المغرب يفكك شبكة إرهابية ويعتقل زعيمي حزبين إسلاميين ومراسل قناة «المنار» اللبنانية

المجموعة تضم 23 عضوا بينهم عضو في حزب «العدالة والتنمية»

المحامي المغربي، خالد السفياني، الأمين العام لمؤتمر الاحزاب القومية العربية، يتحدث الى كل من محمد المرواني، أمين عام حزب الأمة، غير المعترف به (يمين)، والمصطفى المعتصم، أمين عام حزب البديل الحضاري، في آخر مناسبة سياسية يحضرانها قبل اعتقالهما (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

أعلنت مصالح الأمن المغربي عن تفكيك شبكة إرهابية، تتكون من 23 عضوا، وصفتها مصادر رسمية بـ«الخطيرة»، و«ذات صلة بالفكر الجهادي»، وقالت إنها كانت تعتزم تنفيذ أعمال إرهابية في عدد من المدن المغربية. ومكن التحقيق من تحديد الشبكة، واعتقال الأعضاء الرئيسيين النشيطين فيها، حيث تم وضع 23 منهم، ضمنهم زعيم الشبكة المسمى عبد القادر بليراج، رهن الاعتقال الاحتياطي، إضافة إلى 3 من قادة حزبين لهما مرجعية إسلامية، وعضو في حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعارض، ومراسل قناة «المنار» اللبنانية في الرباط. ومكن التحقيق، الذي يتواصل تحت إشراف النيابة العامة المختصة، من تحديد فروع هذه الشبكة، وارتباطاتها بمنظمات تنشط بالمغرب والخارج.

وقامت الشرطة القضائية، وعلى أساس المعلومات التي تم تجميعها، من اعتقال المصطفى المعتصم، رئيس حزب «البديل الحضاري»، ذي المرجعية الاسلامية، ومحمد امين الركالة، الناطق الرسمي باسم الحزب، ومحمد المرواني، رئيس حزب الامة غير المعترف به، الذي انبثق من «الحركة من أجل الأمة»، وهي أيضا ذات مرجعية إسلامية، والعبادلة ماء العينين، عضو في حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل، وعبد الحفيظ السريتي، مراسل قناة «المنار» في الرباط. وهذه أول مرة يتم فيها اعتقال قيادات حزبية وسياسية على خلفية اعمال ارهابية، اذ جرت العادة ان الاشخاص المتورطين في قضايا الارهاب، غير معروفين. واعلن حزب البديل الحضاري امس ان اعتقال المعتصم تم حينما كان هو وزوجته وابنته بمحطة القطار (اكدال) بمدينة الرباط صباح أول من أمس، من طرف أربعة عناصر من الامن كانوا يرتدون لباسا مدنيا، حيث طلبوا من زوجته، وابنتها الرجوع إلى المنزل، ليتم إرجاع المعتصم من جديد الى منزله رفقة سبعة أشخاص، حيث أخذوا جهاز كومبيوتره الشخصي، وبعض كتبه، قبل التوجه به إلى وجهة غير معلومة. بينما تم اعتقال الركالة من منزله من طرف أربعة أشخاص حوالي الساعة الثامنة مساء من نفس اليوم، بعد أن داهموا منزله حوالي الساعة السادسة والنصف، ومكثوا ببيته الى حوالي الساعة الثامنة آخذين أيضا حاسوبه الشخصي وكتبه.

وتأتي هذه الاعتقالات بعد يوم واحد من انتهاء المجلس الوطني لحزب البديل الحضاري الذي دار في أجواء إيجابية طبعها تجديد العزم على النهوض بهذه التجربة لخدمة البلاد، وبعد أن انصب النقاش الرئيسي حول الذات الحزبية خاصة بعد أول مشاركة للحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

واعتبر بيان صادر عن حزب «البديل الحضاري» الاعتقال بأنه خطوة غير مفهومة خاصة بالنسبة لحزب يعمل في إطار القانون، ويؤمن بالثوابت الوطنية، ويرفض ازدواجية الخطاب. وقال البيان ان الاعتقال يؤشر على تحول خطير في المسار الذي دخلته البلاد. وأدان الحزب هذا السلوك «غير الحضاري والبعيد كل البعد عن القوانين المعمول بها». وقال في البيان «إنه بالنسبة لحزب يشتغل في إطار القانون، كان حرياً على أصحاب القرار السياسي في البلاد، أن يلجأوا للقضاء إذا كان الأمر يتعلق بشبهة أو خروج عن القانون».

ومن جهته، ندد بيان صادر عن حزب الأمة بالاعتقال، الذي تعرض له الأمين العام للحزب، مساء أول من أمس، واستغرب لذلك، في الوقت الذي يخلد فيه الحزب الذكرى السنوية الأولى للإعلان عن تأسيسه (19 فبراير (شباط) 2007)، وينتظر قرار المحكمة الإدارية لإنصافه في الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة الداخلية ضد الحزب لإبطال تأسيسه. وطالب الحزب من السلطات الإفراج الفوري عن المرواني، وحملها المسؤولية عن التداعيات التي قد تترتب عن هذا الاعتقال على العمل السياسي والحزبي في المغرب. كما طالب الحزب جميع الهيئات السياسية والحقوقية والمدنية التنديد «بهذا الحدث الخطير»، والعمل على الإفراج الفوري عن المرواني دفاعا عن قيم الحرية ودولة الحق والقانون.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان اعتقال المعتصم، والركالة، والمرواني، جاء بناء على معطيات كشف عنها زعيم الخلية، عبد القادر بليراج للمحققين. وقال مصدر مطلع إن أفراد الخلية وضعوا رهن الاعتقال الاحتياطي لمباشرة التحقيق معهم من أجل الحصول على تفاصيل إضافية حول طبيعة التنظيم والأهداف التي كان ينوي استهدافها.

وسبق للسلطات الأمنية المغربية أن وزعت في نهاية الأسبوع الماضي نشرة على مختلف النقاط الامنية الحدودية، وفي المطارات، تقضي بمنع عدد من المشتبه فيهم، ضمنهم الشخصيات الحزبية الثلاث، من مغادرة التراب المغربي.

وكان المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري، قد أصدر الأسبوع الماضي وثيقة سياسية تحت اسم «إلى من يهمه الأمر»، عبر فيها عن مواقفه ازاء عدد من قضايا الساعة السياسية والاجتماعية في المغرب.

ويرى مراقبون ان حزب البديل الحضاري هو حزب اسلامي له خيارات تقدمية يسارية. ويعمل المعتصم استاذا بالمدرسة العليا للاساتذة بالدار البيضاء، فيما يعمل الركالة استاذا للمدرسة العليا للاساتذة في فاس. وحسب معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فقد سبق للمعتصم والمرواني، ان انتميا الى جماعة الشبيبة الاسلامية المحظورة، التي يتزعمها عبد الكريم مطيع، المنفي حاليا في ليبيا. وانشق الاثنان عن الشبيبة عام 1981، وأسسا معا جماعة «الاختيار الاسلامي» بطريقة سرية لكنهما اختلفا في أهدافها، فأسس المعتصم، جمعية البديل الحضاري، في حين أسس المرواني، «الحركة من أجل الامة» وذلك عام 1995، وظل الخلاف قائما بينهما. وقال مصدر لـ«الشرق الأوسط» إن زعيم الشبكة المفككة، عبد القادر بليراج، كان عضوا نشيطا في جماعة «الاختيار الاسلامي» السرية، رفقة معتصم والمرواني. ورفض مصدر أمني رفيع المستوى تقديم توضيحات لـ«الشرق الأوسط»، حول أسباب الاعتقال، وطبيعة علاقة المعتصم، وركالة، ومرواني، والعبادلة، والسريتي، بالشبكة المفككة. وأكد المصدر ذاته أنه حالما ينتهي التحقيق الاولي، الذي تقوم به الشرطة القضائية مع المعتقلين، سيتم إخبار الصحافيين بالمستجدات.

يذكر ان ماء العينين العبادلة، المتحدر من المحافظات الصحراوية الجنوبية، كان ينتمي لحزب البديل الحضاري، قبل ان ينسحب منه، ويلتحق بحزب العدالة والتنمية، ويترشح باسمه في الانتخابات التشريعية الاخيرة بدائرة كلميم، بيد ان الحظ لم يسعفه.

وفي سياق ذلك، قال محمد العوني، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، لـ «الشرق الأوسط»، إنه تلقى خبر الاعتقال باستغراب شديد، وانه علم أن شخصا اسمه عبد القادر الختير، المعتقل على ذمة التحقيق في نفس القضية، هو من ذكر خلال التحقيق معه اسماء: المعتصم، والركالة، ومرواني. وأضاف العوني أن قيادة «البديل الحضاري» لها علاقات جيدة مع أحزاب اليسار الديمقراطي، وتنسق معهم، كونهم يؤمنون بالنظام السياسي المغربي، ويطالبون بتطبيق الديمقراطية، من خلال فصل حقيقي للسلطات، مثلهم مثل باقي الاحزاب، مستندا في ذلك إلى مشاركة حزب البديل الحضاري في الانتخابات التشريعية الاخيرة.

ومن جهته، قال المحامي خالد السفياني، رئيس المؤتمر القومي العربي، إن المعتصم، والركالة، ومرواني، يشاركون في المؤتمرات العامة للاحزاب العربية، والمؤتمرات العامة الاسلامية، والقومية، ولهم مواقف شجاعة إزاء دعم وحدة تراب المغرب، ووحدة تراب جميع الدول العربية الاسلامية.

ومن جهته، استغرب لحسن الداودي، نائب الامين العام لحزب العدالة والتنمية، اعتقال ماء العينين، معتبرا أن هذا الاخير لم تعد له علاقة بحزب البديل الحضاري، والتحق بحزبه، ليترشح في الانتخابات التشريعية الاخيرة، وفق مبادئ الحزب التي ترفض العنف والارهاب، وتؤمن بالديمقراطية.

وكان حزب البديل الحضاري، قد عقد مؤتمره التأسيسي عام 2006، بعد حصوله على ترخيص قانوني، بعد ممانعة طويلة من لدن السلطات بسبب ما قيل عن وجود قناعات شيعية لدى قادته، وليصبح بذلك ثالث حزب اسلامي مرخص له في البلاد بعد «العدالة والتنمية» و«النهضة والفضيلة»، وقدم مرشحيه للانتخابات التشريعية التي جرت يوم 7 سبتمبر (ايلول) 2007، لكنه لم يتمكن من تقديم لائحته الوطنية الخاصة بالنساء لحداثة نشأته، وأجرى الاعلام المغربي الرسمي حوارات مع معتصم، حول مضمون برنامجه الانتخابي، الذي كان الى حد ما شبيها ببرامج باقي الاحزاب اليسارية، ولم يفز الحزب بأي مقعد نيابي، في حين رفضت وزارة الداخلية المغربية منح الترخيص القانوني لحزب الامة. وكان شكيب بن موسى، وزير الداخلية المغربي قد سبق له ان قال في جلسة علنية بالبرلمان «إن هذا الحزب غير معترف به قانونيا، وإعلانه عقد مؤتمر تأسيسي في الدارالبيضاء، يعد باطلا، لأنه لم يتوصل بالتصريح (الترخيص) القانوني، وفق قانون الاحزاب السياسية المغربية»، مشيرا الى أن ما يسمى «حزب الامة» لم يقدم الوثائق المطلوبة للسماح له بعقد مؤتمره التأسيسي. بيد ان حزب الامة عقد مؤتمره التأسيسي يوم 3 يونيو (حزيران) 2007 بمقر الحزب الاشتراكي الموحد (يسار معارض) بمدينة الدارالبيضاء، رغم معارضة وزارة الداخلية لذلك.

وكان المرواني قد اعلن في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر، عن استعداد حزبه إجراء حوار مع ممثلي الدولة المغربية، إذا كانوا يرغبون في الحصول على مزيد من التوضيحات فيما يخص المرجعية السياسية والفكرية لحزبه، مبرزا أن مغرب اليوم محتاج الى توسيع فضاء الحريات، لتتمكن الأحزاب الديمقراطية من تصحيح علاقة السلطة السياسية بالمجتمع، وتصل الى تشكيل سلطة موازية الى جانب جمعيات المجتمع المدني للمساهمة في تنمية بالبلاد ومحاربة المفسدين.

وقال المرواني «إننا اخترنا المرجعية الاسلامية، لكون الدين الاسلامي مكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية والبنية الثقافية للمجتمع المغربي، ولا يمكن في نظرنا أن نحقق تقدما في الاصلاح بدون النظر في هذا المكون، ولذلك فنحن مع التجديد الديني، من اجل تحريره مما علق به من أمور لا تمت له بصلة». فالمطلوب اليوم، يقول المرواني، هو تجديد الفهم في ضوء قراءة متجددة للواقع من جهة، والدفع بعملية الاجتهاد وتوسيع مساحة العقل والتعاطي مع أسئلة العصر وقضاياه.

وسلط اعتقال المعتصم والركالة والمرواني الضوء من جديد عن التشيع في المغرب، ويرى المراقبون انه يمكن تصنيف تعاطي الحركات الاسلامية في المغرب في ثلاثة مواقف. الاول يكمن في موقف الصرامة التنظيمية ضد اية شبهة خاصة بالتشيع، ويرفع لواء هذا الموقف جماعة «العدل والاحسان» الاصولية شبه المحظورة، وحركة «التوحيد والاصلاح» المقربة من حزب العدالة والتنمية المعارض. اما الموقف الثاني، والمتمثل في الانزلاق نحو التعاطف الكبير مع الشيعة، وترفع لواء ذلك «الحركة من أجل الأمة»، و«البديل الحضاري». هذا مع الاشارة الى ان هذا التعاطف اقتصر على الشق السياسي بدون ان يمتد للشق العقائدي، بينما يكمن الموقف الثالث في ما يسمى «الحرب المذهبية»، الذي تتبناه التيارات السلفية.