كنعان مكية لـ«الشرق الأوسط»: كلنا مسؤولون عن جرائم صدام.. وطريقة إعدامه صغرتها

عضو «مؤسسة الذاكرة العراقية»: لم أكن من مؤيدي الغزو مطلقا بل دعوت إلى تحرير العراق

TT

قال الدكتور كنعان مكية، عضو مؤسسة الذاكرة العراقية التي تتخذ من واشنطن مقرا رئيسا، ان الحكومة العراقية بإسراعها باعدام الرئيس السابق صدام حسين رفضت محاكمته «على كل جرائمه المختلفة والفظيعة والمهولة والمرتكبة على مدى 30 عاما في العراق». وأضاف مكية في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي الاول لتدويل حملات الانفال بحق الشعب الكردي الذي اختتم في أربيل الاحد الماضي، أن الطريقة التي اعدم بها صدام قللت أمن أهمية الحدث وأدت «الى تصغير جرائمه». وعن الصمت العربي المستمر حيال ما تعرض له العراقيون والأكراد خصوصا في عهد صدام، قال مكية «لحد الآن لم ننتصر في المعركة الاعلامية على موضوع اقناع الدول او الجماهير العربية او بالاحرى المثقفين العرب بخصوص مآسي ما حدث في العراق لأن تدهور الاوضاع في البلاد ساعد على ذلك الى جانب ضعف قابلية العراقيين بصورة عامة في دفع قضيتهم نحو الخارج مع الاسف، وهي بمجملها جزء من الاسباب في تلك الحالة». وبسؤاله عن قوله في كلمته امام المؤتمر إن «جلادي صدام أهانوا قضيتهم في المقام الاول عندما اقدموا على إعدامه اول ايام عيد الاضحى»، وما اذا كان ذلك يعني ان اعداد الرئيس السابق كان خطأ، اجاب مكية «أنا شخصيا ضد مبدأ إعدام الانسان بصورة عامة وأرفض مثل الرئيس جلال طالباني فكرة الاعدام، ولكن كلمتي لم تكن متعلقة بهذا المبدأ مطلقا، بل على الطريقة التي اعدمت بها صدام والتي أسفرت بكل أسف عن التقليل من اهمية الحدث والى تصغير جرائمه عوضا عن تضخيم القضية والحدث، فالبلاد والشعوب العربية رأت ان الطبقة السياسية والسلطات العراقية رفضت محاكمة صدام على كل جرائمه المختلفة والفظيعة والمهولة والمرتكبة على مدى 30 عاما في العراق، واكتفت فقط بمحاكمته في قضية الدجيل على اهميتها مما أوحى بان ما حدث هو تصغير واختزال للقضية وإجرامية النظام، وذلك هو الخطأ السياسي الكبير الذي وقع جراء إعدامه». وحول ما كان يقصده من كلمة «الجلادين»، أوضح «انه لم يتعد حدود غرفة الاعدام.. لكنني وبصفة شخصية اعتبر رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي من أنزه الشخصيات السياسية التي تعرفت عليها بعد تسليم السلطة الى العراقيين؛ فالمشكلة في العراق برأيي هي ليست مشكلة أشخاص بل مشكلة البنية السياسية نفسها التي تمنع أي شخص كفوء وممتاز مثل المالكي من التحرك بالطريقة المطلوبة والاتجاه الصحيح وان ينتقي الوزراء الذين يحتاجهم اي ان البنية السياسية تعاني من خلل عميق وكبير».

وردا على سؤال حول اتهامه للجميع بالمساهمة في تنفيذ حملة الانفال بحق الاكراد ومن كان يقصد، أوضح مكية «أقصد العراقيين جميعا أحزابا ومواطنين، وهذه مسألة قيمية وليست اتهامات سياسية. ويجب ان نعتبر أنفسنا مسؤولين ليس في قضية الانفال وحدها مضافا اليها كل جرائم النظام السابق الاخرى؛ فالعراقي الذي يتنافس مع اخيه اليوم على مظلوميته يرتكب أكبر خطأ يمكن ان يحدث، والسياسي الذي يمارس هذه اللعبة ويساهم فيها انما يرتكب خطأ أكبر وأفدح وأخطر على ضمير العراق نفسه وعلى فكرة البلد ككل والسؤال الذي طرح بعد سقوط النظام السابق عام 2003 هو من هو العراقي؟ وما معنى العراق كدولة وكبنيان وكشكل وكجغرافيا وهذا التساؤل يأتي نتيجة ما حدث في عهد البعث وسيادة الفكر القومي العربي الذي انهك ودمر فكرة البنيان التحتي للعراق والتي نشأ عليها جيل آبائنا، بمعنى ان الطبقة السياسية التي حاولت الاجابة عن هذه التساؤلات اعطت اجوبة جزئية دعني أسميها بالعنصرية او الطائفية بمعنى انه لم يأت سياسي قوي ليطرح فكرة العراق على العراقيين أنفسهم، وهنا أريد القول إن المشكلة الطائفية القائمة في العراق اليوم هي ليست مشكلة الجماهير العراقية، بل مشكلة السياسيين وخصوصا الحلقة التي أتت من الخارج لتخلق لغة طائفية ادخلتها الى الساحة العراقية، مما أدى الى تخريب البيت العراقي».

وبسؤاله عن موقفه من الغزو بعدما كان من أشد المؤيدين له، قال مكية «لم أكن مطلقا من اشد المؤيدين لغزو العراق اميركيا، بل من أنصار فكرة تحرير العراق، وهناك بون شاسع بين الحالتين؛ فلا علاقة لي بالحكومة الاميركية ولا أحبذ الحرب، لكن تغيير النظام في العراق وفتح ابواب السجن العراقي الكبير وهذا تعبير مجازي عن حالة العراق الذي كان اشبه بسجن كبير، وإعادة بناء حياة سياسية اعتيادية كان مرتبطا عضويا بعملية اسقاط النظام السابق؛ لذلك كنت مؤيدا لمشروع التغيير في العراق».

وأضاف مكية «الاحتلال جاء بالكثير من المشاكل الى العراق وأخطاء الاميركان كثيرة وقد تحدثت في كلمتي عن هذا الجانب باسهاب، ولكنني ركزت في المقام الاول على اخطاء الطبقة السياسية الجديدة التي وصلت الى السلطة بعد عام 2003؛ بمعنى ان المعادلة السياسية ذات طرفين هما الجانب الاميركي الذي يرتكب اخطاء كبيرة وجسيمة ومعظمها حدثت في الاعوام 2002 – 2004 وبعد انتهاء مرحلة الاحتلال الممثلة بتسليم بول بريمر للسلطة، حيث تحولت المسؤولية الكبرى الى اكتاف العراقيين الذين يمثلون الجانب الآخر من المعادلة. وهنا بدأ نوع آخر من الفشل وسلسلة أخطاء أخرى تجسدت في الدستور العراقي الراهن الذي يمنع أي تطور سياسي في البلد مع شديد الأسف، اي ان جزءا كبيرا من مشاكل العراقيين نابع من الدستور الذي يحتاج الى اصلاح جذري، ولكني أردت القول في كلمتي إن الولايات المتحدة أخطأت في العراق كثيرا، لكنها كانت تنوي إعادة بناء العراق وينبغي القول ان الأميركيين لا يكترثون بوجودهم في العراق وقد يغادرونه غدا او بعده، ولكن المشكلة هي بالنسبة لنا نحن العراقيين الذين نتحمل المسؤولية وخصوصا الطبقة السياسية لاسيما وان الولايات المتحدة ليس بوسعها مساعدتنا إلا عسكريا وهي تقوم بهذا الآن».