علماء يربطون بين الإجهاد البدني والانتشاء النفسي

التقنية الطبية أكدت ما سبقتها إليه الاعتقادات الشعبية

TT

أغلب الرياضيين سمعوا عن الشعور بالارتياح عند الركض. غالبيتهم يعتقد بوجود هذا الشعور عند الركض، وكثيرون قالوا انهم شعروا به بالفعل. ولكن على مدى سنوات ظل العلماء متحفظين إزاء هذه الظاهرة بسبب عدم وجود اختبارات جادة تثبت وجود الشعور بالارتياح لدى ممارسة الركض. وقال البعض انهم شعروا بارتياح بالغ خلال ممارسة الركض، وشعروا كأنهم تناولوا عقاقير لتهدئة المزاج. ولكن هل هذا الشعور صحيح بالفعل ام انه مجرد وهم؟ وحتى إذا كان شعورا حقيقيا، ما هو وصف هذه الشعور وما الذي يسببه؟ بعض الذين شعروا بهذا النوع من الارتياح أو الانتشاء النفسي خلال أو بعد الركض قالوا ان هناك شعورا بالاسترخاء أو الهدوء عقب الركض مع شعور بالانتشاء النفسي بعض المرات فقط. والسؤال الآن، هل الهدوء نفسه شعور بالانتشاء النفسي نتيجة ممارسة الركض؟ الذين شعروا بإحساس كبير بالانتشاء النفسي، قالوا انهم شعروا به بعد ممارسة نشاط يعتمد على قوة التحمل. هناك من شعر بهذا الإحساس بعد انتهاء سباق الماراثون وصاحبه شعور بالانفعال العاطفي، فيما قال آخرون انهم يشعرون بهذا الإحساس عند نقطة الانهيار، نتيجة القيام بجهد منهك مثل السباق لمسافة 5 كيلومترات. إلا ان هناك أيضا من يقول ان الانتشاء النفسي هو آخر ما يمكن ان يشعروا به عند الانتهاء من سابق الـ5 كيلومترات ركض، بل ان بعضهم ذهب إلى انه يشعر بالرغبة في التقيؤ. فرضية الشعور بالانتشاء النفسي تقول ان هناك آثارا بيوكيماوية على الدماغ، إذ يجري إفراز مواد الاندورفين الكيماوية التي تحدث تغييرا في مزاج الرياضي. والركض ليس هو النشاط الوحيد الذي يؤدي إلى إفراز هذه المواد، إذ تتم إفرازها أيضا عند ممارسة غالبية النشاطات التي تتسبب في إجهاد الجسم. المشكلة التي تكمن في هذه الفرضية يمكن تلخصيها في انه ليس من الممكن إجراء فحص لقياس كمية الاندورفين قبل وبعد الركض. إلا انه بوسع الباحثين رصد كميات الاندورفين في الدم بعد الركض، بيد ان هذه تشكل جزءا من استجابة الجسم للضغوط، ولا يمكنها الانتقال من الدم إلى المخ. إنها ليست مسؤولة عن دفع مزاج الشخص.

الا ان التقنية الطبية اكدت تلك الاعتقادات الشعبية. فقد اكد الباحثون الالمان، عبر استخدام تقدم في مجال علوم الاعصاب، في العدد الجديد من مجلة «سيربرال كورتكس» ان الاعتقاد الشعبي صحيح: الركض يؤدي الى زيادة افراز مادة اندورفين في الدماغ. ومادة الاندورفين مرتبطة بتغيير المزاج، وكلما زادت افرازات مادة الاندروفين، زاد التأثير.

وقبل عدد من كبار الباحثين في مجال الاندورفين، الذين ليس لديهم علاقة بالموضوع نتائج البحث.

ووصف الدكتور سولومون سنيدر استاذ علوم الأعصاب في جامعة جونز هوبكينز، ومكتشف مادة الاندورفين في السبعينات نتائج البحث بأنها «مؤثرة».

بينما عبرت هدى عقيل استاذة علوم الاعصاب في جامعة ميتشيغان عن اعجابها بالنتائج، وقالت «هذه هي المرة الاولى، الذي يواجه فيها احد هذا الموضوع بطريقة مباشرة». وبالنسبة للرياضيين تعتبر نتائج الدراسة تأكيدا لذلك الشعور بالنشوة، وانه ليس مجرد حجة من جانب العدائيين للشعور بذلك».

وتفتح نتائج البحث، بالنسبة للرياضيين وغير الرياضيين، فصلا جديدا في علم التدريب الرياضي. فقد اظهرت الدراسة انه من الممكن تحديد وقياس شعور العداء بالنشوة، وانه من الممكن تحديد اسبابها. كما تقدم الامل بالنسبة لهؤلاء الذين لا يمارسون الرياضة. ويمكن للمتدربين تعلم تكنيكات جديدة لتحقيق ذلك الشعور الذي يجعل الانسان مدمنا على التدريب.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة الجديدة الدكتور هنينغ بوكر من جامعة بون، انه فكر في دراسة مادة الاندروفين عندما تبين له ان الوسائل التاي يستخدمها هو والزملاء لدراسة الالم تنطبق في هذه الحالة.

وكانت الفكرة استخدام المسح بجهاز «بيت» مع المواد الكيميائية المتوفرة حديثا التي تكشف مادة الاندروفين في الدماغ، لمقارنة دماغ العداء قبل وبعد التدريب. واذا ما اظهر المسح ان الاندروفين المنتج يرتبط بمناطق من الدماغ تتعلق بالمزاج، فسيعتبر ذلك دليلا واضحا على صحة الاعتقاد الشعبي. واذا ما ذكر العداء، الذي لا يعرف ما تبحث عنه الدراسة، بتغيير المزاج الذي يرتبط حجمه بكمية الاندروفين التي ينتجها الجسم فسيعتبر ذلك دليلا آخر على صدق ذلك الاعتقاد.

وقد اجرى الدكتور بوكر وزملاؤه بحثا على 10 عدائين في مسافات طويلة وقالوا لهم انهم يدرسون مجسات المواد الافيونية التي ينتجها الدماغ. ولكن لم يعرف العداؤون ان الباحثين يدرسون افراز مادة الاندورفين. وقد تم مسح دماغ العدائين، قبل وبعد فترة عدو استمرت ساعتين. وكشفت المعلومات التي الحصول عليها، افراز الاندورفين خلال العدو، واصبح مرتبطا بالمناطق المتعلقة بالمشاعر.

وقال الدكتور بوكر وهو عداء غير منتظم، ويمارس رياضة ركوب الدرجات الهوائية «بعض الناس تعرضوا لتلك الخبرة المكثفة بعد فترات التدريب الطويلة». وقال انه يشعر بالراحة التامة بعد ممارسة تدريبات اللياقة البدنية.

وفي دراسة ثانية يدرس الدكتور بوكر ما اذا كان العدو يؤثر على متلقيات الالم. واشار الى «وجود دراسات توضح قلة الاحساس بالالم بالنسبة للعدائين. ويجب عليك زيادة نسبة محفزات الالم قبل بداية شعوره بالالم».

وقد جمع دكتور بوكر مجموعة من 20 شخصا، ممن يمارسون عدو المارثون، وعددا مماثلا ممن لا يمارسون رياضة العدو. لدراسة الاحساس بالألم بعد العدو، وما إذا كان مرتبطا بتغييرات في مسح الدماغ. وتساعد المجموعة التي لا تمارس رياضة العدو فريق البحث على تقييم ما اذا كان الأشخاص غير المتدربين يشعرون بنفس المؤثرات.

* خدمة «نيويورك تايمز»