أهالي غزة بدأوا يتذمرون من نتائج حرب حماس على إسرائيل

إطلاق الصواريخ من الحقول والمناطق السكنية يهدد المدنيين

TT

انتظرَ المزارعُ الفلسطينيُّ البالغ من العمر 20 عاما، محمد وهدان، حتى انتهاء مجلس العزاء المقام على روح والدته الى أن غادر آخر المعزين بيت عائلته الريفي الواقع على طرف قطاع غزة.

ثم تناول فأسا ومشى الى بستان البرتقال العائد الى العائلة. وكانت الأشجار، المحملة عندئذ بالبرتقال، تطل على الحقول والبيوت البيضاء البعيدة. وراح وهدان يقطع أشجار البرتقال الـ12، وهي مصدر رزق عائلته.

وكان مسلحون فلسطينيون، من حركة حماس وجماعات أخرى، يستغلون الغطاء الذي يوفره بستان البرتقال لإطلاق الصواريخ على مدينة سديروت الاسرائيلية، والبيوت البيضاء التي تقع على طرف حقول وهدان.

وعندما جاء المقاتلون في الصباح الشهر الماضي ناشدتهم عائلة وهدان أن يفكروا في نيران الرد الاسرائيلي على الصواريخ. وتذكر وهدان انه قال لهم «توجد نساء في البيت وأطفال. أنتم تهربون، ولكن الطائرات الاسرائيلية تأتي بعدكم، فأين نذهب نحن؟».

ولكن الرجال المسلحين واصلوا عملهم كما هو مخطط له، وفقا لما قالته عائلة وهدان. وعندما عاد المقاتلون في ظهيرة ذلك اليوم ليطلقوا الصواريخ التي لم يتمكنوا من اطلاقها في المرة الأولى، كانت خضرة، أم محمد، 54 عاما، تعد العجين في المطبخ. وهرعت لتصرخ في وجه المقاتلين. وتوجهت خضرة الى بوابة فناء بيت العائلة عندما سقطت قذيفة اسرائيلية، فصرعتها شظية كما قتلت عاملة في حقل العائلة تبلغ من العمر 15 عاما. وقال محمد وهدان «كانت آخر كلماتها: اهرب».

وفي غزة، تنامى القلق من تزايد الصعوبات الناجمة عن نزاع حماس مع اسرائيل. وباتت غزة، المعزولة عن العالم بحواجز ونقاط تفتيش مكانا مليئاً بالأنقاض حيث الناس يواجهون ببطء صعوبات حياتهم اليومية. وفي الشهر الماضي، عندما دعت حماس الى مسيرة في قطاع غزة للاحتجاج على القيود الاقتصادية الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، لجأ المسؤولون الى حث الفتيان على حمل الأعلام الفلسطينية من أجل تعزيز صفوف تجمعهم. وكان كثير من أهالي غزة يسرعون من دكان الى آخر ليحصلوا على السلع ونادرا ما شاركوا في التجمع.

منذ استيلاء حماس على قطاع غزة في يونيو(حزيران)، حدت كل من إسرائيل ومصر الحركة من القطاع وإليه. ووصل التوتر بين حماس وإسرائيل إلى قمته، الشهر الماضي. ففي 15 يناير (كانون الثاني)، أرسلت إسرائيل قوات ودبابات ومروحيات إلى غزة بغرض تعقب العناصر التي تطلق الصواريخ، ودار قتال يعتبر الأكثر عنفا لمدة عام. ولقيَّ 19 شخصاً في الأقل مصرعهم بمن في ذلك ابن محمود الزهار، القيادي البارز في حركة حماس. وتعهدت الحركة من جانبها بتصعيد الرد ضد إسرائيل، ووصل عدد الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل إلى 12 في اليوم. كما ان الحركة استأنفت هذا الشهر، ولأول مرة منذ عام 2004، الهجمات الانتحارية وأعلنت مسؤوليتها عن عملية أدت إلى مقتل امرأة إسرائيلية تبلغ من العمر 73 عاما. أعمال العنف ألقت بظلالها على محادثات السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية التي دعت إليها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش. وفي باحة منزل ببيت حانون، تجمع العشرات لاستقبال مزارع سابق، أطلقت حماس سراحه في الآونة الأخيرة بعد استجواب استمر أسبوعا. وكان قطاع غزة قد ظل على مدى فترة طويلة عرضة لانقسامات وخلافات الفصائل الفلسطينية. وتستخدم حماس، كما هو الحال بالنسبة لحركة فتح، المال بغرض تمتين ولاء مؤيديها.

ومع ازدياد الضغط على غزة، يقول السكان ان حماس باتت تشن حملات أكثر تشددا على أنصار فتح. ووصف واحد من المزارعين في بيت حانون، التي يتوزع سكانها بين مؤيدين لحماس وفتح، عملية مطاردة مزارع بواسطة عناصر أمن حماس وإطلاق النار بصورة عشوائية بسبب الاشتباه في تلقي المزارع المذكور أموالا من فتح. عندما بدأت عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، كثفت إسرائيل من سياسة الحد من وصول شحنات الطعام والوقود وبضائع أخرى إلى داخل القطاع. وقالت إسرائيل انها ستسمح فقط بحد أدنى من الاحتياجات حتى لا تحدث أزمة إنسانية. وقال مسؤولون إسرائيليون ان الغرض هو حمل أهالي غزة على الضغط على حماس لوقف إطلاق الصواريخ. ويبدو ان اجتياح الحدود الذي استمر 11 يوما زاد من صعوبة حياة سكان غزة، حيث تصل نسبة البطالة الى 40 في المائة. ويعتمد 80 في المائة على المساعدات الغذائية الدولية. فقد أنفق السكان ملايين الدولارات من مدخراتهم في مصر، وباعوا المجوهرات، بل والمنازل للحصول على نقود لشراء البضائع.

ومع إغلاق الحدود اوائل هذا الشهر، جلست امرأة الى جوار كمية من الجوالات مليئة بمساحيق الغسيل. وقالت الارملة انها اقترضت اكثر من الف دولار من الأقارب لشراء المسحوق. وقالت ان الكمية كلها لها لأن «غزة تعاني من الأوساخ».

وفي مدينة غزة، باع عصام زاقوت، وهو تاجر، سيارته لشراء قطع غيار كومبيوتر واكسسوارات هواتف جوالة. وفي الاسبوع الماضي، جلس في مقهى في مدينة غزة، يدخن النارجيلة مع اصدقائه الذين وضعوا مدخراتهم في نفس المشروع.

وبعد عمليات الشراء عبر الحدود، ذكر التجار انه لم يعد مع احد ما يكفي من الاموال لشراء أي شيء. وفي ذلك اليوم وأيام اخرى، لم تعد في غزة كهرباء تشغيل الكومبيوتر او شحن الهواتف الجوالة. وقال ابراهيم قصاص الذي كان جالساً في المقهى «لا نعرف ما الذي سنبيعه».

وعندما سألته عمن يتحمل مسؤولية ما حدث في غزة، تردد قصاص. كما صمت الرجال الجالسون في الطاولات الاخرى لكي يسمعوا ما سيقوله، كما انتظر شخص من انصار حماس للتدخل. واخيراً، قال ان اسرائيل هي المسؤولة في النهاية عما حدث.

الا انه عاد وقال «يجب ان تهتم حماس بمصالح الناس، وليس اطلاق الصواريخ فقط». وفي أماكن اخرى من غزة، جلست الأرملة نجاح احمر، 38 سنة، مع اطفالها في غرفة غير مضاءة وبلا تدفئة ليس بها من ديكورات إلا ملصقات جنازة زوجها وشقيقها وابنها، 13 سنة.

وقد سمحت نجاح لابنها بالخروج مع الرجال في مهمة في منتصف شهر يناير، بالرغم من خوفها على حياته. وخلال تنقلهم في سيارة في المدينة اصاب صاروخ اسرائيلي السيارة وقتلهم جميعاً.

واعترف المسؤولون الاسرائيليون بضرب السيارة خطأً، وقالوا ان الصاروخ كان يهدف الى قتل اعضاء في الجهاد الاسلامي في سيارة قريبة.

وفي مبنى فلسطيني، استولت عليه حماس، تحدث مسؤول عن استخدام المدنيين في غزة للتأثير على الجانب الآخر.

وبعد «النجاح الاخلاقي» في اختراق الحدود مع مصر، تدرس حماس الآن إرسال النساء الفلسطينيات والأطفال الى الحدود مع اسرائيل للمطالبة بفتحها، كما ذكر حمد يوسف، وهو مستشار لوزارة الخارجية في حكومة حماس. وقلل من المخاطر قائلا «سنأخذ اولادنا، وسينضمون الينا. فليقتلوهم». وقال يوسف ان هجمات الصواريخ تساوي الضحايا من سكان غزة. واضاف «هذه طريقة للدفاع عن انفسنا. فبدلا من الانتظار هنا لنموت، هذه وسيلة للدفاع عن انفسنا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»