الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ زيارة السادات للأقصى والأماكن المقدسة كانت كابوساً بالنسبة لقوات الأمن الإسرائيلية

السفير في تل أبيب يتبارى ويقدم رؤية ثانية بعد 24 ساعة من تقييم زميله بالقاهرة * القواسمة : 80% من سكان الضفة يريدون إعطاء الزيارة فرصة والفلسطينيون بلا بديل إذا تركوا معسكر المنظمة * نبضها بين الفلسطينيين

بعد عام السادات وبيغن في أميركا.. هل هي ثمار المبادرة؟
TT

القنصل البريطاني: الزيارة قسمت الفلسطينيين على أنفسهم بصورة غير مسبوقة

* وثيقة رقم : 108 ـ التاريخ: 25 نوفمبر 1977 ـ من: هنّام، القنصلية، القدس.

الى: الخارجية لندن، سري للغاية وعاجل.

الموضوع: رد فعل الضفة الغربية تجاه الزيارة

* 1/ امتلكنا الفرصة الآن لمناقشة الزيارة مع عمدة الخليل وعمدة بيت حالهيم وتلمسنا الرأي العام في نابلس وأمكنة أخرى.

2/ القواسمة (عمدة الخليل) من بين أولئك الذين انتخبوا العام الماضي من قائمة منظمة التحرير الفلسطينية، وبالرغم من هذا اتخذ خطا براغماتيا قائلا إن الحكم على زيارة السادات وجب أن يكون بما تحققه من نتائج. أهل الضفة الغربية يواصلون نظرتهم لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثلهم بقدر ما تعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية. والقواسمة لم يوافق على قوة ونبرة النقد الموجه من سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية للزيارة، وأعرب عن عدم اتفاقه مع الخط المتشدد للعمد الموالين لمنظمة التحرير الفلسطينية في نابلس ورام الله وهم يواصلون نقدهم للزيارة.

3/ فريجي (عمدة بيت لحم) ظل باستمرار مساندا للزيارة شأنه في ذلك شأن المعتدلين الآخرين بالضفة الغربية، وقال إن 80% من سكان الضفة الغربية على استعداد لأن يعطوا الزيارة فرصة. وما قاله يتوافق مع قياساتنا للرأي العام بما في ذلك نابلس، حيث يشكل خط الموالاة لمنظمة التحرير الفلسطينية أقلية صغيرة.

4/ فريجي كان من بين وجهاء الضفة الغربية الذين استقبلهم السادات يوم 20 نوفمبر. (الوفد كان بتمثيل واسع وضم المعتدلين والموالين لمنظمة التحرير الفلسطينية بأكثر مما قدمته تقارير إسرائيل)، وقد أحاط فريجي السادات برفضهم للمعارضة العربية لزيارته، ولم يضف السادات شيئا لتصريحاته العامة فيما أوردت صحف اليوم أن وفدا من الضفة الغربية قد تلقى دعوة للذهاب للقاهرة لإجراء محادثات وأن إسرائيل قد صدقت على ذلك.

5 تقييمي أن عمد الضفة الغربية منقسمون على أنفسهم حول هذه القضية بصورة غير مسبوقة فيما لم توجد هناك أي سابقة لقياس الرأي الشعبي الخارج عن خط منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن سيكون من الخطأ القفز الى الاستنتاج بأن الضفة الغربية على وشك أن تغادر معسكر منظمة التحرير الفلسطينية، وكما قال القواسمة فليس لديهم بديل مقبول يتجهون إليه إذا تركوا معسكر منظمة التحرير الفلسطينية.

* توقيع : هنّام ـ القنصلية ـ القدس.

* وثيقة رقم:77/298

* التاريخ: 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1977

* من: جيه. سي. ماسون، السفير البريطاني في تل أبيب ـ إلى: وزير الدولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث، الخارجية، لندن، سري للغاية

* الموضوع: زيارة السادات للقدس

* سيدي: «ستندهش إسرائيل إذا سمعتني أقول الآن أمامكم بأني على استعداد بالذهاب إليهم، والى الكنيست نفسه وأتحدث إليهم»..

1 ـ كلمات قليلة خرجت من خطاب السادات أمام مجلس الشعب يوم 9 نوفمبر، وضعت البداية لسلسلة من ردود الفعل التي قادت إلى انفجار صاعق من المودة والنوايا الحسنة في إسرائيل بعد أقل من أسبوعين لاحقين. وفي كتابتي لتقرير عن هذه الأحداث التاريخية يكون من الصعب بمكان أن أتحاشى الكليشيهات أو الصيغ والأفكار الساذجة، فلا أحد إلى الآن يعرف بعد ما ستكون عليه الآثار. ولكن الحقيقة الباقية لدى معظم الذين حيوا الرئيس السادات مساء 19 نوفمبر 1977 بمطار بن غوريون، بمن فيهم وبالتأكيد شخصي، هي أن تلك المناسبة هي الوحيدة الأكثر تفردا تاريخيا بين جميع المناسبات التي حضروها بالمطلق.

لماذا جاء؟

2 ـ الأمر يعود بدءاً لسفير جلالة الملكة بالقاهرة ليقيم دوافع الرئيس السادات، ولكن المقياس لإنجازه هنا هو أن معظم الإسرائيليين سيتقبلون الآن توضيحه الخاص والصريح المقترب كثيرا من الحقيقة، رغم أنهم يضيفون، وفي هذا هم محقون بالتأكيد، أنه لا بد أن يكون قد حمل في ذهنه أثر زيارته على العالم، وخاصة الرأي العام الأميركي، والذي يبدو واضحا هنا أن المبادرة هي من فكرة السادات والسادات وحده. وقد أخبرني مناحيم بيغن أنها تعود إليه، وقد أوحت زيارات السادات لرومانيا في الصيف الأخير للرئيس تشاوسيسكو لترتيب اجتماع بين السادات وبيغن في رومانيا، ولكن من الصعب التصديق أو التصور بأن أي طرف خارجي يمكن أن يغامر بأن يقترح على الرئيس السادات زيارة إسرائيل. ولكن، وإذا كانت المبادرة تعود للسادات، فيمكن أن نتصور أن تجاوب بيغن معها يمكن أن يكون (لا) و(نعم)، مثلما وبلا شك، يمكن أن يكون تجاوب رابين (نعم) و (لكن). وأرفق مع هذه الرسالة نصوص الدعوة الرسمية والقبول الرسمي لها، مع خطاب الشكر من الرئيس السادات للرئيس كاتزير، وأفترض أن هذه الخطابات يمكن أخذها بموضوعية لتشكل اعترافا بدولة إسرائيل.

* البرنامج:

3 ـ تم تسليم دعوة مناحيم بيغن للرئيس السادات صباح يوم 16 نوفمبر، فيما تم الرد الرسمي للأخير مساء يوم 17 نوفمبر. ورغم أن بيغن تسلم حقيقة بصورة خاصة نية الرئيس السادات الوصول يوم 19 نوفمبر، فلم يكن أمام الإسرائيليين، وللأهداف العملية، سوى 48 ساعة للتحضير لهذه المناسبة غير المسبوقة وأقل من 12 ساعة للاستعداد لوصول 60 من عناصر وفد المقدمة المصري الأقوياء. هو إنجاز مدهش وقطعة نادرة للتحسن. (أرفق نسخة من البرنامج كما حدث). وفيما عدا مشهد المنصة، فقد احتوت الزيارة على كل عناصر الزيارة الرسمية. وقد أصدر بيغن مرسوما بأن يستقبل الرئيس السادات بشرف وكرامة لا تليق برئيس دولة فقط، وإنما رئيس دولة حليفة قريبة. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فمثل هذا الموقف محوري في تحديد مناخ ودود للزيارة.

4 ـ أحد تداعيات اختيار السادات ليوم مبكر للزيارة يعود إلى أن زيارة بيغن لبريطانيا والمحدد لها 20 ـ 23 نوفمبر لا بد أن تتأجل، وقد أخبرني بذلك يوم 17 نوفمبر وتحدث إلى رئيس الوزراء عبر الهاتف مساء نفس اليوم، وتم تأجيل الزيارة إلى 2 ـ 5 ديسمبر (كانون الأول).

5 ـ من الواضح جدا، ومنذ البداية، أن الرئيس السادات وقد قرر الحضور، كان أكثر من راغب في أن يلبي الرغبات الإسرائيلية، وقد قال حسين كامل الذي قاد وفد المقدمة حينما سئل من قبل الإسرائيليين بتقديم ملخص لما يرغب فيه السادات، إن قناعة الرئيس السادات أن يترك الأمور لمستضيفيه، وأن لديه فقط ثلاثة طلبات وهي: أن تكون الزيارة رسمية، وأن يصلي في المسجد الأقصى وأن يزور الأماكن المقدسة. وقد فسر الإسرائيليون الطلب الأول كشيك على بياض بأن يذهبوا إلى المدينة عبر أجواء الزيارة واحتفالاتها، والتي لا بد وبالتأكيد أن يترك انطباعا عميقا على الملايين من مشاهدي التلفزيون حول العالم. ولا أحتاج للتوسع في الأثر على الإسرائيليين وهم يشاهدون رئيس مصر وهو يستعرض حرس الشرف وهو يقف منتبها ومستمعا للسلام الإسرائيلي القومي، وهو يضع باقة ورد على قبر الجندي المجهول، وفوق كل ذلك، يزور تمثال ياد فاشيم للمحرقة.

6 ـ لا بد أن زيارة السادات للأقصى والأماكن المقدسة كانت أقرب الى الكابوس بالنسبة لقوات الأمن الإسرائيلية، خاصة بعد إصراره على أن يسمح للمصلين المنتظمين بأن يصلوا معه في المسجد، وقد اصطحبه في القدس الشرقية الرائد كوليك الذي سئل من قبل حسن تهامي نائب رئيس الوزراء المصري ما إذا كان لديه اعتراض في أن تقدم الحكومة المصرية مساهمات في ترميم المسجد الأقصى وإصلاح مدرسة الجالية القبطية. ومن المتوقع وصول فريق من المهندسين المصريين خلال هذا الأسبوع للقيام بمسوحات أولية حول الاحتياجات المطلوبة. (وبين قوسين نقول إن أحد التداعيات الصغيرة لزيارة المسجد ربما تكون إتاحتها لنا بأخذها كسابقة إذا ما كان لنا أن نستمر في إصرارنا مستقبلا على أن الوزراء البريطانيين الزائرين ربما لا يذهبون للمدينة القديمة تحت الإشراف الإسرائيلي.

* الخطابات الرسمية:

7 ـ نقل التلفزيون الإسرائيلي على الهواء مباشرة الخطابات في الكنيست، واجتماعات الرئيس السادات مع مختلف المجموعات في الكنيست ومؤتمره الصحافي المشترك مع بيغن وقد أرسلنا نصوصها مسبقا الى الإدارة بلندن. لم يتوقع أحد أن يفعل السادات ما هو أكثر من ترديد الموقف العربي المعلوم عن الحقوق الفلسطينية والانسحاب من الأراضي المحتلة، وهذا ما فعله. وفي العلن، لم تحدث من الجانبين أية إشارة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونعتقد أن ذلك حدث باتفاق مشترك بينهما، رغم أني أجد من المهم أن لا يسأل صحافي واحد خلال المؤتمر الصحافي عن سبب ذلك حديث بيغن في الكنيست جاء وبصورة مخيبة دون مستوى خطاباته العادية، وأنا شخصيا لم أتوقع منه أن يقدم تنازلات مهمة في العلن، ولكني أعتقد أن معظم الإسرائيليين شعروا أنه فشل في أن يرقى إلى مستوى الحدث والمناسبة. ولم تتلق الأمور المساعدة المطلوبة في التوصيل بسبب الترجمة الفقيرة إلى الإنجليزية. وكان من الممكن أن يتلقى النصح بأن يتخلى عن ممارساته العادية ويقرأ خطابا من نص تم إعداده كما فعل الرئيس السادات. حديث زعيم المعارضة اعتبر بصورة عامة هنا أكثر قربا من المطلوب.

* السفير ماسون : بيغن تحدث عن مكافأة السادات بانسحابات على أن ينسى الفلسطينيين ديان غاضب والسادات امتلك بالمبادرة فرصة وضع بها قدم الإسرائيليين في المكان الخطأ

* نبض ما قبل حدوثها : الإسرائيليون رقصوا في الشوارع بمجرد إعلان الزيارة .. ولكن الارتباك سيد الموقف

* وثيقة رقم: 13

* التاريخ : 18 نوفمبر 1977 ـ من: السفير مــاسون ـ تل أبيب .

الى الخارجية لندن، عاجل وسري للغاية.

* الموضوع: زيارة الرئيس السادات 1 ـ المزاج الشعبي في إسرائيل عشية زيارة الرئيس السادات قدم واحدة من المدهشات الكبيرة، المتجهة لما يشبه الهيستريا، فهناك بعض يرقصون في شوارع القدس عندما تمّ إعلان الزيارة، وكل شيء حدث بسرعة شديدة وبصورة دراماتيكية لحد لم تصحب أمور كثيرة التفكير، ولكن أولئك الذين في مواقع المسؤولية، يعرفون بالطبع، أنه، ومهما سارت أمور الزيارة بصورة حسنة، فلا معجزات يمكن أن تنتج عنها، فيما يمكن للذين يعتقدون أنها يمكن أن تفعل، سيعيشون الوهم.

2 ـ هناك قدر كبير من الإعجاب بشجاعة الرئيس السادات، ولكن في مقابل وعي غير سهل، يذهب الى أن الرجل الذي حمل مخاطر كبرى، إنما يقف أيضا لكسب سياسي كبير، خاصة في أميركا. والناس ترى، أنه وأيا كان محتوى محادثاته مع مناحيم بيغن، فلدى السادات فرصة عادلة لوضع قدم الإسرائيليين في الموضع الخطأ وذلك بإيجاد مناخ يكون معه مركب عبء تقديم التنازلات الكبيرة قابلا للرسو على الضفة الإسرائيلية وليس على الجانب العربي.

3 ـ من الصعب بمكان، من وجهة النظر التكتيكية، رؤية ما يمكن أن يكسبه مناحيم بيغن، برغم أني لا أقلل من حجم الأهمية الرمزية للزيارة على المدى الزمني الطويل أو القيمة السابقة التي ستؤسس لها الزيارة. وبالنسبة لبيغن فالذي يأمله (ولكن هل سيحصل عليه؟) إنما تجسده دعوة له ليزور مصر، وإلا فإنه قد ينظر لما هو أكثر من الفرصة للإجابة، بشكل مألوف بلا شك، على كل ما يمكن أن يقوله السادات أمام الكنيست، وسيكون بيغن هو بيغن بتلك النفس الدقيقة والحريصة على الشكليات والحصافة.

4 ـ ما أشرت اليه أعلاه مبني على الافتراض بعدم وجود احتمال، أيا كانت الأحوال، بإقدام مصر على صفقة منفردة ومنفصلة مع إسرائيل. فقد جعل السادات موقفه واضحا حول هذه المسألة، فيما ركز مناحيم بيغن وموشي ديان، يعتصرهما الألم، بأن ذلك ـ واقعا ـ لا بد أن يعترفا به ويحترماه. وأعتقد أن على الإسرائيليين أن يروا زيارة السادات تقديم، على الأقل، لاحتمال حوار متصل فيما إذا فشل مؤتمر جنيف أو لم ينعقد. وقد ركز السادات وبيغن، وبلا شك سيركزان على أن اجتماعهما ليس بديلا لجنيف. ولكن سيكون هناك استغراب كبير هنا إذا، ليس فقط بسبب التوجهات السورية، وإنما حدوث ما استبعدوه.

5 ـ حصلت على فرصة أمس، في إطار زيارة مستر هيث الناجحة، لمناقشة زيارة السادات بصورة منفصلة مع رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، واستنتجت أن بيغن يرى الزيارة مبدئيا نوعا من ممارسة العلاقات العامة زائدا لها أمله في تأسيس علاقة مع الرئيس السادات، وحاول أن يسوّق لنا خطا بأن إسرائيل ستنسحب من سيناء الى خط من رفح الى شرم الشيخ، وأن على المصريين وإذا كانوا موضوعيين، أن يتقبلوا ذلك، وينسوا موضوع الفلسطينيين. ومن الصعب هنا القول ما إذا كان يفكر حقيقة بهذه الطريقة. أما البروفسور يادن فيعطيك انطباعا بارتباك أمين، وأعتذر أنا عن عدم الكتابة عن موشي ديان الذي يجلس عبوسا في خيمته، فيما يعتقد أنه هو الوحيد الذي يجب أن يتعامل مع العرب، يكره رؤية مناحيم بيغن وهو يأخذ أكثر من حقه، وقدم مساء أمس انطباعا قويا بأن بيغن دعا السادات من تلقاء نفسه وعليه أن يتعامل معها بمفرده، وأملي أن تسود روح التصالح والمشاورة، ولكن روح الاستخفاف لديه أمس كانت واضحة جدا.

6 ـ وزير الدفاع تلقى علاجا بالمستشفى بعد حادث مرور بدراجة نارية، وقد أخبرني يوم 16 نوفمبر، أنه وفيما كان عليه أن يوبخ رئيس هيئة الأركان لقوله علنا إن زيارة السادات يمكن أن تكون شاشة دخان يختبئ وراءها ليعد للحرب، إلا أنه يحمل بعض التعاطف مع وجهة النظر هذه.

7 ـ الإسرائيليون مثقلون بالترتيبات الإدارية التي تحتمها عليهم زيارة لم تترك لهم مساحة لالتقاط الأنفاس، وقد أكد لي رئيس الوزراء أن السفير ستتم دعوته ليحيي الرئيس السادات وأن يستمع اليه كذلك في الكنيست، ولكن لم تصلنا مثل هذه الدعوة الى الآن. مشاكل الإخطار السريع تفاقمت مع الارتباك، بما في ذلك المستويات العليا، وقد قال لي المدير العام لوزارة الخارجية أمس: هل تتصور أني غدا سأصافح يدا مصرية (يقصد رئيس موظفي مجلس وزراء السادات).

* التوقيع : ماسون ـ السفير، تل أبيب