«متحف صابانجي» يتحول إلى نموذج، ليس فقط للأتراك، لكن لشعوب عديدة. فهذا المتحف الذي يتطور بسرعة ويتجه نحو العالمية، بفضل اتفاقيات يعقدها مع متاحف ذات صيت كوني، هو صنيعة القطاع الخاص التركي الذي أصبح شريكاً، لا بل ومبادراً في بناء المتاحف وتطوير السياحة وتفعيل الحياة الثقافية التركية... «متحف صابانجي» تجربة يصعب تجاهلها.
مرة جديدة يدخل القطاع الخاص على الخط ويعلن استعداده للمساهمة في تعزيز ونشر روح الثقافة بين المواطنين الأتراك، والترويج لمشاريع وبرامج وأفكار انفتاحية تنويرية تثقيفية، فليس عدلا ان نظل نطالب وننتظر ذلك من القطاع العام ومؤسساته، ونحمله كافة المسؤولية والعبء المادي والمعنوي. ضمن هذا الاطار والتوجه تحركت أكثر من مؤسسة وشركة تركية، يشرف عليها رجال أعمال يتبنون مثل هذه الافكار والقناعات، يروجون لها ويتسابقون في ما بينهم على إقامة المعارض العالمية وتنظيم الحفلات الموسيقية الكبرى والمشاركة في دعم وتمويل عشرات المشاريع والنشاطات التي تعرّف بخصائص وتاريخ وحضارة المجتمع التركي عبر العصور.
أسرة أهم رجال الأعمال الأتراك، الراحل صائب صابانجي وبتوصية منه، حولت قبل سنوات قصر إقامتها على ضفاف البوسفور الى متحف وضعته بتصرف «جامعة صابانجي» الخاصة التي بنتها الأسرة لتنطلق منه عشرات الإنجازات الفنية والثقافية التي حملت طابعاً عالمياً مميزاً، يسهم عن حق في إبراز الوجه الانفتاحي لتركيا على الحضارات والشعوب والدول.
«متحف صابانجي» الذي يحمل اسم «قصر الفرسان» اشترته الأسرة في مطلع الخمسينات وعاشت فيه أكثر من نصف قرن، وقع، أخيراً، اتفاقية تعاون وتبادل للخبرات مع «متحف اللوفر» الفرنسي، لاستقدام عشرات اللوحات والتحف النادرة التي يملكها هذا المتحف الفرنسي حول التراث الاسلامي ليعرضها أمام الزوار الأتراك لمدة عام كامل.
خدمة ثقافية في غاية الأهمية تتطلب جهوداً وتحضيرات واستعدادات مادية وتقنية وأمنية، استنفر منذ الآن عشرات الاختصاصيين والخبراء والإداريين الأتراك والفرنسيين لإنجاحها وتعميمها.
المشرفة العامة على المتحف غولار صابانجي التي لم تخف سعادتها وحماسها وقلقها طبعاً، أمام هذه الخطوة قالت ان أكثر من 200 لوحة وتحفة نادرة جمعها اللوفر خلال 5 عصور ستنقل الى اسطنبول لتكون في حماية الأتراك وأمام أعينهم، فنحن ننقل أهم ممتلكات هذا المتحف الفرنسي الى هنا، بدل ان يتكبد المواطن عناء ونفقات السفر الى باريس، مؤكدة ان الغاية الأساسية هي أن نوفر لهذا المتحف مواصفات العالمية وهذا ما نحاوله منذ 3 سنوات تحديداً.
مدير «متحف صابانجي» يقول ان اتفاقية تعاون وتنسيق وتبادل للخبرات، وقعت بين الجانبين ومدتها 5 سنوات، تهدف أساسا لتنظيم الحلقات وإقامة المختبرات الثقافية التدريسية المشتركة، وتبادل الاختصاصيين والخدمات. الخطوة الأولى للتعاون مع اللوفر كانت قبل 7 سنوات عندما حملنا عشرات لوحات الخط التي تمثل اكثر من حضارة وفكر وتيار الى باريس لعرضها هناك، حيث وجدنا فعلا الاهتمام والإقبال والتشجيع، وقررنا توسيع رقعة التعاون والتنسيق المشترك.
«متحف صابانجي» وجد الى جانبه في خطوته هذه، كبار المسؤولين في شركة الاتصالات التركية «تلكوم» الذين أبدوا استعدادا لتقديم الدعم المادي والفني. وهي شركة منح حق استثمارها لمدة طويلة الى «أوجيه» المعروفة، كما يدعمه مباشرة عشرات المهتمين الأتراك، التقوا على شكل حلقتين، «عشاق المتاحف» وحلقة «أصدقاء المتاحف» التي تشارك في تقديم الخدمات التنظيمية والإدارية والفنية.
«متحف صابانجي» وضمن خطة التأقلم مع الروح العصرية لعلم المتاحف، أطلق هيكليته التنظيمية على هذا الاساس وربطها مباشرة بجامعته التي تضم أهم الاختصاصيين العالميين في علم المتاحف تستضيفهم كأساتذة زائرين أو ضمن عقود خاصة، لإلقاء المحاضرات أو المشاركة في حلقات تدريس خاصة. وضمن هذا التوجه، يملك المتحف عشرات القطع الفنية النادرة التي جمعها من مختلف بقاع العالم عبر السنين، كان كبير الأسرة هو المشجع والداعم الأول لها، مكنته خلال السنوات الخمس الأخيرة من تنظيم العديد من المعارض الدولية اهمها معرض «جنكيزخان وخلفاؤه»، «معرض الحضارة المغولية» و«رودان في اسطنبول» و«بيكاسو في اسطنبول»، وعرض مجموعة الكسندر فاسيلياف وغيرها.
نموذج متحف «قصر الفرسان» يستحق المتابعة والتقدير حقاً، ونحن بدورنا ننتظر بفارغ الصبر لحظة إطلاق تعاون عربي ـ تركي مشترك من هذا النوع، يساهم في اكتشاف صورة الآخر التي أهملت وهمشت وعملت جهات وقوى عديدة على إخفائها وطمرها، بهدف عرقلة ومنع تقاربنا وتوحيد جهودنا.