الهولنديون يخشون من غضب إسلامي بعد إذاعة فيلم معاد للقرآن

3 ملايين شاهدوه خلال ساعات على الانترنت

النائب الهولندي خيرت فيلدرز (ا.ب.ا)
TT

رغم دعوات المسؤولين الهولنديين الذين يخشون أزمة دولية شبيهة بأزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، حول النبي محمد والتهديدات التي تلقتها هولندا، عرض نائب هولندي يميني متطرف مساء الخميس على الانترنت، فيلما يربط بين الإسلام والإرهاب.

وتعتبر السلطات الهولندية هذه القضية خطرة الى درجة دفعت رئيس الوزراء يان بيتر بالكينيندي، الى إصدر بيان رسمي بالهولندية والانجليزية «اسف» فيه لعرض الفيلم.

وقال وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فيرغاخن، انه اتصل بسفارات «الدول المعنية». وسيتطرق الى هذه المسألة مع نظرائه الأوروبيين.

وحاولت الحكومة الهولندية تهدئة غضب المسلمين، بعد ان نشر نائب هولندي فيلما يتهم القرآن بالتحريض على العنف. ونشر النائب اليميني الهولندي خيرت فيلدرز مساء اول من امس الفيلم الذي يحمل عنوان «فتنة» ويعرض صورا لهجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001، وتفجيرات اخرى نفذها اسلاميون مع آيات قرآنية. ويحذر الفيلم من ان العدد المتزايد للمسلمين في هولندا وبقية اوروبا، يعرض القيم الديمقراطية للخطر. وبعد كلمات «هولندا في المستقبل»، يقدم صورا لرجال ملثمين يجري اعدامهم ولأطفال تغطي الدماء وجوههم، وامرأة ترجم الأحجار، وصورة لعملية ختان.

وينتهي الفيلم بكلمات: «أوقفوا الأسلمة. دافعوا عن حريتكم». وقال رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكينيندي، انه يأمل في ألا تكون هناك ردود فعل عنيفة بسبب الفيلم. وقال بالكينيندي: «نعتقد ان الفيلم لا يخدم أي هدف، سوى انه يسبب اساءة». وأضاف: «لكن الاحساس بالإساءة يجب الا يستخدم أبدا ذريعة للعدوان والتهديدات». وقال إن هولندا على اتصال بالدول الاسلامية والمصدرين الهولنديين، وانه شعر براحة لضبط النفس المبدئي من جانب مسلمي هولندا.

وقبل رؤية الفيلم خرجت المظاهرات بالفعل الى الشوارع من افغانستان حتى اندونيسيا، للتعبير عن الغضب تجاه هولندا، بينما انتقدت حكومتا ايران وباكستان بشدة هذا الفيلم. وعبر حلف شمال الأطلسي عن قلقه، من ان الفيلم قد يتسبب في تفاقم الوضع الأمني للقوات الأجنبية في افغانستان، ومن بينها 1650 جنديا هولنديا. وقال ابراهيم بورزق المتحدث باسم جماعة هولندية مغربية، ان المساجد ستفتح ابوابها، وان عدة أئمة سيعبرون عن وجهات نظرهم في الفيلم، للمساعدة في تبديد التوترات.

وقال: «هذا ليس فيلما لكنه دعاية. كل عناصره شوهدت من قبل ولا شيء جديدا فيه». وجاء بث الفيلم قبل ساعات من الجلسة التي عقدتها محكمة هولندية امس، للنظر في شكوى قضائية عاجلة تقدمت بها منظمة اسلامية في هولندا، تطالب بوقف عرض الفيلم الى حين ندب خبير لمشاهدته قبل عرضه، وتحديد اذا ما كان محتوى الفيلم يخالف القوانين ام لا. ويخضع فيلدرز لحراسة مشددة بسبب تهديدات بالقتل منذ عام 2004، عندما قتل المخرج السينمائي ثيو فان جوخ، الذي صنع فيلما ينتقد فيه معاملة الاسلام للمرأة.

وأثار قتله بيد متشدد هولندي من اصل مغربي، موجة اضطرابات في هولندا، التي يبلغ عدد المسلمين فيها مليونا من بين تعداد سكانها البالغ 16 مليون نسمة. وتعرضت مساجد وكنائس ومدارس اسلامية لهجمات بقنابل حارقة.

وأعرب المصدرون الهولنديون عن مخاوفهم من احتمال مقاطعة العالم الاسلامي لهم، مع ان تجارتهم مع هذه الدول لا تتعدى بضع نقاط مئوية من الصادرات الكلية. وهناك أيضا بواعث قلق بشأن 25 الف مواطن هولندي يعيشون في دول إسلامية.

ونشر الفيلم على موقع حزب الحرية، الذي ينتمي اليه فيلدرز وأمكن مشاهدته لفترة قصيرة قبل ان يقول الموقع انه غير متاح لأسباب فنية، ولكن أمكن مشاهدته على موقع لتبادل الملفات بالإنجليزية والهولندية على شبكة الانترنت. ورفضت محطات تلفزيونية هولندية، اذاعة الفيلم، وقررت شركة لخدمات الانترنت في الولايات المتحدة كان فيلدرز يريد عرض فيلمه على موقعها، ان توقف عمل الموقع في مطلع الاسبوع بعد ان تلقت شكاوى.

وفي رد فعل اوروبي بشكل عام، ادانت الرئاسة السلوفينية الحالية للاتحاد الاوروبي، عرض فيلم «فتنة»، واعتبرته عملا يشجع على الكراهية، وشدد بيان صادر عن الرئاسة الاوروبية على حق حرية التعبير، ولكن في اطار احترام الديانات والعقائد الاخرى. وقال عضو البرلمان الهولندي من حزب العمل دايسيل بلوم، «ان الفيلم لا يحمل جديدا، وانما اراد فيلدرز من خلاله، اظهار المخاوف من الاسلام». واصدر الحزب الاشتراكي الهولندي بيانا، قال فيه ان الفيلم لم يتضمن اشياء جديدة، وانما مشاهد تلفزيونية قديمة، وقصاصات من الصحف القديمة»، وعلق وزير الدولة الهولندي من اصل مغربي أحمد ابو طالب قائلا «لا اعتقد ان الفيلم يحمل اي شيء جديد، وانما صور قديمة، اعتقد ان المسلم بعد ان يشاهد هذا الفيلم، يمكن له ان يخلد الى النوم بسهولة». وقال مارك روتي زعيم حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية اليميني، ان «فتنة» كان فرصة ضاعت من فيلدرز، لكي يقدم من خلالها لجمهور كبير، الحلول المقترحة لمواجهة مشاكل تتعلق بالتطرف والادماج، وجاءت تصريحات الشخصيات الحزبية والبرلمانية المختلفة لتحمل المضمون نفسه، ورأى البعض منهم ان الفيلم لم يتضمن أي مشاهد أو أمور تجعل هناك امكانية لمقاضاة فيلدرز. من جهتها قالت المنظمات الاسلامية الهولندية، «إن الفيلم ليس له علاقة بحرية التعبير، ولكن له علاقة بكراهية الأجانب والعنصرية، ودعت الى رد فعل هادئ ومتزن من جانب المسلمين». وقال نائب رئيس لجنة الاتصال بين المسلمين والحكومة في هولندا، ان الفيلم لا يحمل أي جديد، بل يتضمن بعض المغالطات، ومنها تناول موضوع ختان الاناث، واعتباره من تعاليم الدين، ولكن هذا غير صحيح. كما اصدرت المنظمات الاسلامية في الدولة الجارة بلجيكا، بيانا مشتركا يندد بعرض الفيلم، وطالبوا القيادات السياسية في البلاد بإدانة عرض الفيلم، وقالت الفيدرالية المغربية في بلجيكا واتحاد الجمعيات التركية، ومجموعة الشبان المهاجرين من خلال البيان المشترك، ان الفيلم من شأنه ان يؤدي الى تزايد كراهية المسلمين في اوروبا «اسلاموفوبيا»، وهو الهدف الذي كان يريد صاحب الفيلم الوصول اليه من خلاله. وأمنيا اعلن مكتب المنسق الأمني لشؤون مكافحة الارهاب، ان الحالة الأمنية ستظل على نفس الدرجة التي كانت عليها تحسبا لأي اعمال تهدد الأمن والاستقرار. وقال الاعلام الهولندي إن الفيلم بنسخته الهولندية، شاهده خلال ساعة واحدة، ما يزيد عن 75 الف هولندي، وانه حتى صباح امس أي بعد ساعات من عرضه على الانترنت، ووصل عدد من شاهد الفيلم 3 ملايين شخص، وأشارت الى ان عددا من المسؤولين في المساجد الهولندية، قالت قبل صلاة الجمعة، ان الفيلم لا يتضمن اي جديد، وقال مسؤولون في مساجد مدينة الميرا، إن الأئمة سيركزون خلال خطبة الجمعة، على دعوة المسلمين للتصرف بهدوء، وطالب مسؤولون في مدن بريدا ودنبوش، بضرورة فتح حوار ونقاش حول تبعات هذا الفيلم».

ويظهر الفيلم، والذي يحمل عنوان «فتنة»، آيات من القرآن تصاحبها صور لمشاهد من أحداث إرهابية وقعت مؤخرا، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر على برجي مبنى التجارة العالمي في نيويورك، وصور للجثث المحترقة الخاصة بضحايا الهجوم على القطارات في مدريد وصور من بريطانيا والصومال. ويبدأ الفيلم ومدته 15 دقيقة بتحذير من أنه يحتوي على «صور تسبب صدمة شديدة». وتبرأت الحكومة الهولندية من آراء فيلدرز، وتخشى ان يثير الفيلم احتجاجات من جانب المسلمين، كتلك التي أثارها نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد في صحف دنماركية عام2006.

وفي أوائل الشهر الحالي، رفع المسؤولون الهولنديون مستوى الانذار الوطني بالخطر الى درجة «كبير»، بسبب فيلم فيلدرز وتوقعات بزيادة التهديدات من جانب تنظيم «القاعدة». وبعد كلمات «أوقفوا الأسلمة. دافعوا عن حريتكم»، يقدم الرسم الكاريكاتوري الدنماركي للنبي محمد، وقنبلة تحت عمامته مع صوت دقات ساعة. وقال فيلدرز «ان فيلمه لا يهدف الى الاستفزاز، لكنه تحذير من الخطر الذي يشكله الاسلام على الغرب». وفي ألمانيا ذكرت هيئة مكافحة الجريمة في ألمانيا، أن بث فيلم الفيديو الهولندي المعادي للاسلام على شبكة الانترنت، يزيد من مخاطر «الهجمات الارهابية» حتى في ألمانيا. وقال كلاوس فيتلينج مدير إدارة حماية أمن الدولة، إن هذا الفيلم قد يسبب إثارة لبعض الاشخاص، مثله في ذلك مثل الرسائل الأخيرة لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.

من جهته أكد يورج تسيركه رئيس هيئة مكافحة الجريمة في ألمانيا، استمرار وجود خلايا لـ«اسلاميين إرهابيين» في بلاده. وأضاف تسيركه، أن القبض على مدبري الخطط الفاشلة لتفجير اثنين من القطارات في ألمانيا عام 2006 أو الكشف عن «مجموعة زاورلاند» التي كانت تخطط لشن هجمات ضد أهداف أميركية في ألمانيا «قوضت قمة المخاطر فحسب». وأشار المسؤول الالماني إلى تعويل «القاعدة» في الوقت الراهن على ألمان اعتنقوا الاسلام، حتى يمكنهم التحرك من دون لفت الانظار إليهم، بسبب مظهرهم الغربي. وأكد تسيركه أنه لم يعد من الضروري الآن حضور معسكرات لتدريب الارهابيين، إذ أن عمليات التجنيد والتدريب تتم حاليا عبر شبكة الانترنت، وأضاف: «نتحدث الآن عن جامعات عن بعد للإرهابيين».

إلى ذلك أوصى خطيب المسجد الحرام في مكة أمس بالحوار للدفاع عن الاسلام، غداة عرض النائب اليميني الهولندي المتشدد خيرت فيلدرز فيلما معاديا للاسلام. وأكد الشيخ عبد الرحمن السديس في خطبة الجمعة، من دون ذكر الفيلم بالتحديد على ان الأمر «بلا شك طعنة للأمة»، معتبرا ان عرض العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، فتح حوار بين الأديان «من أعظم مآثر النصرة الجليلة». وأضاف أن تلك المبادرة «داعية الى التعايش الانساني الحضاري، الذي يكفل احترام الرسالات وتوقير القداسات، وتواصل الحضارات وتحاور كافة بني الانسان فيما فيه رقيهم وأمنهم وسلامهم وتواصلهم وتراحمهم». كما دعا الى «مزيد استثمار القنوات الفضائية والمجالات التقنية، من اجل نصرة الحبيب»، و«السعي لنشر محاسن الاسلام وجمالياته ورحماته واشراقاته، وتفنيد الاباطيل حول الاسلام ونبيه».

وفي نيويورك (الامم المتحدة) دان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بشدة امس، بث فيلم مسيء للاسلام لنائب هولندي يميني متطرف على الانترنت، معتبرا أن لا شيء «يبرر خطاب الحقد والتحريض على العنف».