاع عن دولة أخرى من هجمات خارجية وداخلية يعتبر معاهدة، وأوضح ان ذلك من المحتمل ان يقحم القوات الاميركية في حرب أهلية في العراق، مؤكدا ان هذا القدر من الالتزام يتطلب إبرام معاهدة. اما السناتور الديمقراطي جيم ويب، الذي طرح مخاوف إزاء هذه القضية في خطاب أرسله إلى البيت الأبيض في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فقد قال ان المفاوضات كانت خطوة غير مسبوقة باتجاه التوصل إلى اتفاق حول وضع القوات من دون ضمانات أمنية مثل تلك المنصوص عليها في معاهدة الناتو. وأضاف قائلا ان الأغلبية الديمقراطية ستسعى إلى وقف أي اتفاقيات مع العراق إلا إذا أصبحت الإدارة واضحة فيما يتعلق بنواياها في العراق، واستطرد قائلا انه ليست للإدارة الاميركية الحالية استراتيجية خروج من العراق، وأضاف انها بدخولها طرفا في هذه الاتفاقية تنوي تجنب إثارة جدل ونقاش حول استراتيجيتها غير المعلنة. وكان مسؤولون في الإدارة الاميركية قد أقروا بأن اللغة التي صيغ بها بيان 26 نوفمبر (تشرين الثاني) ذهبت إلى أبعد من الحد المتوقع. وقال المسؤولون انهم يعملون لحصر المفاوضات المزمع إجراؤها على قضايا يمكن حلها خلال هذا العام قبل انتهاء المدى الزمني لقرار مجلس الأمن. ومن اجل هذا الهدف، ذكر المسؤولون في الادارة ان مسودة النص كتبت بعناية لكي تتضمن ما تعتبره الادارة المتطلبات الاساسية الاربعة بالنسبة للقوات المسلحة الاميركية لاستكمال مهمتها في العراق.

ومن اجل الحصول على حصانة للمقاولين، طلبت الادارة حماية لأكثر من 145 مدنيا يعملون لحساب وزارة الدفاع في العراق، معظمهم يؤدي وجبات مثل قيادة الشاحنات، وإعداد الطعام ومثل هذه الاشياء. وقالت الادارة انها تعتمد اعتمادا كبيرا على هؤلاء المتعاقدين، بمن فيهم حوالي 13 ألف متعاقد امني خاص يعملون لحساب البنتاغون. وطبقا لاتفاقية سابقة بين الولايات المتحدة والعراق، جرى إعفاء المتعاقدين من القوانين العراقية. وذكر مسؤولون في وزارة العدل، أنه ليس من الواضح ما اذا كانت الجرائم التي يرتكبها المتعاقدون في العراق، تشمل الدور الذي لعبه العاملون في شركة «بلاك ووتر» في شهر سبتمبر (ايلول) بإطلاق النار في بغداد، سيصبح عرضة للقوانين الاميركية، إلا ان الادارة اتخذت خطوات لإغلاق اية ثغرات في القانون. ومن أجل السعي للحصول على سلطات لإجراء عمليات قتالية، تحاول ادارة بوش التوصل الى شيء مشابه لقرار مجلس الامن الحالي، الذي يسمح للولايات المتحدة وغيرها من قوات التحالف بالعمل في العراق «دعما لأهداف مشتركة» طبقا لما ذكره مسؤول في الادارة الاميركية. وقال المسؤول «إن الاتفاقية التي سعت اليها الولايات المتحدة يمكن ان تسمح للعراق بإبطال هذه الصلاحيات في وقت آخر مع تحسن المناخ الامني. ويمكنهم تولي المسؤولية». وبالمقارنة للمتعاقدين، فإن العفو المطلوب للعسكريين الاميركيين هو أمر اعتيادي في الاتفاقيات الاخيرة بالنسبة للقوات الاميركية الموجودة في دول اجنبية. ومثل هذه الاتفاقيات تطبق على القوات الاميركية القوانين الاميركية، وليس قانون البلد الذي توجد فيه، ولاسيما القانون الموحد للعدالة العسكرية. وفيما يتعلق بالسجناء، فإن الادارة والعسكريين يودون في النهاية سيطرة العراقيين على كل المعتقلين في المعارك. إلا انهم يقولون ان الولايات المتحدة لاتزال في حاجة الى السلطة للاحتفاظ بهؤلاء السجناء، لأن بغداد ليست لديها القدرة بعد ـ بالنسبة للافراد والتسهيلات والبنية القانونية ـ للاشراف على المعتقلين الحاليين الذين يصل عددهم الى 26 ألفا. وذكر عدد من كبار المسؤولين في الادارة ان القلق من ان الاتفاقيات ستؤدي الى الحد من القدرة على اتخاذ القرار بالنسبة للرئيس القادم ليس مبررا.

*خدمة «نيويورك تايمز»