السياسة والفساد يقوضان الرعاية الصحية في العراق.. وحتى المستشفيات الأهلية تعاني

من الأدلة على تدهور النظام الصحي سفر المسؤولين إلى الخارج للعلاج

أقارب شرطي أصيب بانفجار يزورونه في المستشفى ببغداد امس (أ.ب)
TT

اجبرت الخدمة الصحية السيئة في احد مستشفيات مدينة الطب ببغداد، اكبر مجمع طبي في العراق، أبو احمد الكردي على نقل زوجته المصابة بجروح بالغة نتيجة انفجار سيارة مفخخة الى احد المستشفيات الاهلية التي طالبت ادارتها بتأمينات مالية كبيرة مقابل علاج زوجته. أخذ الرجل الذي بدت واضحة على وجهه علامات الحيرة والتعب وهو واقف امام مجموعة من الكادر الطبي يترجى محاسب المستشفى الاهلي الذي طلب منه مبلغ 500 الف دينار كتأمينات اولية «ارجوكم اجروا لزوجتي اللازم وسأقوم بدفع المبالغ التي تطلبوها»، بعدها حضر مجموعة من الشبان تبين لاحقا بانهم اقرباء واشقاء الكردي حاملين معهم عملات نقدية عراقية واخرى اميركية اخذوا على عاتقهم ترتيب وتهيئة الامور مع المحاسب المالي للمستشفى الاهلي وتركوا شقيقهم يشرح للاطباء حالة زوجته الصعبة. وبعد ان طمأنه الاطباء على حال زوجته سرد الكردي بعض من تفاصيل ما شاهده وتعرض له في مستشفى حكومي يعد من اكبر وأفضل المستشفيات في البلاد على الاطلاق، ولا يبعد عن مقر وزارة الصحة سوى امتار معدودة. ويؤكد الكردي وهو شاب في منتصف الثلاثينات من عمره، بانه تعرض للمساومة والابتزاز من قبل بعض العاملين في المستشفى اثناء الفترة القصيرة التي قضتها زوجته وهي راقدة تخضع للعلاج في المستشفى الحكومي بعد ان تم نقلها اليه من قبل دورية للشرطة حالما اصيبت بالانفجار.

ويشير الكردي الى ان حالة من الفوضى كانت تعم المكان حيث رجال الشرطة وعمال النظافة ينقلون الجرحى ويعالجونهم واهالي الضحايا يملئون ردهة الطوارئ والممرات بحثا عن ذويهم المصابين الذي راح بعضهم يصرخ من شدة الألم، والبعض الآخر لم يصلهم الدور لاسعافهم فماتوا فور وصولهم. وأوضح الكردي بانه وبعد رؤية هذه المشاهد المأساوية اخذ يبحث عن الطبيب الاختصاصي فتم اخباره بانه يقوم باجراء عملية جراحية خطرة لاحد المصابين الذي وصل قبل زوجته للمستشفى، مما دفعه للاتصال بشقيقه ليطلب منه الحضور فورا الى مستشفى مدينة الطب لينقل زوجته الى مستشفى اهلي قريب من محل سكناه، لان بقاء زوجته في هذا المستشفى من دون رعاية سيعجل بتدهور حالتها ومن الممكن ان تفقد حياتها.

ومن أهم وأبرز صور الفساد المستشري في العراق والتي تساهم فى تقويض الرعاية الصحية حادثة حصلت مع الكردي رواها لـ«الشرق الاوسط» قائلا «طلبت من احدى الممرضات نقلها الى غرفة اخرى او جناح فاخبرتني بان العملية تتطلب تقديم مبلغ من المال للمشرف على الطابق من اجل ذلك فوافقت على الفور واعطيت مبلغ 25 الف دينار للمشرف الذي نقلها الى غرفة في احد الطوابق حالها افضل من السابقة بقليل، بعدها حضر طبيب صغير بالعمر وكشف على زوجتي وقال بانها تحتاج الى عملية جراحية لازالة بعض الشظايا التي اخترقت جسدها». ولعل خير دليل على تدني الخدمة الصحية في البلاد هو سفر المسؤولين الحكوميين للعلاج بمستشفيات في دول اخرى، كما هو الحال مع رئيس الجمهورية جلال طالباني الذي تلقى علاجه في مستشفى في الاردن، ورئيس الوزراء نوري المالكي الذي اجرى فحوصات طبية في احد مستشفيات لندن، ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الذي عالج اسنانه في النمسا، وزعيم الائتلاف العراقي الموحد والمجلس الاسلامي الاعلى في العراق عبد العزيز الحكيم الذي تمت معالجته من سرطان الرئة في مستشفيات ايران، وغيرهم من المسؤولين الذين لا يعلنون عن سفراتهم العلاجية في بلدان مختلفة.

وتقول سناء الجبوري، 44 عاما، التي كانت تحمل طفلتها المريضة في مستشفى النعمان الحكومي «عادة ما يمرض ابناؤنا بامراض مختلفة، ولانجد العناية المطلوبة في المستشفيات الحكومية مما يضطرنا للجوء الى المستشفيات الاهلية وعيادات الاطباء». وتضيف سناء الجبوري وهي مدرسة ثانوية لـ«الشرق الاوسط» ان مستويات النظافة «سيئة في معظم المستشفيات الحكومية، ودورات المياه فيها متهالكة، والرعاية الصحية في تناقص بسبب نقص الكوادر الطبية والادوية في أن واحد، نحتاج لحماية أطفالنا من الامراض».

تدهور الخدمة الصحية في البلاد انعكس ايضا على المستشفيات الاهلية والخاصة، وكذلك على عيادات الاطباء التي ما زال الكثير منها مقفل بسبب هجرة الاطباء، بعد ان كانت هذه المستشفيات تقدم خدماتها لمرضى من دول عديدة كمستشفى الخيال الذي يختص بزراعة الكلى البشرية ومستشفى الالوسي الذي كان يمتلك كادرا طبيا مشهورا في امراض الانف والاذن والحنجرة. فبعد تعرض مالك مستشفى الخيال ومديرها العام الدكتور وليد الخيال للاختطاف قبل سنتين ودفع فدية واطلق سراحه غادر البلاد وساء حال المستشفى الذي كان في السابق يعتبر المركز الاول في منطقة الشرق الاوسط في زراعة الكلى والكبد البشري، كذلك الحال بالنسبة لمستشفى الالوسي وعياداته الاستشارية الخاصة باطباء كبار امثال مزهر الدوري. ومن الادلة الاخرى التي تدل على تدهور وضع الصحة العام في العراق هو قيام فرق طبية متكونة من عدد قليل من الاشخاص الذين يعملون في مؤسسات ودوائر طبية حكومية تعمل بوسائل وادوات بسيطة وقديمة، بزيارة السكان في مناطق عدة من البلاد لتلقيح وتطعيم اطفالهم بالمضادات الحيوية ضد بعض الامراض وخصوصا الانتقالية منها وهو امر يمكن ان يفاقم المشكلة ولا يساعد على معالجتها بحسب اطباء محليون ومنظمات صحية دولية. لكن الدكتور محمد جبر معاون مدير الرعاية الصحية في العراق نفى التقارير التي تتحدث عن سوء الخدمة الصحية في البلاد، وقال لـ«الشرق الاوسط» ان مراكز الرعاية الصحية تقدم خدماتها للمرضى في كافة انحاء البلاد «بشكل جيد جدا رغم كل الظروف التي تعيق عمل كوادرها»، مؤكدا بان ما تم تحقيقه من انجازات في هذا المجال والتي كان آخرها السيطرة على وباء الكوليرا الذي تفشى في البلاد الصيف الماضي خير دليل على نجاح عمل كوادر الرعاية الصحية في البلاد». واضاف جبر «ان وزارة الصحة تتابع بشكل مستمر مستوى الرعاية الصحية الاولية وتقديمها للخدمات العلاجية والوقائية كاللقاحات وخدمات الصحة المدرسية وخدمات رعاية الامومة والطفولة بشكل متكامل، رغم كل المعوقات التي تواجهها».