الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ رأى المخرج في تحمل العرب نفقات مصر العسكرية * وزير الاقتصاد يغتاب القيسوني للندن ويصفه بالعنيد

* السفير موريس يوالي تشريحه الدقيق للمظاهرات وتداعياتها: الحكومة أشارت للناصريين والشيوعيين وتجاهلت المعارضة الدينية وحاولت استمالة التطرف الديني

جانب من مظاهرات 18/19 يناير ( صور خاصة بـ «الشرق الأوسط»)
TT

* وثيقة رقم :14

* التاريخ : 20 يناير 1977

* من : السفير ويلي موريس ـ القاهرة .

- الى : الخارجية لندن، سري للغاية .

الموضوع: الأوضاع الداخلية 1 ـ أخبرني حامد السايح وزير الاقتصاد هذا الصباح أن الحكومة توقعت المظاهرات، ولكن ليس بالمستوى الذي حدثت به أو درجة العنف التي صاحبتها، وكان عليهم أن يأخذوا رد فعل قويا في اليوم الأول، حينما كانت الأوامر للشرطة بتجنب الصدام، وهو يعتقد أن الجيش، وهو الآن في موضع القوة في القاهرة، امتلك الوضع تحت السيطرة بصورة جيدة . ومن وجهة نظره فقد جاءت المظاهرات مفاجئة وواسعة الانتشار وحسنة التنظيم أكثر من كونها عفوية، ولا بد أن يكون قد سبق الإعداد لها من قبل عناصر اليسار في أوساط العمال والطلاب .

2 ـ قال إن القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ناقش لجنة مجلس الشعب اليوم، وسيجادل هناك بأن تضخم الأسعار المستمر سيكون على أية حال لا مفر منه إذا لم يتم إيقاف عجز الميزانية عند الحد الذي اقترحه، وإذا كان لعجز الموازنة أن يوقف عند الحد الذي اقترحه فالادخارات بعدها لا بد أن توجد إما بقطع الدعومات.. الخ بالشكل الذي اقترحه أو بطريق آخر لا يمكن أن يكون بلا آلام. السايح قال إن البوتاغاز وأسعار الأرز يمكن أن تلغى بدون حدوث ضغوط على الميزانية، ولكنه توقع أن بعضا من زيادات الأسعار التي تم تعليقها ستتم إعادتها. وأضاف قائلا: وبالطبع وإذا ما كان للعرب أن يتحملوا عبء الإنفاق العسكري، فذلك سيكون مخرجا آخر.

3 ـ وقال إن جون جنتر من صندوق النقد الدولي وصل الى القاهرة أمس، وأحيط بأن الحكومة لا تزال راغبة في اتفاقية، ولكن طلب منه الانتظار لبضعة أيام لرؤية ما ستسفر عنه مناقشات الميزانية مع مجلس الشعب.

4 ـ انتقص من قدر القيسوني بالقول إنه عنيد جدا، ولكنه ليس في صحة جيدة لمثل هذا النوع من المواقف. والسايح نفسه لا يبدو متشككا في إمكانية استمراره.

* توقيع : ويلي موريس ـ السفير ـ القاهرة الفقرات من 1 الى 13 حملتها حلقة الأمس:

14/ تقديرنا أنه ليس هناك خطة عامة أو تنظيم مركزي، ولكن التنظيمات السياسية السرية خططت حقيقة ودربت لاستغلال أوضاع السخط الشعبي، والتي كان ما حدث منه مثالا نموذجيا. فالأفراد، أيا كانت محليتهم، لا يتظاهرون عفويا بدون قيادة، ومن هنا كان على مجموعات الناشطين، سواء كانوا من المصانع أو الجامعات، أن يقفزوا ليأخذوا زمام القيادة. وربما يكون هناك بعض دليل على المشاركة التلقائية للجمهور العام، وأنه وحين تم سحب زيادات الأسعار، وانقطع سيل البخار، لم يكن الناشطون قادرين على إبقاء استمرارية الحركة.

15/ لاحظنا أن دعاية الحكومة أشارت الى الناصريين والشيوعيين، ولكنها لم تضع إشارة الى المعارضة الدينية، وهي التي نظر اليها بأنها لا مبالية سياسيا. وقد يكون هذا صحيحا، حيث أن السلطات ظلت تحاول استمالة التطرف الديني (وبالطبع تعرض شيخ الأزهر لتعارض الإسلام والشيوعية في خطبة الجمعة يوم 21). 16/ الرئيس بنفسه ذهب شوطا في إنكار نظرية المؤامرة وكذّب وزير داخليته بإشارته الى رد الفعل الطبيعي والشعبي على زيادات الأسعار، برغم أنه أضاف أن جماعات منظمة حولت احتجاجا سلميا الى احتجاج للعنف.

ضد ماذا.. ومن؟

17/ النقمة كانت ببعد اجتماعي واقتصادي وموجهة ضد النظام والأثرياء، (ذلك حدث ايضا في مظاهرات الطلاب في يناير 1972. والحادثة التي سمعنا بها عن إلحاق الأذى بأجنبي بدا أنها مجرد حادثة عادية.

الى أي حد كان الدمار خطيرا.. ومدى انتشاره؟

18/ نفس الصحافي اليساري (راجع الفقرة 12 المنشورة أمس)، قال أنه لم توجد انتفاضة عمت كل البلد يمكن أن تقارن بهذه منذ ثورة 1919، وأراه قد بالغ. فثورة 1919 بدأت من بين الفلاحين (وليس لدينا أي معلومات عن أي ضيق في الريف)، فيما كانت انتفاضة سياسية عامة ضد الحكم البريطاني. والاضطرابات السابقة في حقبة السادات بمدى واسع كانت أحداث الطلاب عام 1972، ولكنها كانت وقفا على الطلاب. ويبدو أن أقرب مقارنة في التاريخ الأخير هي أحداث شغب (السبت الأسود) يوم 26 يناير 1952، والتي عجلت بتفسخ سياسي انتهى بانقلاب الضباط الأحرار بعد ستة اشهر. والمشاركون كانوا أكثر جدية لحد قادهم فيه قطاع من الشرطة فيما تسترت الحكومة لتفشل بقية قوات الشرطة في عملية التدخل. ولنا أن نقول هنا إن تلك المسألة بدأت بـ(ضد البريطانيين) لتصبح بصورة عامة (ضد الأجانب) و(ضد الأغنياء) ومضت دون أن تتعرض للفحص إلى أن وجه الملك فاروق آخر اليوم بتدخل الجيش. أما الدمار المادي يومها في وسط القاهرة، الفنادق، ودور السينما، والمتاجر والمؤسسات التي تم حرقها ونهبها، كان أكبر بكثير جدا عما حدث في وسط القاهرة يومي 18 و19، حيث، ومما يدهش، إشارة أقل لدمار حدث بعد أسبوع.

19/ في المقابل، انتشرت أحداث 1977 في الأطراف كما في وسط القاهرة وثماني مدن أخرى، على الأٌقل. وجاء تقدير السلطات للدمار الكلي بنحو (عدة ملايين من الجنيهات)، بما فيها ما فوق المليون في القاهرة وأقل لحد ما في الاسكندرية، وربما تكون الدعاية الحكومية قد ضخمت عمدا هذه الأرقام. ولا يبدو أن سكان الريف قد شاركوا في هذه الأحداث، وربما يكون أحد الأسباب هنا لعدم مشاركتهم أن أثر وضربة زيادات الأسعار عليهم أقل.

كيف تفاعلت السلطات؟

20/ سواء كان الأمر بضربة حظ، أو إدارة حسنة، فانطباعنا، الذي يشاركنا فيه آخرون، هو أنه وما إن بدأت المظاهرات، نشّطت الحكومة مسارا ناجحا وسطا بين ما هو دون التجاوب وما فوقه. وإذا كانوا حقيقة قد أساءوا كثيرا المدى الذي أخذه العنف، وسمحوا حقيقة للمظاهرات التي توقعوها أن تكون سلمية يوم 18، فذلك سيوضح كيف أنهم فقدوا أية فرصة كان بوسعهم امتلاكها لمنع إعادتها بشكل المظاهرات الأسوأ يوم 19. وتقول التقارير الرسمية عن الخسائر أن القتلى 77 والجرحى 802، وبلا شك فهذه أرقام متدنية جدا، ولكن حتى وإذا ما كانت الأرقام خمسة أضعاف ما تم إعلانه، فستكون الأرقام قليلة وبما يثير الدهشة لمظاهرات مارست العنف في المراكز الحضرية مع عدد سكان فيها ربما يكون 15 مليون نسمة. وفي تفسير جزئي لذلك (ويا له من أمر مناقض لما يحدث في لبنان) فالأمر يعود إلى الغياب الكامل لتقارير تشير الى امتلاك السلاح الناري من قبل المتظاهرين (لدينا قصة واحدة فقط عن طلاب في ميدان رمسيس بالقاهرة كانت بحوزتهم مسدسات). والشرطة أطلق النيران في عدد من الأماكن، فيما لم يطلق الجيش بقدر علمنا نيرانا (واللحظة التي اقترب من إطلاقها كانت استخدامهم للأسلحة الارتجاجية ضد تجمع في نهاية الزمالك عند كوبري بولاق. ولكن إطلاق الشرطة للنار بدا في غالبه منضبطا. وقد أبدينا تحفظا على قصص إطلاق النار العشوائي وغير المميز، والمدهش هنا هو أن أي مجموعة مدربة على تكتيكات المليشيات الحضرية لم تلفق مثل تلك القصص، ولذلك وفي الغياب الكلي لأي قصة منها، يبدو من المؤكد أن مثل تلك القصص عن إطلاق النار غير المميز لم تحدث.

21/ من المشكوك فيه أن تكون هناك مشاجرات بدنية في أي مكان بين المتظاهرين والجيش، والذي كان ظهوره في الشوارع (زائدا حظر التجول وسحب زيادات الأسعار)، كافيا لاستعادة النظام العام.

22/ هناك على أية حال قصص تدور موحية بأنه كان هناك حظ بقدر أكبر من حسن الإدارة للأزمة. وأسوأ النسخ هذه تقول إن كلا من رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وقد أخذا بالدهشة من المدى الذي اتخذه العنف، أحبطا وتيقنا أنه لا يمكن الوثوق في الشرطة في معالجة الوضع. وقيل، سواء لهذا السبب، أو لاعتقاده أن استخدامها سيغضب المتظاهرين، أن وزير الداخلية رفض إقحام الأمن المركزي (عبارة عن قوات الأمن المركزي والقوة الخاصة لمكافحة الشغب). ومضت هذه القصص لتقول أنه وحين طلب من المشير الجمسي إنزال الجيش، قال أيضا إنه لا يستطيع الاعتماد على طاعة رجاله للأوامر إذا وصل الأمر لحد إطلاق النار على مواطنيهم المصريين، ولدينا من الأسباب ما يجعلنا نشك، على الأقل، في بعض سياقات هذه القصص، إذ يبدو أن بعض الوحدات من الأمن المركزي قد استخدمت غالبا لمرة واحدة، في مقابل حاجة العناصر الأخرى لبعض الإيضاحات، ولكن مع بقاء الشكوك المتعلقة بمسألة الاعتماد على الشرطة، فقد أدى توالي أحداث أخيرا الى التقليل من الاحترام للشرطة (لم يكن الاحترام ذاته عاليا يوما)، وربما يكونون أقرب الى قوات محبطة.

23/ ربما تعود قصة أن الجيش رفض إطلاق النار الى واقعة بميدان الجيزة، حينما طلبت الشرطة من قائد لفرقة من الجيش إطلاق النار، فرفض الضابط من الجيش، ومن الواضح هنا أن الجيش يملك تعليمات قاطعة بأن لا يطلق النار إلا إذا تيقن بأنه لا مناص من ذلك، وبالتالي فالضابط لم يكن يعصي الأوامر برفضه الموافقة.

24/ هناك على الأقل قصة عن صدام بين الشرطة والجيش في غاردن سيتي، وقد تكون هناك خلافات حول من سيعمل وماذا في مناطق أخرى؟، ولكن، وفي غياب أي روايات أخرى في هذه المسألة، يبدو من غير المحتمل أنها كانت عاملا خطيرا.

25/ أكبر معالم رد فعل النظام جذبا للانتباه كان الصمت الكلي للرئيس السادات حينما انفجرت المظاهرات، وكان في أسوان، وعاد الى القاهرة مساء يوم 18، ولم يقل شيئا فيما عدا السماح بنشر تصريح بأنه قد صدق على توصية من الحكومةيوم 19 يناير بتعليق زيادة الأسعار.

* توقيع : ويلي موريس ـ السفير ـ القاهرة