في أولى فعاليات نادي الأحساء الأدبي

TT

وضع المهندس المعماري مشاري النعيم اطمئنان حضور أمسية ثقافية في «أدبي الأحساء» إلى تطور وحداثة المدينة العربية أمام ارتباك واضح في فهمهم للمدينة التي تتسابق يوما بعد يوم نحو الحديد والزجاج والاسمنت، وجعلهم يشككون في فهمهم فيما يرونه من التنافس المحموم من تشييد ناطحات السحاب والمباني التي تتطاول باستمرار، مستبدلا «المدينة الفاضلة» بـ«المدينة المتوحشة»، الأمر الذي جعل أحد المداخلين حول الأمسية يطرح تساؤلا: هل الحنين إلى الماضي شيء واجب؟ هذا السؤال الذي أعاد المحاضرة إلى حيويتها بعد أن قرب وقتها من نهايته. كان ذلك في أمسية «سرد المدن» التي أقامها نادي الأحساء الأدبي في 8 ابريل (نيسان) الجاري، التي شارك بها الناقد الدكتور سعد البازعي والمعماري الدكتور مشاري النعيم، وفي الوقت الذي تناول فيه النعيم «توحّش المدينة» وتخلي أبنائها عن ماضيها، تناول البازعي في ورقته الحنين للمدينة الذي يقيم فيه الإنسان، معتمدا في قراءته لرواية «البحريات» للكاتبة السعودية أميمة الخميس.

وقد بدا واضحا الشعور بالفرح على وجوه أعضاء مجلس نادي الأحساء الأدبي، وكذلك بين حضور الأمسية من مثقفي وأدباء الأحساء، بمناسبة بدء الفعاليات التي استهلها «النادي الفتي»، وقد كان الفرح أكثر ظهورا في كلمة ترحيبية لرئيس النادي عبد الرحمن الملا، بالحضور وبالضيفين. وتساءل الناقد محمد الحرز عند إدارته للمحاضرة: لماذا سرد المدن؟ مجيبا: «يمكن القول ان المدينة لم تعد هي المدينة، ولا الثقافة هي الثقافة، ولا الحياة كذلك هي الحياة. وكأن شيئا انكسر ولم يعد قادرا على الالتئام»، مضيفا: «لا شيء يوقف الطوفان أمام تفتت المدن وذوبانها، أمام تصلب الذاكرة وتجلط التاريخ، حتى أصبحنا نشك أن فكرة المدينة ذاتها قد تحولت إلى مجرد وهم وسراب، وبفعل ثقافة معاصرة أنتجتها خطابات العولمة اُنتهك فضاءُ المدينة واستُبيح مجالُها».

مختتما تقديمه للمحاضرة الذي شاركته في إدارتها الكاتبة مليحة الشهاب، أن: «الحنين المقدس تجد أبرز مظاهره في كون الثقافة لا تنفصل عن الهوية، فعلى سبيل المثال ترى شريحة واسعة من المجتمع بمن فيهم الكاتب والمثقف والمبدع والناقد بأنهم ليسوا سوى نتاج هذا الحنين المقدس والذي هو الأرض، متناسين تماما أن الفرد حين يمارس الكتابة والتفكير والتأمل والتذوق والفن فهو بالضرورة ينتمي إلى منطقة أخرى، ينتمي إلى الثقافة وحدها والثقافة لا لون لها ولا طعم أو رائحة أو حدود جغرافية، فالثقافة هي الثقافة تتجاوز الحدود ولا تركن إلى هوية، لذلك كان محور سرد المدن رهاننا الأكبر على تصحيح هذا الخلط بين الثقافة والهوية.

وقال النعيم في ورقته: «أتوقف كثيرا عند كلمة «عتبة» كمصطلح يصنع الكثير من الجدل داخلي ويجعلني أرى كل ما حولي ممتلئاً بالحدود. وأن المدينة كمجموعة من العتبات أو مجموعة من الفواصل، خطوط حمراء توزع المدينة ذهنياً إلى «كنتونات» بشرية وفيزيائية لا يمكن وضع حدود مرئية لها»، معتقدا: «أن فهم هذه الحدود هو فهم لثقافة المدينة الأمر الذي يمكننا من السيطرة عليها وتحويلها إلى بيئة قابلة للحياة». ويستخدم النعيم تعبير: «سرطان السوق»، و«توحّش المدينة» في تناوله لتحول ذاكرة المدينة إلى ذاكرة تجارية، حيث: «لم يبق من المدينة القديمة داخل السوق إلا دكاكين متناثرة في كل مكان، وأن مدننا أصبحت سوقا كبيرا تظل مدن «مبان وشوارع»، وكيف أنها أصبحت لها نظرة وظيفية بحتة ترى في المدينة مجرد مكان للعمل وليس مكانا للحياة. ويذهب النعيم في ورقته إلى أن: «ثمة تغيراً جوهرياً في طبيعة المدينة العربية، وثمة إسرافاً كبيراً في بناء ناطحات السحاب والأبراج العالية، هناك اعتداء على روحية المدن وعبقها التاريخي.

اعتداء معماري واعتداء في الأسماء، ومحاولات لتهميش الهوية لصالح المد التقني المادي.