الباكستانيون انقلبوا ضد الأحزاب الإسلامية المتشددة لكنهم لا يؤيدون إشتراك بلادهم مع أميركا في حرب الإرهاب

الأهالي شكوا من الفساد والبطالة في الإقليم الوحيد الذي حكمته الجماعات الإسلامية

TT

عندما سيطرت الاحزاب الاسلامية على السلطة السياسية في واحد من أكثر أقاليم باكستان محافظة، قبل خمس سنوات، شعر بعض الناس مثل مريام بيبي بالخطر. وكانت مخاوفها في محلها. فقد وجدت بيبي، وهي امرأة هادئة في الثامنة والخمسين من عمرها تساعد منظمتها غير الحكومية على تأسيس وادارة مدارس البنات في اقليم الحدود الشمالية والغربية والمناطق القبلية المجاورة قرب الحدود الافغانية، نفسها هدفا لأن المتشددين هناك لا يريدون تعليم البنات، وتعرضت مكاتب منظمتها لتفجيرات. كما اختطف عدد من العاملين فيها تحت تهديد السلاح، وتعرضت مدارسها لهجمات، كما تلقت تهديدات بالقتل عدة مرات. وفي يوم الاثنين، وفي اطار استمرار مسلسل العنف، قتل 4 من العاملين في منظمة تساعد الامهات والاطفال في المناطق الفقيرة في باكستان على يد مجموعة من المتطرفين المشتبه فيهم. ولكن بيبي وجدت بعض الامل في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الاسبوع الماضي في باكستان. فقد انقلب الناخبون في جميع انحاء باكستان ضد الجماعات الاسلامية. ففي بيشاور طردوا التحالف الديني الحاكم وسلموا السلطة الى حزب علماني. إلا ان المحللين حذروا، في الوقت نفسه، من انه من الخطأ تفسير نتائج الانتخابات باعتبارها دليلا على ان الباكستانيين على استعداد لدعم وتأييد حملة عسكرية مكثفة تطالب بها الولايات المتحدة ضد الجماعات الموالية لطالبان و«القاعدة».

وتجدر الاشارة الى ان المنظمات المتطرفة ثبتت جذورها اكثر من أي وقت مضى، منذ هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة، في المناطق القبلية شبه المستقلة في باكستان. وفي الشهور الاخيرة اقتربوا من المناطق «المستقرة» الخاضعة للحكومة الباكستانية، بعضها لا يبعد اكثر من عدة اميال من عاصمة اقليم الحدود الشمالية الغربية بيشاور. وبالنسبة للعديد من الباكستانيين فإن المواجهة المسلحة مع الراديكاليين الاصوليين تعتبر «حرب اميركا» تتحمل باكستان تكلفتها في الدماء بدون فوائد تذكر.

ودور باكستان في حرب بوش «ضد الارهاب» كان عاملا مهما في زيادة غضب الناخبين ضد الرئيس برويز مشرف. وقال خالد عزيز، الوزير الاول الاقليمي السابق الذي تخصص في تحليل القضايا السياسية «إن عدم الرغبة في سيطرة الاسلاميين في الشؤون الحكومية ليس هو نفسه تأييد الحرب المدعومة من اميركا ضد الارهاب»، وقد أيدت استطلاعات الرأي العام الاخيرة تلك الآراء. فاستطلاع للمعهد الجمهوري الدولي الذي صدر قبل وقت قصير من الانتخابات أشار الى انه بالرغم من التأييد العلني للجماعات الاصولية مثل طالبان قد انخفض بنسبة كبيرة، فإن 89 في المائة من المشاركين لا يعتقدون ان على باكستان تأييد الحملة الاميركية ضد المتطرفين الاسلاميين. وهذا الإحساس أكثر وضوحا في مناطق مثل الحزام القبلي واقليم الحدود الشمالية الغربية. فالجماعات المتطرفة مشكلة من نفس الجماعات العرقية مثل القوات شبه العسكرية الحكومية التي ارسلت لمواجهتهم. وبالنسبة لبيبي، فإن نتائج الانتخابات اظهرت أن الباكستانيين، حتى بالنسبة للملتزمين دينيا، لا يريدون الخضوع لحكم رجال الدين الذين يطلقون يد الجماعات المتطرفة.

وعلى المستوى الاقليمي والوطني تؤكد الشخصيات السياسية الجديدة الحاجة الى استخدام القوة العسكرية بطريقة اكثر حرصا ورفع معدلات التنمية الاقتصادية في المناطق القبلية الفقيرة.

ويعتقد المسؤولون العسكريون الغربيون ان استراتيجية ناجحة ضد الجماعات المتطرفة تتطلب عناصر اخرى غير المواجهة العسكرية مثل تمويل التعليم والتدريب على الوظائف والخدمات الاجتماعية.

ولكن هؤلاء المسؤولين الغربيين لا يريدون ان يروا تكرارا للهدنة التي أبرمتها الحكومة الباكستانية في السابق مع الميليشيات والتي اعطت هذه الجماعات فرصة لا تعوض لاعادة بناء شبكاتها التي كانت الولايات المتحدة قد فككتها خلال الحرب في افغانستان. ويبدو انهم يتخوفون من تكرار ذلك مع إعلان الزعيم المتشدد بيت الله مسعود استعداده لحوار مع الائتلاف الحكومي المقبل.

وقال مسؤول عسكري غربي إن الهدنة السابقة جعلت الوضع اسوأ ولم تقدم شيئا.

وفي الانتخابات السابقة (عام 2001) استطاع الاسلاميون ركوب موجة المشاعر المعادية للولايات المتحدة بعد غزوها افغانستان ولكن بعد فترة من الانتخابات بدأت المشاعر تتغير مع تصاعد البطالة والفساد في المقاطعة الوحيدة التي حكمها الاسلاميون. ويعكس بائع المكسرات في بيشارو أنو رخان هذه المشاعر بقوله انه غير آسف على رحيلهم (الاسلاميين) «فهم لم يفعلوا شيئا.. كل ما فعلوه هو ملء جيوبهم» ومع ذلك فانه يأمل ان تدرك الحكومة الجديدة ان الدين يعلب دورا كبيرا في الحياة اليومية للناس في هذه المنطقة.

وحتى النشطاء الذين خاطروا بحياتهم من أجل تشجيع التغيير الاجتماعي يقولون انهم مستعدون لتسويات مع العناصر المحافظة الدينية وحتى مع الميليشيات نفسها.

وقد سجلت بيبي المدافعة عن مدارس البنات نفسها للاقتراع في الانتخابات في قريتها خارج بيشاور، ولكن الزعماء القبليين هناك وفي قرى كثيرة قرروا انه لن يسمح لأي امرأة بالاقتراع. ولم تقاوم بيبي ذلك وظلت في منزلها بدلا من ان تحارب هذا القرار.

وهي تقول إنها تؤمن بعملها، وتؤمن بتعليم البنات، لكنها تشير الى ان «هؤلاء المتشددين جاءوا منا ولا نستطيع تجاهلهم أو سحقهم، علينا إيجاد طريقة تجعلهم يفهمون وجهة نظرنا».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»