عملية اغتيال أبي الليث الليبي: مرشدون رصدوا قافلة السيارات في وزيرستان

«سي آي إيه» أخطرت باكستان خلال التنفيذ وصاروخ ضربَ مقر عبد الستار

TT

في فترة ما قبل فجر يوم 29 يونيو (حزيران) حلقت طائرة بريداتور على ارتفاع منخفض على شكل قوس بطيء فوق بلدة مير علي الباكستانية، ونقر مشغل الطائرة التي تطير بلا طيار، معتمدا على معلومات قدمها سرا لوكالة الاستخبارات المركزية من مرشد محلي، على «ماوس» الكومبيوتر وأطلق صاروخين من طراز هلفاير نحو مجموعة من المباني الطينية على بعد اميال من وسط المدينة.

وقتلت الصواريخ ابا الليث الليبي، وهو من كبار قادة القاعدة، والذي نجح في الفرار مرارا من شبكات وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه). وكانت اول ضربة ناجحة ضد قيادة القاعدة في عامين، واعتمدت، كما ذكر المسؤولون، على درجة غير عادية من الاستقلال من وكالة الاستخبارات المركزية داخل باكستان.

وكانوا كلما طلبوا تصريحات رسمية من الحكومة الباكستانية لمثل هذه الغارات في مناسبات سابقة، كانت طلباتهم ترفض، أما هذه المرة، فإن «سي آي ايه» لم تسع للحصول على موافقات. وتم ابلاغ حكومة الرئيس الباكستاني برويز مشرف اثناء تنفيذ العملية، طبقا للمسؤولين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب الحساسيات الدبلوماسية.

وقال المسؤولون ان الحادثة كانت نموذجا لكيفية تحقيق واشنطن لانتصارات نادرة هذه الايام في المعركة ضد القاعدة داخل حدود باكستان؛ فهي تتصرف بمساعدة من متعاطفين يحصلون على اجور جيدة، ولكن بدون الحصول على موافقات رسمية من الحكومة.

وهو منطلق أشار عدد من المسؤولين الاميركيين الى امكانية استخدامه اكثر هذا العام، ولا سيما اذا ما حدث فراغ سياسي بسبب نتائج الانتخابات الباكستانية. كما تشعر الادارة بشعور متزايد بالعجالة بخصوص اضعاف القاعدة قبل انتهاء عهد الرئيس بوش.

وتجدر الاشارة الى ان الاعمال المستقلة من جانب القوات المسلحة الاميركية على اراض دولة ذات سيادة امر يثير الجدل. وقد حاولت الولايات المتحدة التعتيم على تفاصيل العمليات التي يمكن ان تكشف ان القرارات الاساسية اتخذت في الولايات المتحدة، وليس في اسلام اباد. وتم تنفيذ بعض عمليات البنتاغون بعد جدل حاد مع وزارة الخارجية، التي تشعر بالقلق من انها ربما تؤدي الى اثارة رفض الرأي العام الباكستاني. وذكر مسؤولون عسكريون اميركيون ان الاداء غير المتناسق من نظرائهم الباكستانيين يتطلب سعي واشنطن لاستخدام كل الوسائل، وفي بعض الاحيان اتباع وسائل غير تقليدية بدون علم المؤسسة العسكرية الباكستانية واستخباراتها الذين يفتقرون للالتزام والعزيمة وفي اسوأ الحالات لا يتعاطفون مع المصالح الاميركية. وبدأ كبار مسؤولي سياسة ادارة بوش، ممن يشعرون بقلق متزايد بشأن استخدام القاعدة ملاذها القصي، أي المناطق التي تهيمن عليها القبائل في شمال باكستان لارسال ارهابيين مدربين الى الغرب، وبدأوا يقبلون بهدوء وجهة نظر الجيش الاميركي، وفقا لمصادر عديدة مطلعة على سياق ضربة الليبي.

ولكن عندما تنجح العمليات العسكرية الأميركية المستقلة في مناطق القبائل يتنامى الدعم لها في واشنطن ربما بالقدر نفسه الذي تتنامى فيه مشاعر الاستياء الباكستانية. وقالت المصادر انه بينما يعزز المسؤولون الأميركيون الضغط على مشرف للقيام بالمزيد فان الرئيس الباكستاني اتخذ موقفا متشددا في العلن ضد التعاون في الأشهر الأخيرة. وقال مسؤول اميركي رفيع غالبا ما يزور المنطقة ان «الموقف الذي كان جليا قبل عامين ليس جليا في الوقت الحالي».

و خلال سبع سنوات من البحث عن أسامة بن لادن وأتباعه نفذت الولايات المتحدة برامج مراقبة بقيمة مليارات الدولارات في جنوب آسيا من أقمار التجسس الصناعية السرية للغاية الى أجهزة التنصت المتطورة لمراقبة الرسائل النصية ومكالمات الهواتف الجوالة. غير ان بعض المعلومات الأولية التي ادت الى ضربة الليبي كانت منخفضة التكنولوجيا، وفقا لتقرير قدمه أربعة مسؤولين مطلعين على العملية. ورفضت «سي آي إيه» التعليق على الضربة ولم تؤكد أو تنفي مشاركتها.

وقالت المصادر انه قبل ساعات من الهجوم جرى تنبيه وكالة المخابرات المركزية بوجود قافلة سيارات تتحرك، وهي تحمل مواصفات القاعدة. وبدأ سكان محليون، قال مصدران انهما غير مرتبطين بالجيش أو الاستخبارات الباكستانية، مراقبة قافلة السيارات، وهي تمر عبر اقليم شمال وزيرستان على الحدود مع أفغانستان. وقررت المصادر المحلية، التي كانت تتلقى نصيبها من المال لقاء عملها، اخيرا ان القافلة تنقل سبعة من عناصر القاعدة، كان أحدهم يبدو مسؤولا رفيعا من التنظيم.

وقال كاميرا بخاري، مدير قسم تحليل الشرق الأوسط في مؤسسة التكهن الاستراتيجي، وهي مؤسسة معلومات استخباراتية خاصة، ان المخبرين ربما كانوا مجندين من الجانب الأفغاني من الحدود حيث يعمل الجيش الأميركي بحرية.

وما يعرفه المسؤولون الاميركيون عن هذا «الهدف المهم» في قافلة القاعدة غير واضح. اصبح الليبي، وهو شخص طويل القامة وقوي البنية يحتل المرتبة الخامسة في قائمة وكالة الاستخبارات المركزية للمطلوبين. يتحدث الليبي اللغة العربية بلهجة ليبية، وتعلم التزام الحيطة والحذر عقب نجاته باعجوبة من ضربة سابقة للوكالة. ويقول مسؤولون في الاستخبارات الاميركية انه كان وراء إدارة عدد من الهجمات الكبيرة، بما في ذلك تفجير قاعدة عسكرية اميركية في افغانستان العام الماضي، مما ادى الى مقتل 23 شخصا.