تباينات المعارضة اللبنانية تمنعها من الاتفاق على رؤية موحدة

TT

لم يبصر مشروع تنظيم المعارضة اللبنانية النور، كما كان متوقعا، بسبب عدم تمكن القوى الأساسية فيها من الوصول إلى صيغة موحدة تبلور اتجاها يمكن التوافق عليه، في ظل التململ الذي يبدو واضحا لدى بعض أطراف المعارضة حيال عدم المضي في انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، وفي ظل الحذر الذي تبديه أطراف أخرى حيال العلاقة مع أطراف أخرى .

وقد رفض الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي «تحديد مواعيد» لإنجاز الصيغة النهائية. لكنه قال أمس إن «المعارضة قطعت شوطا بعيدا في هذا الاتجاه وعقدت اجتماعات. واتفقنا على عدد كبير من النقاط وعلى الخطوط العريضة». مشيرا إلى انه «في آخر اجتماع عقد، اتفقنا على أن يعود كل واحد إلى فريقه ليطلعه على ما حدث ويأخذ موافقته. وهذا ما حصل اليوم (أمس). أطلعنا اللقاء الوطني على ما اتفقنا عليه وسمينا مندوبين ووافقنا على عدد من القرارات، أي أن الصيغة التنظيمية سائرة بطريقة جيدة».

لكن أوساطا أخرى في المعارضة استبعدت إنجاز المشروع «في وقت قريب» بسبب صعوبات عدة، أبرزها عدم التوصل إلى «رؤية موحدة» حول عدد كبير من القضايا. فالمعارضة التي ولدت منذ اقل من عامين لم تتفق إلا على شيء واحد حتى الآن، وهو مهاجمة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي اختلفوا بدورهم في توصيفها بين «اللاشرعية» و«لا ميثاقية» و«غير موجودة»، او «موجودة وغير شرعية» وغيرها كثير من التوصيفات التي تطلقها قيادات المعارضة كل يوم.

كان 6 فبراير (شباط) 2006 مفصليا في ما يتعلق بتشكيل «المعارضة اللبنانية». ففي ذلك اليوم تم إعلان «وثيقة التفاهم» بين «التيار الوطني الحر» الذي يقوده «المعارض العائد» آنذاك العماد ميشال عون و«حزب الله» بشخص أمينه العام السيد حسن نصر الله في لقاء تم في صالون كنيسة «مار مخايل». ومنذ ذلك التاريخ بدأت ملامح تحول سياسي كبير على الساحة اللبنانية. فالجنرال العائد من المنفى الباريسي بعد 15 عاما من الإبعاد القسري بدأ «يتغازل» مع الفريق الذي نزل إلى ساحة رياض الصلح في 8 مارس (آذار) 2005 ليقول «شكرا سورية» بعد صدور قرار الانسحاب من لبنان، علما أن هذه المظاهرة كانت السبب الرئيسي في المظاهرة الكبرى المقابلة التي حدثت بعد نحو أسبوع والتي أعطت فريق الأكثرية النيابية اسمه أي «14 آذار» وكان أنصار عون من المشاركين الرئيسيين فيها.

كانت الأشهر الـ11 التي فصلت بين الموعدين حاسمة في «إنتاج» المعارضة الجديدة التي ضمت فريق السلطة السابق وبعض المعارضة السابقة، فتصاعدت الأمور من مجرد «تفاهم» بين الحزب والتيار إلى تشكيل جبهة واسعة أطلقت على نفسها اسم «المعارضة الوطنية اللبنانية». وهي تضم الآن خليطا من القوى المتحالفة مع سورية في الشارعين الإسلامي والمسيحي، بالإضافة إلى عون الذي كان يعتبر احد ألد أعداء سورية ليصبح حاليا أقوى حليف لحلفائها. تتكون المعارضة اللبنانية حاليا من خليط يحمل في طياته الكثير من التناقضات، لكن يجمعه موقف واحد لجهة العداء للحكومة وبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولهذه الأسباب لم تتمكن المعارضة حتى الآن من بلورة برنامج موحد تقدم فيه رؤيتها للبنان الذي تريده إذا ما وصلت إلى الحكم. فإذا كانت «وثيقة التفاهم» قد جمعت «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، إلا أنها لم تجمع الأخير برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يردد دائما أن عون هو حليف «حزب الله» وليس حليفي. وقد حصلت سلسلة من المناكفات بين الطرفين مما أدى إلى تدخلات ووساطات لوصل ما انقطع بين الطرفين، خصوصا بعدما قال عون للنائب سعد الحريري ردا على مطالبة الأخير برئيس توافقي للبرلمان ردا على مطالبة عون برئيسين توافقيين للجمهورية ورئاسة الحكومة انه، أي عون، و«حزب الله» كفيلان بإطاحة بري إذا وافق الحريري على رئيس حكومة توافقي. وزاد الطين بلة أن بري تبنى نظرية المثالثة داخل الحكومة (بين رئيس الجمهورية والأكثرية والمعارضة) فيما رفضها عون بشدة مصرا على «الثلث زائدا واحدا».

أما النائب ميشال المر، فيبدو مترددا جدا في إكمال تحالفه مع عون. وهو يقاطع اجتماعات تكتل «التغيير والإصلاح» منذ نحو ثلاثة أسابيع، وذلك بعد كلام «واقف» أدلى به إزاء رفض عون المضي في انتخاب العماد سليمان الذي يرى المر أن من الخطأ الجسيم عدم انتخابه، وقد قبلت الأكثرية به رئيسا. ويتردد أن المر يحضر نفسه ليكون «نواة» الكتلة النيابية للرئيس الجديد. فيما يبدو حزب الطاشناق الارمني مستعدا للوقوف وراء المر بطبيعة الحال.