منتدى جدة الاقتصادي.. ماء من نجران للارتواء وظمأ للمعرفة من دول العالم

الخبراء يرون أن الجلسات العلمية روت عطشهم

الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون مالك العلامة التجارية الشهيرة «فيرجن»، يتحدث في المنتدى ويحمل في يده علبة مياه («الشرق الأوسط»)
TT

أروت جلسات منتدى جدة الاقتصادي التاسع، عطش المشاركين رجالا وسيدات، بأطنان من المعلومات الذهنية، لايوازيها سوى آلاف اللترات من قوارير المياه العذبة لمياه «نجران» التي رافقت الجميع طوال ايام المنتدى، وسط نقاشات طويلة وجدلية، لكنها اتسمت بروح التعايش ولغة الحضارات المختلفة التي اجتمعت تحت سقف واحد.

وكما كان السؤال التفاعلي الأول في جلسات المنتدى، حول التعايش بين الثقافات، وجاء التصويت من قبل الحضور بنحو 88 في المائة بالإيجاب، فإن إسم نجران على زجاجات الماء البلاستيكية، هو الآخر كان جوابا تفاعليا مدى التاريخ مع هذه المدينة التي احتضنت أربع حضارات وكانت رمزا للتعايش بين الثقافات والأديان وتعاقبت عليها حضارات مختلفة قبل أكثر من 1.5 مليون سنة، بدءا بالعصر الحجري، والحضارة البيزنطية وشكلت مدينة الأخدود الأثرية أهم معالمها الباقية حتى الان. فيما عرفت نجران التحالفات السياسية في فترة مبكرة، وكانت بحسب الدراسات التاريخية كتحالفها مع الدولة الحميرية، وصولا للحضارة الاسلامية.

وفي نجران الواقعة جنوب غربي السعودية، قصة حضارية تربط الماء بـ«إنماء الثروة» التي هي الجزء الأهم في العنوان الرئيسي للمنتدى، عبر مشروع اقتصادي هو الأكبر من نوعه يستهدف جلب المياه العذبة من صحراء الربع الخالي لأهالي نجران بتكلفة تصل الى نحو 400 مليون ريال (106.6 مليون دولار)، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد دشن المشروع الضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2006.

ويعكس الاهتمام بجلب المياه العذبة بعدة طرق في السعودية، كمشروع نجران، ومحطات للتحلية في المدن الساحلية، مدى الحاجة لهذا المورد الهام، فيما كانت حوارات بعض المتحدثين خلال جلسات المنتدى الاقتصادي، لوّحت بأن سلاح السياسة القادم هو سلاح الماء، وأن على الدول في المنطقة إعادة التفكير في مواردها المائية، فيما كان المنتدى الاقتصادي في نسخة سابقة أثمر عن تحالف دولي لانشاء شركة عالمية لتقنيات المياه، وأعلن عنها قبل عدة أشهر خلال منتدى للمياه والطاقة في جدة.

وكما أبدل منتدى جدة الاقتصادي جلده، بالانتقال من مكانه السابق في فندق الهيلتون على ساحل البحر الأحمر، ليظهر بثوب جديد في مركز المعارض الدولي، فإن الناس الذين ارتبطوا بزجاجات مياه نجران التي رافقتهم لعقود وكانت سباقة في التصنيع محليا قبل أن تتكاثر الماركات الوطنية، وجدوا أنفسهم أمام مظهر جديد لشكل الزجاجة، ولتغيب تلك اللقطة الحية للنخلة وسط بحيرة من الماء، وتغيب معها ذكريات رحبة خاصة تلك التي ارتبطت بين بدايات توقيع الشركة لعقود ضخمة مع الناقل الجوي الخطوط السعودية، والخطوط الجوية الفرنسية، مما يعني أن حكاية الشراكات والتحالفات، قصة قديمة متجددة.

وإن عزز منتدى جدة الاقتصادي عبر جلساته من أهمية التفكير في البحث عن طاقات مستدامة، والتخفيف من استخراج النفط من باطن الأرض، والاتجاه للطاقات البديلة، والعمل على الطاقة البشرية كهدف استراتيجي لصناعة مستقبل حقيقي، فإن مياه نجران التي بدأت أعمالها قبل نحو 3 عقود ماضية، كانت تمثل واقعا حضريا لأهل المنطقة التي يقطنها قرابة 500 ألف نسمة حاليا، خاصة أنها عملت على توظيف الشباب في ذلك الحين، وفتحت أبوابا تسويقية، واستطاعت في وقت من الاوقات بناء علاقة من الانتماء بينها والناس، أكثر من كونها علاقة «استهلاكية» مبنية على حسابات الربح والخسارة فقط.

المنتدى الذي اختتم أمس جلساته، كان لافتا بشعاره «المائي» للكرة الأرضية، وتركيزه على عبارة مشتقة من «الماء» وهي (إنماء الثروة) أي منحها الحياة أكثر، والتسليط الاعلامي حول أسباب انتقال المنتدى من جوار «البحر»، وحنين لواحدة من أوائل شركات «المياه المعبأة»، في وقت كان الناس يشربون فيه من مياه الآبار الارتوازية، لتنتشر بينهم «البلهارسيا». ختاما بأولئك الشباب اليافعين القادمين من نادي «الصم» والذين تولوا عملية التنظيم بنجاح كبير مستخدمين لغة الاشارة، ولا تسمع من بعضهم سوى حرف «الميم» ممدودا حد الارتواء.