ألمانيا تبحث عن «مسطرة» لقياس درجة اندماج الأجانب

بعد فشل سياسة «الاندماج» المعتمدة

مهاجرة توضح سياسة الاندماج في المجتمعات الغربية (د ب أ)
TT

اعترفت بلجيكا قبل عام من الآن رسميا بفشل سياسة الاندماج التي تبعتها لدمج الأجانب المقيمين فيها في المجتمع البلجيكي، لكن الصورة تبدو مختلفة في ألمانيا. وتبحث وزارة الداخلية الاتحادية ببرلين عن أسباب تلكؤ عملية الاندماج في موقف الأجانب أنفسهم بدلا من الاعتراف بفشل السياسة التي تنتهجها الحكومة القائمة.

فالحكومة الألمانية، حسب تعبير رئيس الجالية التركية الدكتور حقي كسكين، تفهم الاندماج على أنه تطبع الأجانب بالثقافة الألمانية، بدون أن تنظر إلى الاندماج كعملية متبادلة فيها أخذ وعطاء. بمعنى أن على الأتراك مثلا، الذين يمثلون غالبية الأجانب المقيمين في ألمانيا، أن يتحلوا بالأخلاق والثقافة الألمانية كي يندمجوا في المجتمع، وعلى الالمان ان يرضوا بشراء «الدونر كباب»، أو الشاورمة التركية، تعبيرا عن تقبلهم لعملية الاندماج.

وفي حين تعتقد الصحف الألمانية أن مفهوم الاندماج لم يحل بنجاح محل «مجتمع الثقافات المتعددة» التي ترفضها الأحزاب المعارضة، تبحث حكومات الولايات عن طريقة تقيم بها مستوى اندماج الأجانب في كل ولاية. ويخصص وزراء داخلية الولايات اجتماعهم الدوري المقبل لمناقشة نظام قياسي معين يقوم بمهمة تقييم مدى اندماج الأجانب في المجتمع. وفيما تتحدث الصحافة عن مشاكل اللغة و«المجتمع الظل»، والتطرف الديني كأسباب تحول دون تطبيق منهج الاندماج، يحاول وزراء داخلية الولايات الاتفاق على نظام «رصد الاندماج» عبر منح مجموعة من النقاط لكل دليل على الاندماج أو عدمه. وينتظر أن يدرس الاجتماع الدوري لوزراء الداخلية، الذي يقوده وزير الداخلية الاتحادي فولفغانغ شويبلة، نتائج القمة الإسلامية التي تستضيفها المستشارة انجيلا ميركل مع ممثلي الجالية المسلمة في ألمانيا. كما ستطرح اندريا بوهمة، مفوضة الاندماج في البرلمان الألماني، النتائج التي تحققت على صعيد الاندماج جلال فترة حكم المستشارة المحافظة ميركل.

وشكلت الولايات لجنة مشتركة، ترأستها ولايتا الراين الشمالي فيستفاليا وبرلين، بهدف وضع تعريف موحد لعملية الاندماج، وتحديد الأسباب الأساسية للهجرة واللجوء، ودراسة تاريخ الهجرة إلى ألمانيا، ووضع معايير موحدة لقياس مدى اندماج الأجانب في المجتمع.

وفسر آرمين لاشيت، وزير الاندماج من ولاية الراين الشمالي، الماء بعد جهد بالماء. وقال لاشيت للصحافة إن ألمانيا تفتقد للمعطيات الأساسية حول تاريخ الهجرة إليها، وأن البحوث الأساسية تثبت أن الأمر يتعلق بمدى انفتاح الألمان على الأجانب أكثر مما يتعلق بسياساتهم واستراتيجياتهم لدمج الأجانب. وأضاف «ربما لم ننجح كثيرا بالتعبير عن ترحيبنا بمجيء الأجانب، فكانت رسالتنا لهم هي: إذا غادرتم فلكم مكافأة منا».

وتبحث اللجنة التحضيرية في الكشف عن أسباب الاندماج ووضع علامات لكل سبب يمكن من خلالها تقييم عملية الاندماج. وستجيب اللجنة على الأسئلة التالية: من يندمج أفضل من غيره ولماذا، ما مدى تأثير ولادة الأجنبي في ألمانيا على عملية اندماجه، ما هو دور العمل والدراسة والتأهيل المهني في زيادة فرص الاندماج، هل هناك فرق بين فرص دمج الشباب عن فرص دمج المسنين... إلخ. وعبر لاشيت عن قناعته بأن عملية الاندماج لا تبدأ بمنح الجنسية للأجنبي، لأن من الصعب على الأجنبي الانقطاع عن ثقافته الأصلية.

وتذكر هذه العملية بكاتالوج الأسئلة التي وضعتها بعض الولايات الألمانية والتي تقدر من خلال إجابة الأجنبي عليها مدى صلاحيته لنيل الجنسية الألمانية. وكمثل فقد أعدت ولاية بادن فورتمبيرغ 100 سؤال، عدا عن امتحان اللغة والتاريخ، يتوجب على المتقدم لنيل الجنسية الإجابة عليها. وبين الأسئلة: هل يجبر الأب ابنته على لبس الحجاب؟ إذا سمع عن نشاط إرهابي فهل يبلغ عنه أم لا؟ ما موقف الأب من القتل غسلا للعار. إلخ. ووصف بعض نواب البرلمان الاشتراكيين امتحان اللغة والتاريخ بالمعقد الذي قد يفشل فيه معظم الألمان أنفسهم.

في هذه الأثناء نشرت صحيفة «دي فيلت» الواسعة الانتشار مقالا ذكرت فيه أن الحكومة التركية انتقدت سياسة الحكومة الألمانية تجاه الأجانب بشدة. وذكرت الصحيفة أن تقريرا للجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي، التي لم تتردد يوما في نقد حكومة رجب طيب اردوغان، وصفت سياسة الاندماج الألماني بالمتعارضة مع لائحة حقوق الإنسان الأوروبية. وجاء في التقرير، الذي لم تنشره الحكومة التركية بعد، أن العداء للأجانب و«التبريرات» للأعمال الوحشية التي ترتكب بحق الأجانب تجد تفهما من قبل المجتمع الألماني إلا أن الحكومة تتغافل عن هذه الحقائق. ولا تعمل السياسة الألمانية على مكافحة العداء للأجانب في ألمانيا وإنما تستثمره في حملاتها الانتخابية. وقالت خالدة انجيكارا، نائبة رئيسة اللجنة، لصحيفة «دي فيلت»ان الألمان لا يفرقون بين الأتراك من الجيل الأول والثاني، في حين أن الأخيرين قد اندمجوا جيدا في المجتمع الألماني. وأضافت «الحضارة لا تعني تحديد الأجنبي».