أزمة القمح

الخبراء: نحتاج إلى كوكبين لنزرعها.. والمستثمرون يراهنون على ارتفاع أسعار المواد الغذائية لسنوات

نيجيريا شهدت ارتفاعا مستمرا لأسعار الخبز «نيويورك تايمز»
TT

بغض النظر عما يقرره دينس ميللر بخصوص زرع حقله البالغ 2760 فدانا، فإن أسعار القمح قد تضاعفت خلال الأشهر الستة الأخيرة. كذلك هو الحال مع حبوب الذرة والشعير ودوار الشمس والصويا.

قال ميللر: «لمرة واحدة هناك سبب عظيم يدفع على التفاؤل».

لكن زيادة أسعار الحبوب التي عمقت قناعة ميللر بالزراعة تتسبب في إيذاء الكثير من الناس يعيشون بعيدا عن حقله. وقال خياط من نيجيريا اسمه أيبل اوكوجو إنه أجبر على تقليص تناول الخبز الذي تحبه أسرته. وأضاف: «إذا كنت تريد شراء ثلاثة أرغفة في السابق عليك الآن أن تشتري واحدا فقط الآن».

وترتفع أسعار الأغذية في كل مكان، وبالمقابل تستمر البلدان النامية في الزيادة السكانية حيث وصلت إلى حد 7 في المائة سنويا، وهو معدل عال بالمعايير التاريخية.

ويعني المعدل العالي للزيادة السكانية أن مئات الملايين من الناس قادرون على الوصول إلى المواد الأولية الضرورية للعيش بما فيها نظام غذائي أفضل. وهذا زاد في الطلب مما دفع بالأسعار الى الارتفاع.

وزاد انتاج البلدان المتقدمة بمعدلات عالية جدا، فمن المتوقع أن تزيد صادرات الولايات المتحدة الزراعية بمعدل 23 في المائة هذه السنة كي تصل الى 101 مليار دولار.

وقال دانيال باس من شركة أغريسورس الاستشارية في مجال الزراعة من شيكاغو: «كل البشر يريدون أن يأكلوا مثل الأميركيين، ولتلبية ذلك نحتاج إلى كوكبين أرضيين أو ثلاثة كي نزرعها كلها».

وعلى العكس من التسعينات يراهن المستثمرون الآن على ندرة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها باعتبار أن ذلك سيستمر لسنوات.

وإذا استمر ارتفاع المواد الغذائية فإن ذلك سيغذي التضخم في الاقتصاد الأميركي بشكل يشبه ما جرى خلال السبعينات من القرن الماضي.

ويمكن أن يصبح ارتفاع الأسعار أكبر مشكلة خارج الولايات المتحدة. فالزيادة في الأسعار بدأت تحرم الفقراء من الطعام وهذا ما يتسبب في زعزعة الأوضاع الاجتماعية ويفتح الباب للفوضى في بعض البلدان.

وحاليا، ومع دخول الولايات المتحدة في فترة كساد اقتصادي بدأت الزراعة تزدهر. وتتوقع وزارة الزراعة أن يزيد دخل المزارع على 50 في المائة من المعدل العامل خلال السنوات العشر الأخيرة. وستؤدي هذه الزيادة في الأرباح إلى ارتفاع اسعار الأراضي مما يجدد التفاؤل لدى سكان الريف الأميركي.

ما زالت الأرض خارج بيت ميللر تفصلها أسابيع قليلة قبل انقشاع الجليد عنها، لكنه لا يعرف ما سيزرع. ففي السنة الماضية كان القرار سهلا: كانت أسعار الذرة هي الأعلى بسبب قرار الحكومة الجديد بانتاج وقود السيارات الايثونول. لكن هذه السنة هناك العديد من المحاصيل التي تقدم خيارا جيدا للربح أيضا. وقال ميللر: «أنا اقلب الخيارات ما بين قمح الربيع أو القمح الصلب الخاص بالباستا أو اللفت أو الشعير المالطي أو دوار الشمس او فاصوليا الصويا أو الكتان أو الذرة».

وحتى الفترة الأخيرة كان بوسعه أن يتوقع ثلاثة دولارات مقابل البوشل الواحد من القمح، وهو اقل بكثير مما كان يتلقاه والداه وجداه، عندما يؤخذ التضخم بالحسبان. وكان الاستهلاك في الولايات المتحدة ينخفض ذلك ان الأميركيين كانوا يتجنبون الكاربوهيدرات. وكان سوق التصدير يواجه المنافسة.

وقد ازدادت الأسعار في الوقت الحالي الى ثلاثة أمثال ويعود أحد أسباب ذلك الى الجفاف في أستراليا ومواسم الحصاد السيئة في الأماكن الأخرى وكذلك بسبب عدم تلبية الطلب العالمي على البسكويت والخبز والمعكرونة. وفي سبع من السنوات الثماني الأخيرة فاق استهلاك القمح العالمي إنتاجه. ويعتبر المخزون في أدنى معدلاته خلال عقود.

ويصبح القمح في أنحاء العالم المختلفة سلعة ثمينة. وفي باكستان نشر الآلاف من افراد القوات شبه العسكرية منذ يناير الماضي لحراسة الشاحنات التي تحمل القمح والدقيق. واعتبرت ماليزيا، التي تحاول ابقاء السلع داخل البلد، من الجريمة تصدير الدقيق والمنتجات الأخرى بدون ترخيص. وشنت جماعات المستهلكين في ايطاليا يوم اضراب باستا على نطاق واسع في الخريف الماضي.

وفي الولايات المتحدة ارتفع سعر الباستا الجافة بنسبة 20 في المائة منذ اكتوبر الماضي وفقا لمعطيات حكومية. وارتفع سعر الدقيق بنسبة 19 في المائة منذ الصيف الماضي. وعلى العموم ترتفع اسعار الأغذية بنسبة 4 في المائة سنويا، وهو الارتفاع الأسرع خلال ما يقرب من عقدين من الزمن.

واتخذت جمعية الخبازين الأميركيين الشهر الماضي خطوة جذرية باقتراح تقليص الصادرات الأميركية من اجل ابقاء القمح داخل البلد على الرغم من أن الجمعية تراجعت في وقت لاحق عن ذلك الموقف.

وقال بروس بابكوك، الاقتصادي في جامعة ولاية أيوا انه اذا ما اشار كل هذا الى عصر ذهبي للمزارعين الأميركيين فانه يمكن أن يكون قصيرا. وتكهن بأن المزارعين سيبذلون كل ما بوسعهم من أجل رفع الإنتاج، وقال «أعطوا المزارعين حوافز وسينتجون». وتتوقع وزارة الزراعة بأن انتاج القمح العالمي سيزيد بنسبة 8 في المائة في العام الحالي. وفي الولايات المتحدة يتوقع أن تزداد زراعة الحنطة الصلدة والربيعية بمقدار مليوني أكر، مما يساعد على رفع الأسعار الى 7 دولارا للبوشل الواحد وفقا لما تقوله الحكومة.

غير ان المنافسة في إنتاج الحبوب في الفدان الواحد أصبحت شديدة بحيث ان بعض المزارعين يعتقدون أن الحكومة ومحللين مثل بابكوك هم متفائلون الى حد كبير.

* خدمة «نيويورك تايمز»