دبلوماسية المدونات

زوجة «السيد الانجليزي» هي صاحبة فكرة مدونات البيت الابيض عن جولة الرئيس الاميركي في المنطقة العربية

TT

قبل ان يبدأ الرئيس جورج بوش جولته الاخيرة في منطقة الشرق الاوسط. عقد لقاءً صحافياً مع اربعة صحافيين عرب حول طاولة مستديرة في قاعة روزفلت في البيت الابيض. جلس الصحافيون الاربعة في جانب من الطاولة وجلس الرئيس الاميركي وبعض مساعديه قبالتهم على الجانب آلاخر من الطاولة. خلف الصحافيين الاربعة جلس مراسلو أهم الوكالات العالمية المعتمدون في البيت الابيض، وهم مراسلون دائمون ملزمون بحضور جميع اللقاءات الصحافية التي يعقدها الرئيس بوش او دانا بيرنو المتحدثة الصحافية باسم البيت الابيض، وإلا فإن الادارة الصحافية تلغي اعتماد المراسل اذا تغيب اكثر من مرة من دون مبرر مقبول. بعد فترة انتظار بضع دقائق دخل الرئيس بوش الى قاعة روزفلت، وهي قاعة متوسطة الحجم. خاطب بوش الصحافيين الاربعة قائلاً «كيف حالكم، مرحباً بكم، سعيد أن اكون معكم. شكراً». ثم التفت بوش نحو دانا بيرنو المتحدثة الصحافية التي كانت دخلت معه رفقة ستيف هادلي مستشار الامن القومي وسألها قائلاً «دانا ما هي قواعد هذا اللقاء بالنسبة للصحافة الاميركية (في إشارة الى مراسلي الوكالات ومعظمهم من الاميركيين). واجابت دانا «كل الحوار للنشر لكنهم (مراسلي الوكالات) لايمكنهم استعمال النص إلا بعد ان ينشر هؤلاء الصحافيون تقاريرهم».

وقال بوش للمراسلين ضاحكاً «اذن يمكنكم تأجيل تقاريركم... هل يمكنكم ذلك؟».

بعد انتهاء اللقاء جاءت دانا بيرنو الى الصحافيين الاربعة وسألتهم، هل كنتم سعداء باللقاء؟ وودعتهم قائلة «اتمنى ان القاكم في المنطقة».

هذه التفاصيل تبين الى اي مدى اصبحت هذه السيدة النحيلة (35 سنة) تلعب دوراً مهماً في كواليس البيت الابيض في السنة الاخيرة من ولاية الرئيس بوش، حيث اصبح لقبها الرسمي «المتحدثة الصحافية ومستشارة الرئيس»، وهو لقب لم يكن يحمله رئيسها السابق توني سنو الذي استقال بعد ان عاد إليه مرض السرطان، وقال وقتها ايضاً انه استقال من أجل الانتقال الى وظيفة تدر عليه أموالاً اكثر من الراتب الذي كان يتقاضاه في البيت الابيض، وهو حوالي 14 الف دولار شهرياً.

كانت دانا بيرنو نفسها ولا احد سواها، وراء فكرة مثيرة خلال جولة الرئيس بوش في العالم العربي. حين بادرت الى كتابة «مدونة» نشرت على موقع البيت الابيض على شبكة الانترنت، ثم كتب الآخرون كذلك مدوناتهم... من ستيف هادلي الى جوشوا بولتن كبير موظفي البيت الابيض.

كان أمراً غير مألوف، الى حد ان معظم الصحف الاميركية تناولت الامر، بعضها ابدى استغراباً وبعضها كتب متعجباً، وهناك صحف كتبت ساخرة من الفكرة، مثل ما فعلت صحيفة «واشنطن بوست».

وقالت دانا بيرنو بعد عودتها من جولة الشرق الاوسط وخلال اللقاء الصحافي اليومي تعليقاً على الموضوع «ان الامر جديد علينا جميعاً، انني احثكم على ولوج الموقع (موقع البيت الابيض) والدخول بين الفينة والاخرى لمتابعة تحديث المدونات». وأوضحت بيرنو أن البيت الابيض سيرى ردود الفعل على المبادرة وبعد ذلك سيقرر إذا ما سيكون تقليداً خلال رحلات بوش الخارجية.

سبق لموقع البيت الابيض ان نشر حوارات مع مسؤولين، كما انه استعمل موقع «يوتيوب» الشهير في الحملة ضد المخدرات، بيد انها المرة الاولى التي يلجأ فيها البيت الابيض الى «المدونات».

يقول الكاتب والاعلامي باول بيرمان في تصريحات لـ «الشرق الاوسط» حول مدونات البيت الابيض «أكيد ان الصحف الاميركية وجدت مادة طريفة». وقال بيرمان الذي يكتب مقالات وتحليلات ادبية وسياسية في عدد من الصحف من بينها «نيو ربابليك» وملحق الكتب في صحيفة «نيويورك تايمز» «اعتقد انه بعد ذهاب كارين هيوز (كانت مكلفة بالديبلوماسية العامة وعملت لفترة طويلة متحدثة صحافية باسم بوش) يسعى البيت الابيض للترويج لوجهة نظره».

ويلاحظ بيرمان في اشارة لا تخلو من السخرية «ربما اراد جورج بوش ان يقلد احمدي نجاد (الرئيس الايراني) الذي يكتب ايضاً في مدونة خاصة به». ويعتقد بيرمان ان هذه المدونات لن تملأ فراغاً، لكنها كذلك كانت عملاً مثيراً «لكن الاهم لو بادرنا الى كتابة مدونات للتواصل بين الاميركيين والعرب». وبدا بيرمان الذي كتب عدة كتب من بينها كتاب حول ما كان يسمى «جيل عام 1968» متشككاً من أن يكون لهذه المدونات تأثير ملموس، ودعا الرئيس بوش بالمقابل الى الترويج للحوار بين العرب ومنظمات المجتمع المدني في اميركا.

وبشأن بعض الانطباعات التي كتبها «مدونو البيت الابيض» حول الضيافة العربية، يقول بيرمان «تحدثوا (المدونون) عن كرم المضيفين العرب، في رأيي ان العرب كانوا دائماً كرماء وهذه معلومة ليست جديدة في كل الاحوال». وهو يرى ان ما كتب في المدونات يهدف الى اقناع الناس ان بوش ومساعديه يستحقون تلك الضيافة . ويرجح بيرمان ان الرئيس الاميركي ومجموعته ارادوا التركيز على الجانب الانساني لذلك كتبوا كثيراً عن الصحراء واحوال الطقس. ويخلص بيرمان الى انه يجب استعمال وسائل التواصل الحديثة مثل الانترنت والايميل للترويج لحوار حقيقي حول القضايا التي تهم منطقة الشرق الاوسط بين العرب والاميركيين.

نشرت مدونات البيت الابيض تحت عنوان «مفكرات من رحلة الى الشرق الاوسط» وهي لا تزال موجودة على موقع البيت الابيض، وكانت خاتمة المدونات، هي تلك التي كتبها الرئيس جورج بوش نفسه. وفي هذا السياق قالت صحيفة «يو إس نيوز» «لقد كتبوا جميعاً لكنهم لم يكتبوا اخباراً» وكتبت الصحيفة مقالاً طريفاً بعنوان «مدونة بوش حول الملابس والشرق الاوسط». وكان الرئيس الاميركي كتب في مدونته عن موضوع الاناقة، وهي المرة الاولى التي يبادر فيها بوش الى كتابة مدونة بل وحتى مقال في صحيفة، كما انه اجاب فيها عن ستة اسئلة مختلفة من زوار عاديين لموقع البيت الابيض على على الانترنت.

واقتبست الصحيفة العنوان من رد بوش على احد الاسئلة. ولعله من أطرف الاسئلة التي اجاب عنها الرئيس الاميركي، وكان سؤالاً حول الاناقة وربطات العنق، فقد طرحت «جايويا» من ولاية كاليفورنيا على الرئيس الاميركي السؤال التالي: «سيدي الرئيس... سؤال سخيف، من الذي يختار بذلاتك للمناسبات المهمة التي تحضرها؟ انني اعشق ربطات عنقك».

ورد عليها بوش قائلاً «عزيزتي جايويا انني اختار بذلاتي وربطات العنق. اشكرك على الاطراء على ربطات العنق، وشكراً على سؤالك».

وكانت دانا بيرنو استهلت كتابة المدونات، بتسجيل انطباعاتها حول ما يجري داخل طائرة الرئاسة التي يطلق عليها «طائرة السلاح الجوي رقم واحد» وقالت في هذا الصدد «هناك عدة انشطة تجري في الطائرة، بعضنا كانوا يقرأون ملخصات تقارير، او الاشتغال في آخر اللحظات حول امور لوجستية، او تقديم اقتراحات صياغية لخطب الرئيس (التي سيلقيها في العواصم التي يزورها) وآخرون مثلي يريدون خلال رحلة ليلية (لمنطقة الشرق الاوسط) ان يناموا قليلاً. وتضيف قائلة «تناولنا وجبة العشاء ونحن نتابع نتائج الانتخابات التمهيدية في نيوهامشير لكنني نمت قبل الاعلان عن الفائز من الحزب الديمقراطي في تلك الانتخابات (كانت هي هيلاري كيلنتون). استيقظت في الساعة الثانية والنصف صباحاً وشرعت في قراءة اخبار الصباح عبر جهاز كومبيوتر يوجد داخل الطائرة. بعد ذلك اتجهت انا وستيف هادلي مستشار الامن القومي الى حيث توجد صالة الصحافة (في الطائرة) إذ جرت العادة ان يسافر 14 من المراسلين المعتمدين لدى البيت الابيض وبالتناوب مع الرئيس».

سنقرأ في المدونات التي غاصت احياناً في التفاصيل حول الأكل والرقصات التقليدية والصقور والصحراء والخيام الأنيقة، أشياء طريفة واخرى جدية، لكن يلاحظ ان جميع الذين كتبوا عن الضيافة العربية في مدونات البيت الابيض رصدوا تنوع الأطعمة، لكنهم جميعاً كانوا يفضلون اطباق السمك والماكولات البحرية.

كانت هناك بالطبع كتابات مملة تتحدث عن أمور سياسية مباشرة، لكن لا شك ان افضل المدونات التي اشتملت على لمسات انسانية ولقطات طريفة هي تلك التي كتبتها دانا بيرنو المتحدثة الصحافية باسم البيت الابيض، وبدت هذه السيدة المتزوجة من بريطاني وهي حالة اميركية ليست شائعة، اي زواج بريطاني من اميركية، وقد اعتاد الرئيس بوش على مخاطبة زوجها «السيد الانجليزي»، هي التي وظفت قدراتها المهنية في كتابة اشياء بعيون الصحافية، وليس بعيون «الناطقة باسم البيت الابيض ومستشارة الرئيس».

ربما ارادت دانا بيرنو وهي التي درست الصحافة في ولاية كولرادو ان تقنع الصحافيين الذين يلقون عليها وابلاً من الاسئلة كل صباح، إنها قبل كل شيء صحافية. وكاتبة مدونات كذلك. أما رئيسها جورج دبليو بوش فقد كتب في مدونة الختام 71 كلمة فقط لا غير، ثم اجاب عن ستة اسئلة، تساءلت الصحافة الاميركية عن الذي اختار تلك الاسئلة.