السيارة الخضراء

مائة دولار لبرميل النفط.. مائة ميل لغالون البنزين

أحد مصممي «سيارة خضراء» من شركة تايوتا يتحدث الى الصحافيين عن مزاياها في ملبورن باستراليا في 25 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

نفت كرستين لندسي مديرة قسم «سيارات المستقبل» في مؤسسة جائزة «اكس» الأميركية يوم الثلاثاء، ان تكون للمؤسسة اهدافا سياسة وراء جهود انتاج «سيارة خضراء»، توفر البنزين، وتنظف البيئة. ونفت ايضا لـ«الشرق الأوسط» أن يكون المشروع له صلة بأية حكومة، وبالسياسة الخارجية الاميركية، وبتحديد علاقة معينة مع منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك).

وكانت اذاعة «صوت اميركا» قد نقلت على لسان مالكولم بريكلين رئيس شركة «فيشن» (رؤيا) الأميركية للسيارات، التي تشترك في منافسات انتاج «سيارة خضراء» التي تنظمها جائزة «اكس»، قوله: «عندي رؤيا للمستقبل، وهو عالم لا نعتمد فيه على شراء نفط من شعوب لا تحبنا. وعالم نظيف لأطفالي وأحفادي». لكن كرستين لندسي قالت، ان جائزة «اكس»، وهي عشرة ملايين دولار، ستدفع لأية شركة تنتج سيارة توفر البنزين، وتنظف البيئة: «نحن مستقلون، وغير حزبيين، وغير سياسيين. نحن نرحب بأي اسهام من كل العالم. هدفنا هو مواجهة تحديات الطاقة والمناخ التي نواجهها. نريد ان ننظر الى المستقبل، لا الى الماضي. ولا نريد تبادل الاتهامات، وتحميل المسؤوليات. نريد جيلا جديدا من السيارات التي توفر الطاقة وتنظف البئية». واضافت: «اذا كانت هناك مؤسسات ومنظمات في الدول المصدرة للنفط تريد التعاون معنا، لتقليل الاعتماد على النفط، نرحب بها».

في الشهر الماضي، اقيم في ديترويت (عاصمة صناعة السيارات الاميركية)، معرض السيارات الدولي. وكان هناك تركيز على سيارات المستقبل التي ستوفر الطاقة، وتساعد على تنظيف البيئة. وظهر شعار «مائة ميل للغالون بعد مائة دولار للبرميل»، اشارة الى ان سعر برميل النفط وصل الى مائة دولار. وان الهدف هو صناعة سيارة تستهلك غالون بنزين لكل مائة ميل (ليتر بنزين لكل اربعين كيلومتر).

لكن، قالت كريستين لندسي، بعد ان زارت المعرض، انها لم تقتنع. وقالت في مؤتمر صحافي: «انا اتحدى شركات صناعة السيارات، اينما وجدت. ما شاهدت ليس كفاية. نريد سيارة عملية، ونريدها سريعا». ليست هذه أول مرة ترصد فيها مؤسسة «اكس» جائزة عشرة ملايين دولار لاختراع جديد. قبل اربع سنوات، قدمت جائزة عشرة ملايين دولار، ايضا، الى شركة «موهيف» الفضائية، بعد ان اخترعت «سبيس شيب ون» (سفينة الفضاء الاولى)، وهي طائرة مثل ماكوك فضاء. طارت الى خارج الغلاف الجوي، وعادت.  ويملك الشركة بيرت روتان مصمم طائرات، وبول الين، من مؤسسي شركة «مايكروسوفت». ويريدان تنظيم رحلات سياحية الى الفضاء خارج الغلاف الجوي.

بالاضافة الى العشرة ملايين دولار، حصلت طائرة الفضاء على ثناء مجموعة متاحف «سموثونيان» في واشنطن، التي تبنت الطائرة كانجاز بشرى عملاق. ووضعتها في واحد من متاحفها. ويتوقع ان تفعل نفس الشيء مع سيارة المستقبل التي ستستهلك غالون بنزين لكل مائة ميل. بالاضافة الى جائزة «اكس»، هناك جوائز اخرى لاختراع «السيارة الخضراء» المطلوبة.  مثل جائزة «تشالنج اكس» (تحدي اكس) التي ترعاها شركة «جنرال موتورز». ومثل جائزة «اورتيغ» التي منحت، في سنة 1927، الى شارلز لندزبيرغ، الذي قبل التحدي بأن يطير بطائرة من نيويورك الى باريس، بدون توقف. وفاز. في ذلك الوقت، لم يصدق أي شخص انه سيأتي وقت تصير فيه الطائرات الكبيرة، اساس اقتصاد عالمي يزيد دخله عن  ثلاثمائة مليار دولار كل سنة. لماذا تقديم جوائز؟ أليس هناك حافز آخر؟ مثل الحافز الوطني، او الاقتصادي؟  قال هيوبرت داينغ، في تقرير في دورية «مودرن ساينس» (علم حديث): «في الماضي، دعمت الحكومة الاميركية مشاريع مستقبلية فيها مغامرة، وتكلف كثيرا.  دعم الرئيس كنيدي حلمه، سنة 1962، بأن يصل انسان الى القمر خلال عشر سنوات (وصل سنة 1969). والآن، ربما على الحكومة الاميركية ان تدعم مشروع «السيارة الخضراء». لكنه لاحظ ان الرئيس بوش، الذي لا يتحمس لنظافة البيئة (وهو تاجر نفط) «ليس الشخص المناسب ليأمر بذلك».

حتى يحدث ذلك، تواصل شركات خاصة جهودها، توقعا للفوز بواحدة من هذه الجوائز، وآملا في ان تنجح، وتنهمر عليه الارباح. مثل شركة «فيشن» التي انتجت «سيارة خضراء فاخرة»، وتتوقع ان تكون متوفرة للاستعمال العام في السنة القادمة. وقال بريكلين، رئيس الشركة: «اذا تحققت الرؤيا، سنرى شوارع المستقبل ملآى بسيارات لا تلوث البيئة، او تلوثها قليلا جدا. وفي نفس الوقت، تكون سيارات عملية. وتنقل الناس والاشياء نقلا سلميا، وغير مكلف، ومعقول».

وهناك شركة «بولسين» الدنماركية التي تعمل على اختراع «السيارة الخضراء» في مصنع في ولاية كونيتيكت. حتى الآن، اخترعت جهازا يحول السيارة العادية من استهلاك بنزين فقط الى استهلاك بنزين وكهرباء في نفس الوقت. وقال اريك بولسين مؤسس ورئيس الشركة: «ليس صعبا وضع الجهاز. ربما يستغرق ثلاث أو أربع ساعات».

وهناك شركة «ابترا» للسيارات، التي ستشترك في معرض لسيارات المستقبل سيقام في نيويورك في الشهر المقبل. قالت انها اخترعت سيارة تسير ثلاثمائة ميلا بالغالون الواحد. وانها اخترعت نوعين: نوعا يستهلك بنزينا وكهرباء، ونوعا يستهلك كهرباء فقط. ويستطيع النوعان التزود بالكهرباء بالطرق العادية (من المنزل). وقالت الشركة ان السيارة ستحمل شخصين في الامام، ومقعدا لطفل في الخلف. وستكلف ثلاثين الف دولار.

لكن، يبدو أن هذه سيارة صغيرة جدا، وربما مثل موتورسايكل. ولا يعرف اذا ستوافق عليها الحكومة الأميركية. هذه نقطة مهمة. لا بد ان تلتزم «السيارة الخضراء» بقوانين السلامة والصحة والوقاية الأميركية. لا بد ان تكون سيارة معقولة، وسليمة، واقتصادية، وآمنة. لهذا، لن تكن «السيارة الخضراء» هي السيارات غير العملية التي ظهرت حتى الآن. مثل: سيارة لشخص واحد، وسيارة مثل موتورسايكل، وسيارة شكلها غريب (او مضحك)، وسيارة تكلف سبعين الف دولار، وسيارة تسير ببطء غير عادي، بهدف توفير البنزين. يعتبر د. اندرو فرانك، استاذ هندسة في جامعة كاليفورنيا، ابو «السيارة  الخضراء»، وطلابه وطالباته اخوانها واخواتها. منذ 25 سنة، ظل بـ«مساعدتهم» يعمل في هذا المجال. وهو الذي اخترع «السيارة الهجين» التي تعمل بالبنزين والكهرباء في نفس الوقت. اسمها العلمي هو «بي.اتش.اي.في» (اختصار: ناقلة مزدوجة بكهرباء منزلية).

لكن، حذر فرانك من «الاثارة التي لا تلمس، والرؤيا التي لا تنفذ، والامل الذي لن يتحقق قريبا». وقال، في نفس الوقت، انه لا يتفق مع الذين يريدون «الانتظار» حتى تظهر «التكنولوجيا المناسبة». قال: لا بد من استعمال التكنولوجيا المتوفرة، ثم تطويرها في المستقبل. وقال: «لا اتفق مع الذين يرفعون شعار: ليس هذا وقت هذا».

ولكن، قبل «أبو السيارة الخضراء» وبقية المخترعين الاميركيين، ساهم اليابانيون في وضع تكنولوجيا توفر استهلاك السيارات للبنزين. ونجحوا في ذلك لأكثر من سبب: اولا: يستورد اليابانيون كل استهلاكهم من النفط. ثانيا: قبل خمسين سنة، اخترعوا الترانسستور (كومبيوترا بدائيا بمقاييس اليوم). ثالثا: سبقوا الاميركيين في صناعة سيارات تجمع بين الميكانيكا والكمبيوتر.

مثل سيارة «تويوتا بريوس» التي صنعت في اليابان سنة 1997، ودخلت السوق الاميركي مؤخرا.  في البداية، لم يقبل عليها الأميركيون. ولكنهم اضطروا الى ذلك مع ارتفاع سعر برميل النفط. وتضاعف الاقبال عليها.

ومثلما طور الاميركيون الترانسستور، طوروا «السيارة الخضراء». مثل الاميركي لاري الين، صاحب سيارة من هذا النوع. اضاف عبقرية اميركية بأن وضع لوحات لجمع الطاقة الشمسية فوق السيارة، لتسير السيارة بالكهرباء والبنزين والشمس. ولم تعد تكلفه سوى دولارات قليلة.

وبعد تردد ورفض استمر سبع سنوات، اضطر الرئيس بوش، وحلفاؤه من الجمهوريين المحافظين لمواكبة حملة نظافة البئية، واختراع سيارات توفر استهلاك النفط.

وفي هذا قال د. ديفيد فريدمان، مدير أبحاث في اتحاد العلماء المهتمين ببرنامج سيارات نظيفة: «لن يقدر عاقل على ان يكذب صور جليد القطب الجنوبي وهو يذوب. أو صور الممرات المائية في القطب الشمالي، وهي لا تتجمد كثيرا في الشتاء. لن يقدر عاقل على الا يخاف. لهذا، انتهي عهد نماذج السيارات الغريبة والمضحكة. وجاء وقت اختراع سيارة جادة، وسريعا».

واشار فريدمان الى ان بوش وقع، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قانون الطاقة (الذي كان اجازه الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي). يجبر القانون شركات السيارات بأن تخفض، خلال عشر سنوات، متوسط استهلاك غالون البنزين الى 35 ميلا (الآن 15 ميلا). وفي عصر الاوضاع الجديدة، والآمال المستقبلية، فاجأت شركات السيارات الجميع. وأعلنت انها ستبذل ما تستطيع لتنفيذ القانون. (كانت، لأكثر من عشرين سنة، تمرددت أو تململت امام تنفيذ قانون مشابه اصدره الكونغرس بعد حرب اكتوبر 1973 بين العرب واسرائيل، عندما اوقفت الدول العربية ارسال النفط الى اميركا). لكن، قال بول تروب، اقتصادي في شركة «كرايسلر» للسيارات: «لن تكن السيارة الجديدة رخيصة. كل سيارة تنتج سنة 2020 سيزيد سعرها بسبعة آلاف دولار بسبب اضافة التكنولوجيا الجديدة». وسال تروب: «هل سيقبل المواطن الأميركي ذلك؟».

ويبدو أن هذا هو المحك. لن يشتري الأميركيون (وهم واقعيون) ما لم يقتنعوا بشرائه. وسيحدد مزاجهم مصير السيارة الجديدة، ومصير جهود نظافة البئية، ومصير «السيارة الخضراء». وفي هذا قال تيد شو، اقتصادي في شركة جنرال موتورز: «اهم من الاقتصاد والطاقة والبيئة، يريد الاميركي شيئا مريحا، وعمليا. هل سيقبلون التحول من سيارات «اي يو في» العملاقة؟».

وقال ارون براغمنا، وهو محلل في مجلة «غلوبال انسايت»: «تثير التكنولوجيا الجديدة فضول المواطن الاميركي. وربما سيكون هذا دافعا له ليقبل السيارة الخضراء. لكن المشكلة هي ان التكنولوجيا الجديدة تحتاج الى سنوات وسنوات قبل ان تطبق في المنتجات الكبيرة مثل السيارات». في الجانب الآخر، يبدو ان السياسيين الاميركيين، اخيرا، اقتنعوا بمشكلة نظافة البيئة، والظاهرة الحرارية. في الشهر الماضي، قال دانيال لونغرين، عضو كونغرس جمهوري من ولاية كليفورنيا، انه سيقدم مشروع قرار لدعم منافسات جوائز اختراع «السيارة الخضراء». وليكون المشروع مثل مشروع وصول الانسان الى القمر الذي دعمته الحكومة الاميركية قبل نصف قرن. وانضم، في الاسبوع الماضي، الى الحملة ارنولد شوارتزنيغر، الملاكم والممثل المولود في النمسا، والذي هو الآن حاكم ولاية كليفورنيا. قال: «لا بد من جيل جديد من السيارات». ورفع يده اليمنى ذات العضلات العملاقة، وكأنه يؤكد تصميمه.