اللاجئون العراقيون في لبنان.. خيار بين الشقاء في السجن أو مواجهة الموت في العراق

50 ألفا بينهم سجناء من دون تهم.. و«تسوية» تعطيهم 3 أشهر لتصحيح أوضاعهم

TT

ربما يكون لبنان هو الدولة الاقل «استضافة» للاجئين العراقيين، اذ تقدر المنظمات الدولية عدد اللاجئين العراقيين في لبنان بنحو 50 ألفا، وهو عدد قليل نسبياً من إجمالي 2.2 مليون لاجئ عراقي في دول الشرق الأوسط. لكنه يمكن ان يكون ايضا الدولة «الاقل ضيافة» لهؤلاء بسبب تعقيداته الخاصة التي تمنعه حتى الان من «تقدير» اللاجئين السياسيين واستقبالهم. رغم ايجابية وحيدة حتى الان تمثلت بقبول السلطات اللبنانية تسوية اوضاع هؤلاء وفقا لمعايير القوانين اللبنانية، لا قوانين اللجوء السياسي.

ففي لبنان لاجئ سياسي واحد هو الياباني كوزو اوكاموتو الذي عومل كاستثناء وحيد حتى الان، لتجنب تسليمه الى السلطات اليابانية، اما الباقون فهم «داخون الى لبنان خلسة»، وهؤلاء يعاقبون بالسجن والغرامة والترحيل الى بلادهم الاصلية بعد قضاء العقوبة. ويقول مسؤول في السفارة العراقية لـ«الشرق الاوسط» ان المسؤولين اللبنانيين الأمنيين والسياسيين يجيبون على كل مراجعة بشأن الموقوفين العراقيين وعدم تطبيق قوانين اللجوء السياسي عليهم، بعبارتين الاولى ان «لبنان بلد صغير ولا يسمح له وضعه باستضافة لاجئين»، والثانية انه «يستضيف 470 الف لاجئ فلسطيني ولا يستطيع استضافة المزيد». غير ان هذا لا يعني ان لبنان لا يعامل اللاجئين العراقيين معاملة خاصة، اذ يبلغ عدد اللاجئين لديه من العراقيين نحو 90 في المائة من اجمالي اللاجئين اليه من مختلف الجنسيات، ما عدا الفلسطينيين.

وتعتبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كل العراقيين الذين فروا من جنوب العراق ووسطه طلباً للجوء في لبنان، أو في أي مكان آخر في منطقة الشرق الأوسط «لاجئين»، إلا أن لبنان ليس طرفا في اتفاقية عام 1951 للاجئين، ولا يعتبر اعتراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باللاجئين العراقيين نافذاً تبعاً للقانون اللبناني. وتعامل السلطات اللبنانية كل العراقيين الذين يدخلون أو يقيمون في لبنان بشكل غير قانوني «مهاجرين غير شرعيين»، بغض النظر عن نيتهم في السعي للجوء. ولهذا يتعرض اللاجئون العراقيون للاعتقال والغرامات والاحتجاز من قبل السلطات اللبنانية.   ويقول مدير برنامج سياسات اللاجئين في منظّمة «هيومن رايتس ووتش» بيل فريليك ان في لبنان نحو 580 لاجئاً عراقياً مخيرين بين «الشقاء في السجن لأجل غير مسمى ومن دون أي أمل في الخروج، أو العودة إلى العراق ومواجهة احتمال الموت»، معتبرا إن هذا الخيار هو «بين مصيرٍ مروع وآخر مروعٍ مثله، وليس فيه أي تخيير». وأوضح ان بين هؤلاء نحو 422 شخصاً أنهوا فترة العقوبة ولكن ظلوا في السجن. مشيرا الى انه ليس في لبنان قانون لاجئين، وان غالبية العراقيين يعاملون باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين، بغض النظر عن نيتهم طلب اللجوء أو احتياجهم للحماية باعتبارهم لاجئين. ومن يلقى القبض عليه يصبح عرضة للحبس والغرامات. موضحا انه بعد انتهاء فترة العقوبة في السجن، لكونهم في البلاد بشكل غير قانوني، يرفض الأمن العام اللبناني إطلاق سراحهم. ويمكن لغالبيتهم الخروج من الاحتجاز فقط بالموافقة على العودة إلى العراق.   ويشير فريليك الى مشكلة اخرى يواجهها العراقيون في لبنان، هي عدم الاعتراف بهم رسمياً كلاجئين وحظر العمل عليهم. معتبرا ان اللاجئين العراقيين «يحتاجون إلى وضع قانوني مؤقت يوفر لهم، في الحد الأدنى، إقامة متجددة وتصاريح عمل. وضمانات بأنهم لن يُعتقلوا، وأنه في حالة الاعتقال فستتوفر لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم بطلب الحماية والإخراج من السجن.   واعترف فريليك بان هذه المشكلة «ليست صنيعة لبنان، ولا يمكن أن يتوقع أحد أن يتحمل لبنان وحده عبء اللاجئين، أو أن يلتزم بإمدادهم بمحل إقامة دائم». معتبرا انها «مسؤولية دولية، ويجب أن تتحمل الولايات المتحدة الشطر الأكبر منها، بعدما تنصلت منها إلى حد كبير إلى الآن». واوضح ان الحرب الأميركية في العراق أدت، سواء بطريق مباشرة أو غير مباشر، إلى نزوح أربعة ملايين عراقي تقريباً، واضطر نصفهم إلى مغادرة بلدهم. ولذا فعلى الولايات المتحدة خاصة مسؤولية الاستجابة السريعة والسخية لمساعدة اللاجئين في لبنان، وكذلك الأعداد الأكبر منهم في سورية والأردن ومصر، بالإضافة الى النازحين داخلياً في العراق. معتبرا ان على لبنان الالتزام، باعتباره عضواً في المجتمع الدولي، باعطاء هؤلاء الحقوق الأساسية، خاصة «الحق في عدم الإعادة القسرية... وهو الحق في عدم الإعادة إلى حيث يواجه الشخص الاضطهاد أو التعذيب أو الموت». وقال: «نظرياً، لا يعيد لبنان اللاجئين العراقيين إلى العراق رغم إرادتهم. الا أنه من حيث الممارسة، تُكرِه السلطات اللبنانية اللاجئين العراقيين على اختيار العودة إلى العراق، بدءاً من اعتقال طالبي اللجوء العراقيين الذين ليست لديهم تأشيرات نافذة، ثمّ احتجازهم، وتخيير من هم رهن الاحتجاز بين العودة إلى العراق أو البقاء رهن الاحتجاز لأجلٍ غير مسمى».

وتقوم التسوية التي توصلت اليها السلطات اللبنانية مع مفوضية شؤون اللاجئين على السماح بتسوية اوضاع هؤلاء وفقا لما تنص عليه القوانين اللبنانية، أي بحصولهم على ترخيص عمل وكفيل ودفع رسوم سنوية، وستباشر السلطات اللبنانية بمنح هؤلاء «اذونات تجول» مؤقتة مدتها ثلاثة اشهر للسماح لهم بتصحيح اوضاعهم. غير ان هذا الحل قد لا يكون مفيدا للعديد منهم، ذلك ان الامر منوط بتوفر الكفيل مما يجعل اللاجئين تحت رحمة هذا الكفيل ويعرضهم للابتزاز الدائم اذا توفر.

ولم تؤدِّ التسوية الى الغاء الغرامات المفروضة على «الداخلين خلسة»، والتي تسدد نصفها مفوضية اللاجئين فيما تتكفل مؤسسة «كاريتاس» بالنصف الاخر من الغرامات. وتؤمن السفارة العراقية جوازات السفر للعراقيين الذين يستطيعون اثبات عراقيتهم بواسطة اثباتات ووثائق عراقية. وقد ادت هذه التسهيلات والتعاون القائم بين السفارة العراقية في بيروت الى تشجيع حركة عودة طوعية الى العراق، اذ تنظم السفارة العراقية رحلة اسبوعية لهؤلاء الى بغداد عبر الخطوط الجوية العراقية. وقد غادرت 12 دفعة حتى الان بيروت تضم كل منها 35 الى 40 لاجئا، تكفلت الخطوط العراقية بتذاكر الدفعات الـ10 الاولى، وتقاسمت مع مفوضية اللاجئين تذاكر الدفعتين الاخيرتين.