مبان ومقاه وقصور، ودور سينما، ومحال تجارية ترتسم عليها لمحات من تاريخ مدينة الإسكندرية هي أهم ما يميز شارع فؤاد أقدم شوارع عروس المتوسط. تعود نشأة هذا الشارع العتيق إلى عهد البطالمة وكانوا يطلقون عليه «الطريق الكانوبي» حيث كان مصفوفاً بالأعمدة الرخامية من بدايته وحتى نهايته، كما سمي بعد ذلك بشارع ميناء رشيد، لأنه كان يبدأ من بوابة رشيد في الأسوار العربية القديمة ثم يتجه شرقاً ناحية ضاحية أبي قير. وهو أيضاً معروف باسم «طريق الحرية». يقع شارع فؤاد بمنطقة محطة الرمل سرة مدينة الإسكندرية، وفي بداية الشارع يوجد حالياً قسم شرطة كان يمثل مركز الحراسة البريطانية الرئيسي بالإسكندرية، والذي كان يجاوره معبد صغير لسيرابيس مكان نادي «محمد علي» ـ قصر ثقافة الإبداع حالياً ـ أكبر نوادي الإسكندرية أوائل القرن التاسع عشر، والذي كان الكاتب والروائي البريطاني أ.م. فورستر عضواً فيه، فقد كان نادي محمد علي ملتقى الجاليات الأجنبية وبالأخص اليونانية التي كانت تقطن المدينة.
يحمل شارع فؤاد روح العالم القديم التي يندر وجودها حالياً بالإسكندرية، فهو يتقاطع مع شارع النبي دانيال وهو نفس التقاطع الرئيسي لطرق المدينة القديمة والذي وضعه المهندس «دينوقراطيس» حيث قام بتخطيطها على النظام الشطرنجي الشائع في تخطيط المدن الإغريقية، ويعتمد ذلك النوع من التخطيط على مجموعة من الشوارع المتعامدة. وصفه الأسقف أخيلوس تاتيوس مؤلف رواية «كليتوفون ولوسيب» عام 400 م قائلا «أول شيء لاحظته بدخولي الإسكندرية من بوابة الشمس (بوابة رشيد) هو جمال المدينة، وقد ربط صف من الأعمدة بين طرفيها. وبالتقدم بين هذه الأعمدة، وصلت بمرور الوقت إلى الميدان الذي يحمل اسم الإسكندر، وهناك استطعت أن أرى النصف الآخر من المدينة، والذي كان على نفس الدرجة من الجمال. وبمجرد رؤيتي للأعمدة الممتدة أمامي، ظهرت أعمدة أخرى مكونة زوايا حادة مع الأعمدة السابقة» يزخر هذا الشارع بمحال الزهور بألوانها الجذابة من بينها محل «أوبافيون دي فلوريل» وعدد من البنوك التجارية التي اتخذت من الفيلات الأنيقة مقراً لها مثل البنك التجاري الدولي الذي كان قصر عائلة سرسق سابقاً. فقد كان شارع فؤاد الهادئ من أرقى المناطق السكنية، إذ كانت تقطنه أشهر العائلات وأكثرها ثراء من الشوام عائلة الكونت زُغيب وعائلة سرسق وعائلة أبو شنب، ومن اليونانيين بيانكي وسلفاجو ومن الإيطاليين لوتساتو، وأفرينو. تتميز معظم مباني شارع فؤاد بالطراز اليوناني الممزوج بالفن الايطالي المعماري (الفلورنسي) بعضها لا يزال نابضاً بالحياة، أما البعض الآخر فهو يعاني من آثار الدهر كما تعاني الإسكندرية الآن. ومن أهم معالمه دار الأوبرا الوحيدة بالإسكندرية، والتي قام ببنائها المهندس الفرنسي جورج بارك وعرفت لفترة طويلة بـ«تياترو محمد علي» وتغير اسمها الى مسرح سيد درويش عام 1962، والتي أقيمت بها عروض لأشهر الفنانين المصريين. كما يكتظ الشارع بالعديد من دور السينما لعل أشهرها بلازا ورويال والتي شيدها آل قرداحي اللبنانيون، وأمير وسينما ريو، والتي تسكن ناصية مميزة من شارع فؤاد، والتي كانت قبل ذلك مطعما للفول والفلافل خاصا لأحد الأتراك يدعى راغب. إن الترجل على أرصفة شارع فؤاد يجلب لك متعة خفية وإحساس بأنك تسير في بوابة عبر الزمن إلى القرون الماضية بذكرياتها الجميلة. ففي هذا الشارع سكن الشاعر اليوناني كفافيس، كما فرض الشارع نفسه في أحد أهم روايات الأدب العالمي وهي «رباعية الإسكندرية» التي كتب فصولها الروائي الانجليزي لورانس داريل حيث كان يعمل بالقرب منه، ونسج من وحيه أبطال الرباعية داريلي وبومباي وكليا الفنانة اليونانية التي كانت تقطن شارع فؤاد، أما جوستين ونسيم، وهما أيضاً من أبطال الرباعية فكانا يعيشان في بيت يقع خلف شارع فؤاد. هذه الشخصيات كان لها أصل واقعي في الحقيقية وكانوا يلتقون جميعا في صالة الشاي «بسترودس» لتناول الإفطار، أو احتساء مشروب ساخن ويتحدثون عن الحياة الصاخبة في الإسكندرية. وفي هذا الشارع شهدت إحدى صالات طوسون باشا أول عرض سينمائي في مصر في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1896. وتزداد حركة العمران في القرن العشرين وتبرز مجموعة عمارات «عاداه» وهو من التجار اليهود، وكان لهم أنشطة متعددة في الزراعة وأعمال البنوك بالإضافة إلى التجارة، وتتكون هذه المجموعة السكنية من ست وحدات متشابهة إلى حد ما أنشئت عام 1920 على يد المهندس اليهودي ناحمان. في إحدى هذه الوحدات كان هناك بنك عاداه وفرع لأحد اشهر المحلات الفرنسية «جاليري لافييت». لم يكن للمصريين وجود ملحوظ في شارع فؤاد، فقد كان الشارع ينتمي للحي اللاتيني الذي كان يعرف بحي التوفيقية، وتعود تسميته بهذا الاسم لأن الخديوي توفيق قد منح المهندس الايطالي فيلبو بيني مهمة تخطيط هذه المنطقة عام 1880. أنشأ المهندس «بيني» ثلاثة قصور ما زالت موجودة حتى الآن وهي حالياً مدرسة بلقيس ومديرية الصحة والمركز الثقافي الإسباني. وكانت متعة سيدات الحي اللاتيني التجول في شارع فؤاد مرتديات القبعات الأنيقة والوقوف أمام متاجر الأثاث والتحف والملابس والزينة والإكسسوارات،. اشتهر هذا الشارع بالحفلات والموسيقى والأضواء المبهرة التي كانت تنبعث من قصور الطبقة الأرستقراطية، وقد اختفت مظاهر الثراء من شارع فؤاد مع نهاية الستينات من القرن الماضي عندما هاجرت الجاليات الأجنبية، وتحولت القصور إلى مبان حكومية مما سلب الشارع رونقه وأصبح الناس يلهثون فيه لقضاء مصالحهم الحكومية. ووسط كل الزحام والضجيج الذي يغمر الشارع في ساعات الظهيرة؛ إلا أن فنجان شاي في صالة بسترودس يمكن أن ينسيك كل الهموم. اما صالة فينوس والتي ما زالت تقف عند تقاطع شارع فؤاد مع شارع النبي دانيال فكانت ملتقى الصفوة والزعماء حيث كان يجلس فؤاد سراج الدين باشا مع أصدقائه، كذلك مصطفى النحاس وأحمد ماهر وعلي باشا ماهر وإسماعيل صدقي وعبد الفتاح باشا الطويل. وحاليا يضم هذا الشارع المتحف القومي، الذي كان فيلا لتاجر الأخشاب اليوناني باسيلي، مبنيه على الطراز الإيطالي الحديث وقد ظل به حتى عام 1954 ثم باعه للسفارة الأميركية والتي ظلت به حتى اشتراه المجلس الأعلى للآثار في عام 1996، وهو يضم مجموعة رائعة من الآثار الغارقة التي تم انتشالها من مياه البحر المتوسط وبه مجموعة حوالي 1800 قطعة أثرية تشمل جميع العصور بدءاً من الدولة القديمة وحتى العصر الحديث وهو يكمل المجموعة التي يحتويها المتحف اليوناني. وفي نهاية شارع فؤاد تواجهك ساعة الزهور التي تدق ساعاتها بانتظام أمام حدائق الشلالات التي تضم بقايا آثار الإسكندرية الإسلامية مثل الأسوار القديمة وصهريج الشلالات المكون من ثلاثة طوابق ومقسم طولاً وعرضاً إلى خمسة أقسام بواسطة أعمدة جرانيتية مختلفة الطرز والأشكال..واستراحة قصيرة في هذه الحدائق تمنحك لمسة من الانتعاش والحيوية.