تساؤلات في المغرب حول وجود «خيط شيعي» وراء الشبكة المفككة

خبراء في الملف يتحدثون عن خلط بين التعاطف السياسي والتوجه العقيدي

TT

سلط اعتقال أمينين عامين لحزبي «البديل الحضاري»، و«الأمة»، ذوي المرجعية الإسلامية، على خلفية تفكيك شبكة ارهابية تتكون من 32 عضوا، الأضواء من جديد على ظاهرة التشيع في المغرب. وزاد من اثارة ذلك، اعتقال مراسل قناة «المنار» اللبنانية، المساندة لحزب الله اللبناني. ويتساءل مراقبون في الرباط عن احتمالات وجود «خيط شيعي» وراء الشبكة المعلن عنها، لا سيما أن «البديل الحضاري»، (تقرر حله أمس) قبل الترخيص له، كان موضع شبهات لدى الاجهزة الامنية المغربية، التي كانت تشم رائحة «عبق شيعي» في الحزب الذي اصبح فيما بعد ثالث هيئة سياسية ذات مرجعية اسلامية، يرخص لها قانونياً في المغرب. وامتنعت سلطات الرباط عن الترخيص لحزب «الأمة».

ومن خلال قراءة أدبيات «الحركة من أجل الأمة»، التي تحولت الى حزب «الامة»، ومعها جمعية «البديل الحضاري»، التي تحولت الى حزب ايضا، يبدو انهما تأثرتا كثيراً بأدبيات الثورة الإيرانية، ويتضح ذلك مثلا في دلالات الاسم الذي أطلق على أدبيات الحركة «مشروع البصيرة» (البصيرة مصطلح عرفاني شيعي صرف، و«البصائر» هو عنوان أحد المنابر الفكرية ذات النزوع الشيعي المتشدد)، كما أن مجرد الحديث عن «الحركة من أجل الأمة» يحيل إلى مصطلح «ولاية الأمة»، والذي يحيل بدوره إلى مصطلح «ولاية الفقيه». ويضاف إلى ذلك أن مراسل «المنار» في الرباط ينتمي للحركة ذاتها. تجدر الاشارة الى ان الحركتين او الحزبين خرجا من معطف واحد هو «الشبيبة الاسلامية».

ويقول محمد ضريف، الباحث والمحلل السياسي المغربي المتخصص في الجماعات الاصولية لـ «الشرق الاوسط»، انه حتى الآن (صباح امس) لا تتوفر معطيات حول اسباب اعتقال المصطفى المعتصم (البديل الحضاري)، ومحمد المرواني (الأمة)، مشيرا الى ان بيان وزارة الداخلية يتحدث عن شبكة تعتزم القيام بأعمال ارهابية، في حين ان سير التحقيقات يركز على علاقة الخلية والقياديين المعتقلين بحزب الله، وربما بإيران. ويرى ضريف ان الوجود الشيعي في المغرب ضعيف، ولا يمكن الحديث عن وجود تنظيمات شيعية فيه، مشيراً إلى أن هناك بعض الجمعيات اتهمت بأنها ذات توجه شيعي، مثل «جمعية الغدير» في مكناس، بيد انه تبين فيما بعد ان لا علاقة لها بالتشيع، اضافة الى اتهام بعض الاسماء بالتشيع. ويقول ضريف انه لا ينبغي نسيان أن عددا من الطلبة المغاربة درسوا في مدارس سورية وايرانية. يذكر ان مصالح الأمن المغربية تابعت قبل سنة، عن كثب، ملفات ستة مغاربة سافروا إلى إيران من أجل الدراسة في الحوزة العلمية بمدينة قم، بعد اعتناقهم المذهب الشيعي، وإعلان ولائهم للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتم التوقع آنذاك أن يعود المغاربة الستة، الذين يتحدرون من مدينة مكناس (وسط)، وتتراوح أعمارهم بين 24 و33 سنة، إلى المغرب بعد إكمال دراستهم من أجل «استقطاب» معتنقين جدد للمذهب الشيعي، وضمان توسع فكره في عدد من المدن، خصوصا المدن العتيقة مثل الرباط وسلا ومكناس.

ولم يتسن وقتذاك معرفة الطريقة والترتيبات التي هاجر بها المغاربة الستة، ولا الجهات التي مولت تكاليف سفرهم إلى إيران، بيد أن مصادر مطلعة أشارت إلى نشاط إحدى الجمعيات الثقافية في الرباط التي سهلت ظروف السفر، والتي كانت دائما على علاقة مع إيران من خلال جلب كتب أعلام المذهب الشيعي إلى المغرب، وطباعة الرسائل العلمية التي يكتبها شيعة مغاربة.

يذكر ان الباحث المغربي المعروف إدريس هاني، نفى في حديث سابق لمجلة «المجلة»، أن تكون ظاهرة التشيع في المغرب بذلك الحجم الذي تثيره بعض الصحف بين الفينة والأخرى، خصوصاً أنه يعتبر نفسه أحد أكبر المهتمين بهذا الموضوع في المغرب. ويعتبر هاني أن المذهب الشيعي طبع دائماً تاريخ المغرب من حيث التعلق بآل البيت، نافيا تسييس المسألة.

وفي سياق ذلك، قال ضريف إن هناك خلطاً في المغرب بين التعاطف السياسي والتوجهات العقيدية، مشيراً إلى أن المشكلة المطروحة تكمن في ان السلطات المغربية كانت في البداية توجه اتهامات لـ«جماعة العدل والاحسان» الاصولية، مفادها انها تحتضن شيعة في صفوفها. وأوضح ضريف أن تلك الاتهامات تتنافى مع خط الجماعة. واشار ايضا الى اتهام «البديل الحضاري» قبل الترخيص له، بأن له توجهات شيعية، ولديه ارتباطات بايران.

وابرز ضريف ان الاعداد الاولى من مجلة «الجماعة» التي كانت تصدرها «العدل والإحسان» تضمنت مقالات تحليلية لكتابات آية الله الخميني، وبالتالي، فان مرشد الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين، كان معجباً بقائد الثورة الايرانية، ليس من زاوية عقيدية بل من زاوية سياسية، نظراً لأنه اسقط نظام الشاه. وأشار إلى أن عدة مظاهرات شعبية عرفها المغرب، رفعت فيها اعلام حزب الله، وصور حسن نصر الله، موضحا ان ذلك لا يعبر عن أي انتماء عقيدي، بقدر ما هو تعبير عن إعجاب سياسي بحزب الله. فهناك خلط بين التعاطف السيـاســي والتوجـهـات العقيدية، يقول ضريف، قبل ان يضيف ان الرأي العام المغربي يجد صعوبة في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وبالتالي فهو يتعاطف معه.

وخلص ضريف الى القول ان الحديث عن شبكة ارهابية في المغرب مرتبطة بحزب الله، تروم زعزعة استقرار البلاد، من الصعب الاقرار به الى حين التوفر على معطيات تبين حقيقة اعتقال قيادات حزبية ذات مرجعية اسلامية. لكن ماذا يقول المعتصم، امين عام «البديل الحضاري» المعتقل حاليا بشأن الاتهامات الموجهة الى حزبه بشأن ميوله الشيعية؟. ففي تصريحات صحافية سابقة ادلى بها، قال المعتصم: «نحن كنا دائما ضد تشييع السنة، وضد تسنين الشيعة، باعتبار أن هذا الفعل هو مدخل من مداخل الفتنة والطائفية والاحتراب بين المسلمين في زمن نحن في أشد الحاجة إلى البحث عما يجمعنا لا ما يفرقنا». وأضاف: «بالنسبة لنا نعتبر المذهب السني المالكي يشكل للمغاربة أحدَ أسس الوحدة الوطنية، وكم نحن اليوم في حاجة إلى كل مقومات هذه الوحدة باعتبار أننا أمة مستهدفة بالمزيد من التشتيت والتفتيت». وشدد المعتصم على القول: «نحن سنة مالكية نعتز بهذا الانتماء، ولن نرضى عنه بديلا. إن مشروع النهضة والتنوير الذي ننخرط فيه اليوم في المغرب لن يكتب له النجاح إذا لم ينم ويترب ويترعرع في البيئة المغربية».

وفي سياق ذلك، لم يخف قيادي في حزب ذي مرجعية اسلامية لـ«الشرق الاوسط» على معرفة بالمعتصم، ان خطاب هذا الاخير يبقى مغلفا برداء شيعي. ويرى القيادي الحزبي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ان ارتفاع وتيرة التشيع بالمغرب بدأ منذ انتصار الثورة الإيرانية، وتجلى ذلك من خلال جمعيات ثقافية منطقها الفكري مستمد من مرجعيات شيعية، بيد ان الوجود الشيعي، ظل محدودا في مناطق معينة.

وتحدث القيادي عن وجود متشيعين في الدار البيضاء ومكناس والحسيمة، وقال إنهم ينشطون ضمن جمعيات ثقافية في إطار التقية. وكان الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية، قد أكد في تصريحات سابقة، وجود مجموعات شيعية في المغرب، وقال إنها ربما تعد بالمئات، بيد أنه أوضح أن ذلك لا يمثل تهديدا للغالبية السنية، مشدداً على أن المغرب عرف طيلة تاريخه مجموعات وفرقا مختلفة، لكن ذلك لم يؤثر مطلقا على توجهه السني.

وسبق للباحث هاني، الذي يعتبره البعض منظر الفكر الشيعي في المغرب، بينما ينفي هو ذلك قائلاً: «لست مريضا بحب الظهور ولا بحب الزعامة، حتى أتحدث بالوكالة عن الناس»، ووصف التشيع بأنه ظاهرة فردية وطبيعة وعادية، منتقدا بعض الجهات والهيئات والفعاليات المهووسة بثقافة دواوين التفتيش. وكثيراً ما نفى هاني وجود تنظيم سياسي للشيعة في المغرب، وقال إن ذلك التنظيم لا وجود له، كما نفى أن يكون لشيعة المغرب أي تنسيق مع نظرائهم في المشرق العربي سواء في العراق أو لبنان، داعياً السنة والشيعة إلى الاستفادة من بعضهما بعضا، وإقامة ثقافة مشتركة تجمع المسلمين. كما أكد أنه لا يوجد أشخاص يحوزون مرتبة «آية الله» في بلاده. وكانت انباء صحافية قد ذكرت قبل عدة اشهر ان اربعة مغاربة يحوزون مرتبة «آية الله».

ويعتبر هاني من ينظر إليه على أنه منظر الشيعة في المغرب، بأنه لم يستوعب مفهوم الحزب، ووظيفته السياسية، «فهذا كلام لا معنى له ولا يعدو أن يكون توجسات وتهيؤات لا رصيد لها في الواقع». ويقول إن ما يتردد عن فتنة التشيع في المغرب ما هو إلا زوبعة في فنجان، وولع بتضخيم الأحداث، في نطاق معطيات مغلوطة وتحليلات تغلب عليها السذاجة.

يُذكر أن المملكة المغربية تتبع رسمياً، ومنذ قرون المذهب المالكي، تشريعاً فقهياً، والأشعرية عقيدة، واضعة نفسها بذلك في إطار أهل السنة والجماعة. لكنها لا تتنكر تاريخياً للمذهب الشيعي على الأقل. فوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تذكر في موقعها الإلكتروني أن البلاد عرفت تسرباً للفكر الشيعي، وتستند في ذلك إلى ما قاله الناصري في كتابه «الاستقصا»: «حج أبو عبيد الله المحتسب، داعية العبيديين من الشيعة.. واجتمع بمكة بحجاج كتامة من أهل المغرب، فتعرف إليهم، ووعدهم بظهور المهدي، من آل البيت على يدهم، ويكون لهم به الملك والسلطان، فتبعوه على رأيه، وصحبهم إلى بلادهم، ورأس فيهم رئاسة دينية، وقرر لهم مذهب الشيعة، فاتبعوه وتمسكوا به، ثم بايعوا مولاه عبيد الله المهدي، أول خلفاء العبيديين، فاستولى على إفريقية». تجدر الاشارة ايضا الى ان المغاربة يحبون آل البيت، والدول التي تأسست في المغرب، قامت على أساس شرف النسب انطلاقا من دولة الادارسة، نسبة الى ادريس الاكبر، مؤسسها، وهي دولة يعتبرها الشيعة «شيعية». بينما لا تذكر المقررات الدراسية لكتب التاريخ ذلك.

على صعيد آخر، سبق لمجموعة من الصحف المغربية ان تحدثت في بعض المناسبات عن شيعة مغاربة، تشيعوا باختيارهم. كما تحدثت عن أهم آليات الاختراق الشيعي في البلاد، والتي مرت عبر العمال المغاربة في العديد من الدول الأوروبية، خاصة إسبانيا وبلجيكا.