البط والطيور تخسر أمكنتها في المزارع الأميركية

ارتفاع الأسعار يدفع المزارعين إلى رفض صيانة الموارد الطبيعية

ارتفاع اسعار المواد الغذائية يدفع المزارعين إلى رفض الانضمام إلى برنامج «صيانة الموارد الطبيعية» (نيويورك تايمز)
TT

يستعيد آلاف المزارعين حقولهم من البرنامج الحكومي الأكبر لصيانة الموارد الطبيعية، والذي يقدم مدفوعات لهم مقابل عدم زراعة أراضيهم. ولكنهم يرفضون المدفوعات السنوية المضمونة، على أمل الاستفادة من ارتفاع أسعار القمح وفول الصويا والذرة وغير ذلك من المحاصيل. وفي الخريف الماضي، استعاد المزارعون العديد من الأفدنة الخاصة بهم، كما حدث في رود آيلاندز وديلوار. وحذرت جماعات البيئة والصيد من أن سنوات الازدهار ستذهب بلا عودة قريبا، لاسيما في منطقة المروج الطبيعية في الغرب الأوسط الأعلى، ولكن هناك مجموعة كبيرة من جماعات صناعة الخبز والدواجن والأطعمة السريعة والإيثانول والمواشي، تقول إن الحصاد أهم من الحفاظ على مواطن الطيور المائية والحياة البرية. وتريد هذه الجماعات من الحكومة تخفيف القيود المفروضة على المحميات، مما سيشجع المزيد من المزارعين على التفكير فيما وراء صيانة الموارد الطبيعية. ويقول كيري دوكتر، وهو يمتلك مزرعة في دنهوف، ولديه نحو 450 فدانا من الحشائش في البرنامج: «عندما بدأ تطبيق هذا البرنامج، كان الأمر جيدا. ولكن الوقت تغير تماما. إن مدفوعات الحكومة لم تعد تقارن بما يمكن الحصول عليه من زراعة الأرض»، وهو ينوي تخصيص بعضٍ من مساحة أرضه لزراعة علف الماشية وبعضها للرعي. وربما يؤجر بعضا من أرضه للمزارعين. وكانت مشكلة الأرض الزراعية لعدة سنوات، أنه كان هناك الكثير منها، مما تسبب في انخفاض الأسعار لمصلحة المستهلكين، وألحق الضرر بالمزارعين. والآن وبسبب نمو الطبقة المتوسطة على مستوى العالم، بالإضافة إلى القوانين الفيدرالية بتحويل كميات كبيرة من الذرة إلى وقود الإيثانول، فإن أسعار الطعام بدأت بالارتفاع غير المسبوق. وبدأ الطلب غير المسبوق على الأرض الزراعية، وهو الوضع الذي يهدد بتغيير الأوضاع القديمة إلى أخرى جديدة، ويفرض ضغوطاً على وزارة الزراعة التي تواجه الضغوط من كل الجوانب، دون القدرة على إرضاء أيٍّ منها. وبعد أن بدأ برنامج صيانة الموارد الطبيعية منذ نحو 25 عاما في وقت تميز بالوفرة الاقتصادية، فإنه الآن يعاني من التحول إلى مرحلة نقص التمويل. وأهم ما حققه هذا البرنامج في خضم هذه المعركة، هو المحافظة على 35 مليون فدان (تشكل نحو 8 في المائة من الأرض الزراعية في البلاد). وترغب جماعات مثل «داكس أنليمتد» و«فيزنت فور إيفر» من الحكومة رفع معدلات الإيجار للمحافظة على مساحة الأرض التي يغطيها البرنامج أو زيادتها. وعلى الرغم من أن دفع المزيد من الأموال إلى المزارعين قد يكون أمرا صعبا في ظل الارتفاع غير المسبوق للأرباح الزراعية، فإن جيم رينجلمن من «داكس أنليمتد» يقول: «هناك أمور بيئية مهمة تتعلق بهذا الموضوع».

لكن أصحاب المخابز وحلفاءهم يرون أمورا أهمّ من ذلك، مثل: ارتفاع أسعار السلع. وكذلك فإن ارتفاع تكاليف العلف يضر بأصحاب المزارع. كما أن الأسعار المرتفعة للذرة تضر بمنتجي الإيثانول، وارتفاع أسعار القمح يضر بأصحاب المخابز. ويتساءل جاي آر باتيراكس، وهو صاحب مخبز بالتيمور، والذي أفاد بأنه شعر بالإحباط في الاجتماع الذي عقد، الشهر الماضي، مع إدوارد شيفر سكرتير وزارة الزراعة حتى إنه وقف وبدأ بالتحدث «بعنف»: «إننا في أزمة. هل نريد أن نأكل؟ أم أننا نريد أن نخشى على الطيور؟».

وينتج مخبز باتيراكس نحو مليون رغيف من الخبز الأسمر كل أسبوع.

وأفاد صاحبه بأنه لا يستطيع العثور على دقيق الخبز الأسمر الذي يحتاج إليه بأيِّ ثمن. ومن شأن ذلك ألا يبقي له سوى خيارين؛ إما أن يوقف نصف نشاطه، وإما يخلط دقيق الخبز الأسمر بغيره من أنواع الدقيق، مما سيتسبب في انخفاض جودة الخبز الذي ينتجه. وعند بدء برنامج صيانة الموارد الطبيعية كجزء من مشروع قانون المزارع عام 1985، لم يتم التفكير في مثل هذه المشكلات. وكان المشاركون يتقدمون بطلبات لإدراج أراضيهم في البرنامج أثناء فترات خاصة يجري خلالها تقديم الطلبات، حيث تختار الحكومة أكثر الأراضي عرضة للخطر من الناحية البيئية. وبلغ متوسط المدفوعات السنوية نحو 51 دولارا للفدان. وتسري العقود لمدة عشر سنوات على الأقل. ومن المستحيل تقريباً فسخها.

ويقول ديل شولار الذي يزرع القمح في فورت بنتون بمونت: «يدرج المزارعون كبار السن أراضيهم في البرنامج بدلا من تأجيرها إلى المزارعين الشباب أو بيعها». وجعل ذلك الأمر صعبا على المزارعين الذين أرادوا التوسع، وكذلك على تجار الآلات الزراعية، والمشتغلين بالتوريد وغير ذلك من الخدمات التي عانت من انحسار سوق الأعمال. ويضيف شولار: «من المؤكد أنه كان هناك انقسام كبير بشأن هذا الأمر. فنصف الأفراد كانوا يرغبون فيه ونصفهم الآخر لم يكونوا راغبين».

وفي الوقت الذي لم يسمع فيه الكثير من السكان بأمر هذا البرنامج، فقد وجد دعما من شريحتين مهمتين؛ وجد الصيادون المزيد من الأراضي للبحث فيها والوصول إلى الحياة البرية التي يبحثون عنها. وقدّرت وزارة الزراعة ازدياد عدد البط وحده بنحو مليونين، وكذلك كان أنصارُ البيئة مسرورين أيضاً. ولا ينكر أحد أن هناك فوائدَ بيئية حقيقية من البرنامج، لاسيما فيما يتعلق بالأراضي المعرضة لعوامل التعرية. وبلغ البرنامج ذروته في الصيف المنصرم، حيث حصل أكثر من 400 ألف مزارع على ما يقرب من 1.8 مليار دولار في مقابل عدم زراعة 36.8 مليون فدان. وإذا ما وضعنا هذه المساحة على الخريطة، فإنها ستكون أكبر من حجم ولاية نيويورك. والجماعة التي تبذل قصارى جهدها لإعاقة هذا البرنامج هي جماعة المزارعين أنفسهم. ففي الخريف الماضي، عندما حلّ موعد تجديد عقود نحو خمسة ملايين فدان يشملها البرنامج، وقع نصف عدد المزارعين فقط العقود الخاصة بهم. وعلى الرغم من أن البرنامج قد شمل بعض الأراضي التي لها أولوية قصوى خلال الأشهر القليلة الماضية، كجزء من مبادرة للمحافظة على مواطن طائر السمان، فإن إجمالي الخسارة ما زال أكثر من مليوني فدان. وتحذر «داكس أنليمتد»، وهي جماعة قوية بها أكثر من نصف مليون من الأعضاء في الولايات المتحدة من أن ما حدث هو مجرد بداية فقط. وتهتم «داكس أنليمتد» بثلاثة أرباع مليون فدان من الحشائش التي تم إخراجها من البرنامج خلال العام الماضي فيما يسمى بمصنع البط في الغرب الأوسط الأعلى. ويقول رينجلمن، وهو مدير في الجماعة: «نحن نتوقع انخفاضاً هائلاً».

ويوضح أرديل ماجنسون، وهو مزارع من روسو بولاية مينيسوتا، ما حدث من تغيير. فقد قال إن هذا البرنامج كان «نعمة من الله» عندما أدرج 300 فدان من أرضه التي تبلغ مساحتها 2300 فدان في هذا البرنامج منذ ثمانية أعوام. ويقول ماجنسون: «أريد بعض الدخل المضمون وإلا سيطلب مني البنك العثور على وظيفة أخرى»، وهو لا يملك منجم ذهب على وجه التحديد: إنه يحصل على 12 ألف دولار كل عام. وهو يعتقد أنه يستطيع الحصول على أكثر من ذلك إذا قام بزراعة دوّار الشمس أو القمح أو فول الصويا. وعندما ينتهي العقد الخاص به خلال سنتين، فإنه ينوي استعادة نحو نصف أرضه من البرنامج. ولن تكون مفاجأة بالنسبة إليه إذا أوقفت وزارة الزراعة دعمها له في وقت أقرب من ذلك. وهو يقول: «بعد تسعة أشهر أخرى من سريان أسعار القمح على ما هي عليه الآن، سوف يكون هناك ضغط سياسي على هذا البرنامج لم تره من قبل».

* خدمة «نيويورك تايمز»