إيطاليا: برلسكوني على وشك العودة للحكومة ومنافسه فلتروني يستعير شعار حملة أوباما

اختتام الحملات الانتخابية بهجمات كلامية عنيفة

ملصقات الدعاية الانتخابية في روما أمس (رويترز)
TT

يأمل سيلفو برلسكوني امبراطور الاعمال الذي يضع منظما لضربات القلب ويبلغ من العمر 71 عاما في العودة الى قمة السياسة الايطالية مجددا ممثلا عن اليمين، بينما استعار خصمه اليساري فالتر فلتروني، 52 عاما، عمدة روما السابق شعار باراك اوباما في اميركا «نعم يمكننا» في حملته الانتخابية حتى لقى دعما من الممثل الشهير جورج كلوني الموجود في ايطاليا للدعاية لفيلم جديد له اذ قال انه مثل اوباما يمكنه ان يجمع الناس. واختتم الاثنان مساء امس حملتهما الانتخابية قبل الاقتراع الذي سيجرى يومي الاحد والاثنين بعد تراشق عنيف، اذ قال برلسكوني زعيم حزب «شعب الحرية» خلال مهرجانه الاخير مساء أول من امس ان فلتروني «كذاب محترف نظم حملة تقوم على الاكاذيب» والحزب الديمقراطي الذي يقوده «ليس سوى وجه جديد للحزب الشيوعي الايطالي».

ورد عليه فلتروني صباح أمس على قناة «راي» الاخبارية بقوله ان برلسكوني لم يظهر بانه «رجل دولة». وقالت وكالة الصحافة الفرنسية ان الهجمات الكلامية العنيفة التي اطلقها برلسكوني على خصمه الذي رفض الرد عليها، سجلت انتهاء حملة انتخابية وصفت بانها الاكثر مللا منذ سنوات والتي لم تتطرق الى مواضيع جوهرية اقتصادية واجتماعية.

وكان اخر استطلاعات للرأي نشرت قبل 15 يوما ان يحقق حزبه «شعب الحرية» تقدما بست او سبع نقاط على الحزب الديمقراطي، دعا برلسكوني الى التصويت له بكثافة للحصول على غالبية في مجلس الشيوخ لممارسة السلطة بدون اية قيود، لكن فلتروني يقول انه مقتنع بان مشروعا سياسيا جديدا لم يراه الايطاليون منذ 15 عاما هو القادر على الحصول على اصواتهم وذلك في اشارة الى الحزب الذي يقوده.

وكتبت صحيفة «لا ستامبا» أمس ان «الحملة الانتخابية تنتهي مع توقع تعادل نتائج المرشحين وهو امر نادرا ما يحصل في المعترك السياسي». من جهتها قالت «لا ريبوبليكا» انه «اذا تبينت صحة توقعات استطلاعات الرأي سيتمكن برلسكوني من الاعتماد على غالبية في مجلس النواب لكن الغموض ما زال يلف حجم الغالبية التي قد يحظى بها في مجلس الشيوخ لا بل من الممكن الا يحظى بأية غالبية في مجلس الشيوخ».

وخاض برلسكوني حملته بالنبرة الشعبوية التي يعتمدها منذ دخوله المعترك السياسي فركز بصورة خاصة على نقاط ضعف خصومه اليساريين منددا بانقساماتهم وبالوعود التي قطعوها بتحريك عجلة الاقتصاد بدون ان تتحقق. وفي ما يتعلق بمحاولة شركة اير فرانس ـ كاي ال ام لشراء اليطاليا، لم يتردد برلسكوني المعروف بتأييده الليبرالية المطلقة في الاقتصاد، في تحريك المشاعر الوطنية، مؤكدا انه سيعمد فور انتخابه الى تشكيل كونسورسيوم من المقاولين الايطاليين للحفاظ على الطابع الوطني للشركة. وفي حال فوزه، سيتولى برلسكوني للمرة الثالثة رئاسة الوزراء في بلد يواجه وضعا اقتصاديا صعبا اضافة الى تباطؤ في وتيرة النمو وازمة النفايات في نابولي وضرورة تصحيح وضع شركة اليطاليا.

واشار برلسكوني خلال تجمع انتخابي في روما الى «كافة الكوارث التي تواجهها ايطاليا ويجب تسويتها»، لكن المفارقة بالنسبة الى الحملة الانتخابية في ابريل 2006 هي انه لم يتردد في التطرق الى «القرارات الصعبة وغير الشعبية» التي سيضطر الى اتخاذها في حال وصوله الى السلطة. وقال مخرج الافلام السينمائية ناني موريتي الجمعة على موقع مجلة «مايكروميغا» الالكتروني «لا احب عبارة او مفهوم (التصويت المفيد)، لكن الحزب الديمقراطي قد يكون الفرصة الاخيرة لانقاذ ايطاليا نهائيا من تطرف برلسكوني وبوسي» زعيم رابطة الشمال (شعبوي). ومع ذلك فان برلسكوني في حملته الحالية اصبح اكثر اعتدالا من الشخصية التي دخلت المعترك السياسي بقوة في 1993. وكان برلسكوني يصف قبل عامين فقط الناخبين الايطاليين الذين يصوتون لليسار بانهم «اغبياء» ويشجع مواطنيه على قراءة «الكتاب الاسود الصغير عن الشيوعية» ليكتشفوا انه «في الصين في عهد ماو تسي تونغ لم يعمدوا الى اكل الاطفال بل الى غليهم لاستخدامهم اسمدة في حقول الزراعة». وتساءل مؤخرا كاتب الافتتاحية في صحيفة «ال سولي 24 اوريه» الخاصة باوساط الاعمال «مع اقتراب استحقاق 13 ابريل (نيسان) يبقى سؤال من دون جواب هل يريد سيلفيو برلسكوني فعلا تولي رئاسة الحكومة الايطالية مجددا؟». واضاف «وفقا لما يقول ويفعل لدينا شكوك». ومضى يقول انه «صدم لتصريحات برلسكوني» الذي قال منذ ايام ان «الذين يؤكدون انني اصبحت مسنا لقيادة دولة عصرية قد يكونون على حق». ويحتفل برلسكوني صاحب الامبراطورية التلفزيونية «ميدياسيت» التي تدخل قنواتها الثلاث اليوم منازل جميع الايطاليين، بعيد ميلاده الـ72 في سبتمبر. ويدرك برلسكوني ان على حكومته، في حال حقق الفوز، ان تتخذ تدابير «غير شعبية»، واقر خلال حملته «في حال فزنا علينا القيام بالكثير من الامور بما في ذلك امور لن تنال رضا المجتمع»، مشيرا الى المشاكل العديدة التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع في ايطاليا.

واضافة الى صورة ايطاليا التي تراجعت في الخارج، اختتم الاقتصاد الايطالي عام 2007 بنتائج سلبية مقارنة مع الدول الاوروبية الاخرى مع نمو قدره 5،1% وتوقعات نمو لعام 2008 بنسبة 6،0%.

وقال برلسكوني بلهجة متواضعة لم نعهدها من قبل، لدى تقديم برنامجه الانتخابي في نهاية فبراير «لا نعلم كيف ولا يمكننا تحقيق المعجزات»، مضيفا انه «من الصعب اعطاء آمال نظرا الى وضع الاقتصاد العالمي». واكد «لا احب السياسة واتساءل لماذا امارسها، لكنني ادركت انه ما من خيار اخر للحفاظ على وحدة اليمين». وقال حليفه السابق بيير فرديناندو كازيني رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي لصحيفة «فايننشال تايمز»: «قد نخسر خمس سنوات اضافية» في حال فاز برلسكوني في الانتخابات التشريعية. واضاف كازيني الذي يصغر برلسكوني بعشرين عاما «ان بعض عيوبه تفاقمت على مر السنوات»، مشيرا الى ان «برلسكوني لا يتحسن بل يزداد سوءا كلما تقدم في السن». في الثانية والخمسين من العمر، يعد فلتروني سياسيا محنكا تحول في التسعينات، شأنه شأن كثيرين، من الشيوعية الى الاصلاحية. ويؤكد انه تأثر بالنهج السياسي للرئيس الاميركي الراحل جون كيندي وللرئيس السابق للحزب الشيوعي الايطالي انريكو برلينغر الذي نأى بنفسه عن مواقف الاتحاد السوفياتي. وفلتروني سياسي قديم انضم في سبعينات القرن الماضي الى الشبيبة الشيوعية وواكب كافة تقلبات اليسار الايطالي حتى انشاء الحزب الديمقراطي في الخريف الماضي وتوليه قيادته، وفلتروني صحافي سابق في صحيفة «لونيتا» (الوحدة) الناطقة سابقا بلسان الحزب الشيوعي الايطالي، انتخب نائبا في 1987 واعيد انتخابه في 1992 ثم انتخب وزيرا للثقافة ونائبا لرئيس الوزراء لاول حكومة ترأسها رومانو برودي بين عامي 1996 و1998 ثم نائبا في البرلمان الاوروبي (1999-2004).

وهو عاشق للسينما وانشأ مهرجانا معروفا للسينما في روما. ويحرص هذا «المثقف اليساري» على التكتم بشأن حياته الخاصة مع زوجته وابنتيهما وهو ما قد يعطي شعورا خصوصا مع مظهره الجاد والعابس، بانه مثير للضجر، وفلتروني صاحب عدة كتب بينها روايتان ولم يستبعد تخصيص وقت اكبر للكتابة ولتطبيق مشاريع تنموية في افريقيا. وبعد تجربة برودي السلبية، رفض فلتروني اي تحالف مع اليسار المتطرف والوسط، لكنه تفاوض مع حزبين ايطاليين صغيرين هما حزب «ايطاليا القيم» للقاضي السابق الذي كلف عملية «الايدي النظيفة» انطونيو دي بيترو والحزب الراديكالي رأس حربة المعركة العلمانية.

والتفاوض مع الحزب الراديكالي اثار استياء الكنيسة الكاثوليكية التي حرص فلتروني دائما على مراعاتها، اذ انه يعلم مخاطر تولي زمام السلطة في ايطاليا من دون رضا الفاتيكان.