منتدى جدة الاقتصادي.. «الكرة الأرضية» تدور حول «عباءة سعودية»

صممتها سعودية محترفة في الأزياء.. وتحفظت على التكلفة

عباءة المنتدى كما بدت فور الانتهاء منها («الشرق الاوسط»)
TT

ترتدي مساء اليوم في منتدى جدة الاقتصادي، في نسخته التاسعة، عدد من السيدات المشاركات في فعاليات المنتدى «العباءة السعودية» برؤية تصميمية لشعار المنتدى (الكرة الأرضية) بعد أن تبنت الفكرة وقامت بتنفيذها وإهدائها مصممة سعودية محترفة كمشاركة منها في أحد أهم الفعاليات الاقتصادية في العالم.

وقالت زاكي بن عبود، صاحبة فكرة التصميم، لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرتها جاءت بدافع إعطاء صورة عن بلادها كمساهمة في رسم جزء من ثقافة بلادها أمام الآخر.

وحول فلسفة التصميم نفسه ذكرت بن عبود أنها وضعت «الكرة» التي تمثل شعار المنتدى وكأنها تسبح في المجرة، محاطة بعوالم مدهشة من النجوم، كحلم شخصي لديها بأن تنعكس تلك الرؤية في صورة المنتدى عالميا.

وقالت بن عبود إن «العباءة السعودية» هي فكرة اقتصادية من الدرجة الأولى، بمعنى أن المرأة العاملة بدلا من صرف مبالغ إضافية على أزيائها، يمكنها أن تشتري ملابس بسيطة وعملية، على أن تجعل من عباءتها مسألة أنيقة، ومميزة، ومحتشمة، مشيرة إلى أنها تقوم بارتداء عباءة عصرية في أوروبا، وتجد قبولا كبيرا من المجتمع الغربي.

ودافعت المصممة السعودية عن اختيار اللون الأسود في مختلف التصاميم، بأنها مسألة فنية بحتة، وليست لها علاقها بالموروث الاجتماعي وارتباط «الحجاب» باللون الأسود، مشيرة إلى أن هذا اللون، أكثر عملية في الاستخدام اليومي، كما أنه يناسب ما تحته من ملابس، بعكس الألوان الأخرى فيما لو استخدمت كعباءة رسمية.

من جهتها قالت مسؤولة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة ـ الجهة المنظمة للمنتدى ـ إن موافقة بعض السيدات على ارتداء «عباءة المنتدى»، جاءت «كدعم للمصممة السعودية في هذه التظاهرة العالمية».

غير أن المسؤولة، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، أشارت إلى أن وسائل الاعلام المحلية تبالغ في تسليط الضوء على ما ترتديه المشاركات، فيما لا يحظى الجانب العملي بالأهمية ذاتها من الاهتمام والتحليل والتناول الموضوعي ـ على حد قولها ـ.

وفي أكثر من نسخة للمنتدى الاقتصادي، برزت مسألة «العباءة» كأيقونة للنقاش حول قضية الحجاب عبر الحوارات الجانبية، وكانت تخرج تلك الحوارات خارج ردهات المنتدى لتلاقي ردة فعل اجتماعية متباينة، غير أن سامي بحراوي، رئيس منتدى جدة التاسع، أكد لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن «مسؤولية المنتدى تنحصر في أوراق العمل وما يدور في الحوارات التي يديرها مدير الحوار».

وكانت صورة لفتيات وسيدات في منتدى جدة الاقتصادي، ونشرت في إحدى الصحف السعودية، قد أثارت جدلا كبيرا في الأوساط السعودية، إذ رأى فريق أنها تعتبر خروجا عن العادات والتقاليد الإسلامية، ورأى فريق آخر بأنها مجرد صورة تذكارية للسيدات السعوديات في المنتدى وشخصية كبيرة من المتحدثات العربيات، وأن الصورة لم تكن للتداول الإعلامي وإنما التقطت بكاميرا شخصية.

ومما يعزز الجدل في الشارع السعودي حول العباءة، وجود نوعين رئيسيين منها، أحدهما يلبس من الرأس، وهو «الجلباب» الذي تراه بعض الفتاوى الدينية بأنه يمثل الزي المستوفي للشروط الشرعية، فيما تفضل سيدات ارتداء العباءة التي تلبس فوق الكتف، باعتباره أكثر ديناميكية في الحركة والعمل، ويدافعن عن كونه هو الآخر «محتشم»، وفي كلتا الحالتين يغطى الشعر كاملا، وتبقى مسألة تغطية الوجه، مسألة خلافية. وبرزت تجارة العباءات، وتطريزها، كأحد الأشكال الجديدة في الاستثمار لدى السعوديات، فيما ظهرت في الأسواق عباءات بموديلات وأشكال وألوان مختلفة، وشاعت تسميات كثيرة للعباءة كعباءة «الفراشة» و«المخصر» و«الليزر» و«النت»، و«الوطواط»، وهي المسميات التي تختلف بين مدينة وأخرى، وإن كان مصدر التسميات يظل غير معروف، فيما يتداول البائعون المسميات عند التفاوض على عملية البيع والشراء.

وبالعودة لنظرة المصممة بن عبود للعباءة من منظور اقتصادي، فإن سوق العباءات في السعودية يلاقي رواجا كبيرا، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن شراء السعوديات للعباءات يأتي بمعدل مرتين في العام، وهي عبارة عن عباءة للسهرات والمناسبات الخاصة، وأخرى للعمل أو للدراسة، وطبعا الأولى عادة تكون أثمانها أعلى بمراحل نتيجة ما تكلفه من أشغال يدوية وإضافات، فيما تتراوح أسعارها بين 300 ريال لتصل الى 2000 ريال وفي حالات خاصة تصل أثمان بعض العباءات التي تصمم حسب الطلب إلى أكثر من 5 آلاف ريال.

وتشير التقديرات إلى أن عدد السعوديات ممن هن في سن العمل يقارب 5 ملايين سيدة، أي أن حجم سوق العباءات لهذه الفئة فقط يصل لأكثر من أربعة مليارات ريال تمثل المتوسط لتكلفة عباءتين لكل سيدة سنويا، من دون احتساب الفتيات في سن الدراسة، وغير السعوديات ممن يقمن في البلاد، وبينهن نسبة كبيرة يرتدين العباءة في الاماكن العامة.

جدير بالذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يطبع فيها شعار عالمي على عباءة بمواصفات سعودية، حيث كانت الدكتورة سامية العمودي، التي اختيرت ضمن أشجع 10 نساء في العالم، قد أهدت خلال زيارة للسيدة لورا بوش قرينة الرئيس الاميركي «عباءة سعودية» و«طرحة»، أي غطاء الرأس، مطبوعا عليه شعار مكافحة سرطان الثدي pink ribon .

وارتدت لورا بوش العباءة السعودية والطرحة، بحضور ناشطات سعوديات في مكافحة سرطان الثدي، بدون أن تكون تلك الخطوة في جدول البروتوكول قبل الزيارة، وهي الصورة ذاتها التي تسابقت عليها وكالات أنباء عالمية، وأخذت مكانها على صدر الصفحات الأولى في أكثر من صحيفة محلية وعالمية.

وفي السعودية تبدأ الفتاة في ارتداء العباءة، في سن مبكرة، إذ تلزم المدارس الحكومية الفتيات على التقيّد بارتداء العباءة أولا في المدارس الابتدائية، ثم تلزم بارتداء العباءة والطرحة وغطاء الوجه في المرحلة المتوسطة، أي عند سن الثانية عشرة.

وفي الموروث الشعبي تبدو العباءة كرمز ذهني للتفريق بين الجنسين، إذ يبدأ الشاب في ارتداء ما يرتديه الكبار من ملابس رجالية، وتبدأ الفتاة في تقليد والدتها وأخواتها، حتى أن ارتداء الفتاة للعباءة، يصبح تاريخا زمنيا يمكن القياس عليه، وبينها علاقات الاطفال من الجنسين ببعضهما، وهي الحالة التي يعبر عنها الشاعر والاعلامي محمد النفيعي، في قصيدة معروفة له، يقول في مطلعها: عهدي بها قدام تلبس عباية... وأنا بعد قبل ألبس شماغ وعقال وفي موسم الصيف هناك حديث موسمي تم تداوله دراميا في أكثر من طرح تلفزيوني، كان أبرزه ما تعرضت له حلقة رمضانية من سلسلة حلقات العمل السعودي (طاش ما طاش)، تناولت فيه مسألة ارتداء العباءة في الداخل، فيما لا يبدو ذلك الحرص على ارتدائها في الخارج، وخاصة في الدول غير الإسلامية، وشكلت الحلقة تلك في حينها جدلا واسعا لا يقل عن الجدل المستمر حول أبطال العمل نفسه وتعرضهم لمضايقات كثيرة طوال الأعوام الفائتة.

الشاهد أنه إذا كان منتدى جدة الاقتصادي سيناقش إنماء الثروة من خلال الشركات والتحالفات، ويستهدف خبرات عالمية، فإن تحالفات وشراكات بسيطة بين مستثمرات سعوديات ساعدت على إنماء دخولهن، خاصة بعدما دخلت العباءة مراحل وأفكار تطويرية، وأن رغبة السعوديات في التميز هي السمة التي جعلت من العباءة مناخا استثماريا خصبا لبناء ثروة حقيقية منسوجة بالحرير، وفي أحايين مرصعة بالماس.