تعطل دور المجلس النيابي يلزم الحكومة استجداء المصارف لتمويل الحاجات المالية

البرلمان اللبناني هو المخول السماح بزيادة الاستدانة

TT

على الرغم من كل التطمينات التي تسعى الحكومة اللبنانية الى تعميمها داخليا وخارجيا بشأن المسار المالي للدولة، تبرز تباعا معالم ازمة حقيقية في قدرة وزارة المال على التحكم بالاستحقاقات المالية لهذا العام التي تناهز 15 مليار دولار. وترتبط الازمة، بشكل خاص، في التعطيل المستمر لجلسات المجلس النيابي المخوّل وحده باقرار قوانين خاصة تتيح للحكومة زيادة حجم الاستدانة بعدما بلغت السقف المسموح به تشريعيا، فضلا عن تأخير اقرار الموازنات العامة المتراكمة كمشاريع قوانين بدءا من موازنة العام 2005.

وتتوزع الاستحقاقات المالية بدءا من شهر مارس (اذار) المقبل وحتى نهاية العام، بين 11.2 دولار كديون مستحقة بالدولار الاميركي والليرة اللبنانية (سندات يوروبوندز وسندات خزينة) ومتوجبات خدمة الدين العام السنوية البالغة نحو 3.3 مليار دولار (الدين الاجمالي يناهز 42 مليار دولار)، اضافة الى تمويل عجز مؤسسة الكهرباء البالغ تقديريا نحو 1.3 مليار دولار للعام الحالي.

ويؤكد مصرفيون ومسؤولون ماليون ان «الخيارات المتاحة امام الحكومة لا تتجاوز اثنين: إما التئام مجلس النواب لاقرار مجموعة قوانين مالية ابرزها رفع سقف الاستدانة ومشاريع الموازنات العامة المتراكمة والمشاريع المرتبطة بالتزامات مؤتمر «باريس 3». واما اللجوء الى القطاع المصرفي المحلي لتغطية المستحقات والحاجات المالية الاساسية من خلال هندسات خاصة نجح مصرف لبنان المركزي في اعتمادها وتسويقها خلال السنوات الماضية».

ومع تراجع حظوظ الخيار المتعلقة بدور المجلس النيابي على خلفية الازمة السياسية الحادة، ليس امام الحكومة سوى الخيار الثاني مدعوما بمحاولات حثيثة لتأمين انسياب المزيد من وعود مؤتمر «باريس 3» بعد ادخال تعديل في وجهة الدعم من التنمية ربطا بمشاريع محددة الى دعم جهود التصحيح المالي. كذلك الحصول على ودائع جديدة مباشرة لدى البنك المركزي على غرار ما تم تداوله عن وديعة سعودية بقيمة مليار دولار. وواضح ان اعتماد هذا الخيار سيوجب على الحكومة والبنك المركزي اقناع المصارف التي تحمل الشريحة الاكبر من المستحقات باعادة تمويلها وفقا لاجال جديدة، ما يستوجب حكما زيادة الفوائد وبالتالي زيادة الاعباء على الخزينة، علما ان تصنيف الديون الحكومية يزداد سوءا ما يلزم المصارف بتكوين احتياطات مقابلة.

ووفق معلومات «الشرق الاوسط» فان المفاوضات غير المعلنة بين البنك المركزي والمصارف افضت الى تفاهم مبدئي على تنفيذ عمليات مقايضة (سواب) على الديون المستحقة خصوصا المحررة بالدولار الاميركي حيث لا وسيلة بديلة لاعتمادها، فيما يجري التنسيق مع وزارة المال في شأن السندات المستحقة بالليرة والوسيلة الافضل لتوزيع مستحقاتها بين البنك المركزي الذي يحمل نحو 10 مليارات دولار من اجمالي الدين العام والمصادر المحلية التي تحمل اكثر من 20 مليار دولار من الدين. فيما يتوزع الرصيد الباقي على الدعم العربي والدولي من مؤتمري باريس الثاني والثالث وصندوق الضمان الاجتماعي وافراد يحملون سندات خزينة.

لكن تجاوب المصارف من خلال القبول بعمليات الـ(سواب) يحل جانبا من المشكلة ولا يسد كامل الحاجات المالية الدولية التي ستضطر الى رفع سقف الاستدانة. والخيار الوحيد المتاح حاليا هو لجوء البنك المركزي الى اصدار شهادات ايداع بنحو ملياري دولار وبفوائد جاذبة يمكن ان تراوح بين 8 و9 في المائة لآجال تمتد الى 10 سنوات بهدف حفز المصارف على ضخ تمويل اضافي لا يعرّض ملاءتها المالية لمخاطر عالية ويحقق لها عوائد ربحية جيدة على رهان حل الازمة السياسية والحد من تداعياتها المؤثرة سلبا في تصنيف الديون الحكومية.