السنيورة يحمّل سورية «دورا رئيسيا» في أزمة لبنان ويدعو وزراء الخارجية العرب لمعالجة العلاقة مع دمشق

في كلمة وجهها إلى الملوك والرؤساء العرب وكل اللبنانيين

رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لدى وصوله إلى القصر الحكومي في بيروت أمس (رويترز)
TT

عشية انعقاد القمة العربية في دمشق توجه رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، أمس، بكلمة الى «أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسموّ والمعالي» وكذلك إلى اللبنانيين والعرب «والسوريين منهم بشكلٍ خاص» حرَصَ أن يكون عنوانها الأُخوَّة الصادقة والمُصارحة. قال السنيورة إنه «لن يكشف سراً» إذا ما قال إنّ علاقاتِ البلدين الشقيقين لبنان وسورية «لم تكن في السنوات الأخيرة علاقاتٍ سوية ولم تَعُدْ كما أردناها ونريدُها علاقات طبيعية أومتينة» وان مسؤوليته الوطنية والقومية تدعوه إلى الوقوف أمام المشكلات التي تعتري تلك العلاقات بهدف التبصُّر في سبل معالجتها . وفي إشارته الى القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني، «وبأسفٍ شديدٍ»، بعدم المشاركة في القمة العربية العشرين قال ان السبب المباشر للقرار هو التأكيدُ أنّ لبنان إنما يتمثل طبيعياً، في أي قمةٍ عربية، برئيس الجمهورية ..«وهو الرئيسُ العربيُّ المسيحيُّ الوحيدُ بين القادة العرب». وأضاف :«لقد أردْنا من وراءِ ذلك أن نظهِر إصرار اللبنانيين على رفْض التكيُّف مع الواقع القائم أو التعود عليه التزاماً منا بميثاقنا الوطني وبدستورنا» واعتبر انّ المثير للأسف والغضب معاً أن تَمضي أكثرُ من أربعة شهور على الفراغ في موقع الرئاسة في لبنان «لعبتْ سورية خلالها وقبلَها دوراً رئيسياً في احتدام الأزمة السياسية في لبنان وأسهمت من خلال تدخُّلِها المستمر في الشؤون اللبنانية الداخلية في مَنْعِ وُصول المرشَّح التوافُقي إلى الرئاسة ... كما أسهمت في عرقلة المبادرة العربية» وفي تعطيل الجهود التي قام بها الأمينُ العام للجامعة العربية في إطارها، وذلك في ظل استمرار التعطيل القسري لمجلس النواب اللبناني منذ أكثرِ من ستة عشر شهراً. وحرص السنيورة على التكرار بأنّ الحكومةَ اللبنانيةَ تؤكّد مرةً أُخرى رغبتَها في إقامة «علاقة تعاونٍ أَخَوية وصحّية وإيجابية بين لبنان وسورية، ترتكزُ على أسُس ثابتة من الاحترام المتبادَل لسيادة واستقلال كلٍ من البلدين، وعلى قاعدة عدم تدخُّل أيٍ منهما في الشؤون الداخلية للبلد الآخَر». ودعا السنيورة الى بناء العلاقات اللبنانية السورية «على قاعدة الندية والاحترام المتبادل» ويتطلبُ ذلك الالتزامَ المشتركَ بالمبادئ والتوجُّهات والمواقف التالية: أولاً: إنّ العِلاقاتِ بين الدولتين اللبنانية والسورية، كما هو الحال بين سائرِ الدول ذات السيادة، يجب أن تَمُرَّ عَبْرَ الحكومتين. وهذا لا يعني أنْ تقتصرَ العلاقاتُ بين البلاد العربية ـ ومنها لبنانُ وسورية ـ على القنوات الرسمية. فالروابطُ الاجتماعيةُ والاقتصاديةُ والثقافيةُ بينها لا يَحْسُنُ قَصْرُها على علاقاتٍ رسميةٍ بين الحكومات. بيد أنّ ذلك لا يعني السماحَ بقيام علاقاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ وتنظيميةٍ مباشِرةٍ بين أيٍ من الحكومتين، ومجموعاتٍ أو فصائلَ سياسية أو حزبية أو عسكرية، في البلد الآخر، في معزلٍ عن سُلطات الدولة الرسمية، ومؤسساتِها الدستورية.

ثانياً: إنّ على كلٍّ من الحكومتين السورية واللبنانية الالتزامَ بعدم استخدام أراضيها ممراً أو معبراً بما يمكن أن يؤدي إلى تهديد الأمن أو زعزعة الاستقرار في البلد الآخر. كما يجبُ أن تلتزم كلٌّ منهما بأنْ لا تستخدمَ أراضيَ البلد الآخَر أو تُسَهِّلَ استخدامَ تلك الأراضي لأغراضٍ سياسيةٍ أو أمنيةٍ أو عسكريةٍ دون موافقة البلد المعني بصورةٍ واضحةٍ ورسمية.

ثالثاً: إنّ إقامةَ علاقاتٍ طبيعيةٍ بين أي بلدين مستقلّين ومتجاورين، تتطلبُ قيامَ علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بينهما. ولذا فإنّ الحكومةَ اللبنانية ترى ضرورة تَبادُل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسورية بأسرع وقتٍ ممكنٍ ودون تأخير.

رابعاً: إنّ ترسيمَ الحدود اللبنانية الرسمية وتحديدَها مع الشقيقة سورية هو أمرٌ طبيعيٌّ وضروريٌّ ومفيد. وهو يمنع قيامَ مشكلاتٍ كثيرةٍ بين البلدين الشقيقين ويدرأُ مَخاطِرَها. أمّا في منطقة مزارع شبعا المحتلة فإنّ تحديدَ الحدود على الخرائط بالتوافُق بينهما ينبغي أن يُعطى أولويةً قُصْوى. ذلك أنه من شأنِ هذا التحديد أن يُساعدَ لبنانَ في تحرير أرضه بمقتضى القرار الدولي رقم 425. وإن لبنانَ الذي يرفض إقامةَ سلامٍ منفردٍ مع الكيان الصهيوني، يُريدُ إعادةَ العمل باتفّاقية الهُدنة استناداً إلى ما نصت عليه النقاطُ السبعُ التي أقرَّها مجلسُ الوزراء اللبناني وأقرّها كذلك مجلس وزراء الخارجية العرب ولا سيما في ما خصَّ تحريرَ مزارعِ شبعا، وإعلانَ وقفٍ دائمٍ للنار كما هو منصوصٌ عليه في قرار مجلس الأمن رقم 1701. خامساً: وانطلاقاً من اتفاق الطائف، ودعماً للاستقرار، وحمايةً للبنانَ من الإرهاب وفوضى السلاح، فإنّ اللبنانيين أجمعوا في مؤتمر الحوار الوطني على ضبْطِ الأمن والسلاح داخلَ المخيمات الفلسطينية، وإزالةِ معسكرات ومراكز الفصائل الفلسطينية المسلَّحة خارجَها. ولتحقيق ذلك، ونظراً لوجود فصائل مرتبطة بالسلطات السورية في تلك المعسكرات الحدودية وداخلَ الأراضي اللبنانية وفي بعض المخيمات الفلسطينية، فإنّ تجاوُبَ السلطات السورية وتعاوُنَها لإزالة المعسكرات خارج المخيمات، وكذلك تعاوُنها في معالجة قضيةِ السلاحِ وضَبْطِهِ داخلَ المخيمات الفلسطينية، هو أمرٌ حيويٌّ لأَمْن لبنان واستقرارِهِ وسلامِهِ الداخلي.

سادساً:إنّ تفاهماً جِدّياً بين لبنانَ وسورية برعاية الجامعة العربية على المبادئِ والخُطُواتِ التي ذكرْتها بالإضافة إلى قضايا أُخرى يجبُ إيجادُ حلٍّ لها مثل قضية المفقودين والمعتَقَلين اللبنانيين في سجون سورية، من شأْنِهِ أن يَضَعَ العلاقاتِ بين البلدين على مسارٍ جديدٍ، مسار الأُخوة الصادقة وحسن الجوار..

وأكد السنيورة أنّ لبنانَ الذي تحمَّل من أعباء القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأُخرى الكثيرَ والكبيرَ دونما مِنَّةٍ أو إرغام، باقٍ على التزامه بالقضايا القومية.. لقد كان العربُ كباراً في دعمِهِمْ لبنانَ في الحرب والسِلْم والرخاءِ والشِدّة وما يزالون. وسنبقى أُمناءَ في لبنان لأنفُسِنا وانتمائنا وعروبتِنا ومستقبلِنا بالعرب ومعهم وجوداً ومصائر..

وطالب السنيورة القادةَ العرب بوضع مسألة العلاقات اللبنانية السورية «في مطلعِ الأَولويات بما في ذلك الوصول إلى الدعوةِ لعقد اجتماعٍ خاصٍ لوزراء الخارجية العرب في أقربِ وقتٍ ممكن لمعالجة التأزُّم في العلاقات السورية ـ اللبنانية».