400 ألف طن من مخلفات الحروب في قاع بحر الشمال

المتفجرات أودت بحياة 283 شخصا منذ عام 1945 ومنظمات البيئة تحذر

تفجير مخلفات الحرب العالمية في بحر الشمال («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمر يوم في ألمانيا دون إنذارات وقطع شوارع وإخلاء سكان بسبب قنبلة لم تنفجر من مخلفات الحرب العالمية الثانية. إلا أن ما تركته الجيوش المتقاتلة في السابق من عتاد في قاع بحر الشمال، قرب السواحل الألمانية، يفوق التصور لأنه يزيد عن 400 ألف طن من المتفجرات. وحذرت المنظمة البيئية «مؤتمر النشاط حول بحر الشمال» يوم اول من أمس من استمرار وقوع الضحايا بسبب عتاد الحربين العالميتين الأولى والثانية المطمور تحت الماء. وأدت الانفجارات الناجمة عن هذا العتاد، بين مدينتي زولت و ايمدن، على ساحل بحر الشمال في ولاية شليسفيج هولشتاين، إلى مقتل 115 شخصا، معظمهم من الصيادين، في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب الكونية الثانية. يضاف إليهم 35 شخصا في الأقل تعرضوا إلى إصابات خطيرة جراء الانفجارات. وتتحدث منظمات بيئية أخرى عن 283 ضحية على طول الساحل وتعزو مقتلهم إلى تسرب المواد المتفجرة من الأسلحة المغمورة بالماء، يضاف إليهم نحو 398 جريحا.

وتحدث شتيفان نيرنغ الذي أعد الدراسة، عن 400 ألف طن من العتاد من مخلفات الحربين العالمية الأولى والثانية، يضاف إليها كميات غير معروفة من الأسلحة والمتفجرات التي أغرقها الجيش الاتحادي لألمانيا الغربية في ذات المقبرة. وساهم جيش ألمانيا الديمقرطية السابق أيضا في دفن المزيد من الأسلحة القديمة في المنطقة، كما اتخذ الجيش السوفياتي هذه المنطقة، ما بعد الحرب، ميدانا لتدريبات مدفعيته وأسلحته وأرهق البيئة في قاع البحر بالمزيد من المتفجرات الزائدة عن اللزوم. وأكد الباحث، وهو عالم في بيولوجيا البحار من كوبلنز، أن هذه المتفجرات تشكل خطرا على البشر والبيئة داعيا إلى إزالتها في الحال.

وتقدر المنظمة وجود نحو 300 ألف طن من العتاد داخل المياه الإقليمية الألمانية قرب سواحل ولاية سكسونيا السفلى، ونحو 100 ألف طن في المياه الإقليمية قرب سواحل ولاية شليسفيج هولشتاين. ولا تتوفر أية إحصائية عن كمية الأسلحة والعتاد التي أغرقها الجيش الألماني الاتحادي في بحر الشمال وبحر البلطيق في العقود الخمسة الماضية.

وذكر نيرنغ أن المتطلع لصخور الساحل في المنطقة يلاحظ صعوبة تفريقها عن كتل الفسفور في المختبر. فالفسفور المستخدم في صناعة هذه المتفجرات يتسرب منها إلى السطح ويلتصق بالصخور الساحلية. ويكتسب الفسفور قوة تفجيرية كبيرة حينما يجف ويتعرض إلى أشعة الشمس. وتوقع الباحث أن تكون المخاطر البيئية والانفجارية في قاع البحر أكبر منها بكثير على السطح.

واتهم نيرنغ السلطات الألمانية بالتكتم عن حجم العتاد المغمور في قاع البحر، عن عدد الضحايا الحقيقي، وعن الأضرار التي لحقت بالبيئة البحرية طوال العقود الماضية. وطالب الباحث بالكشف عن كافة هذه التفاصيل ويوضع خطة معقولة لانتشال هذا العتاد أو قبره بشكل أمين على قاع البحر. كما طالب برسم المناطق التي طمر فيها العتاد ووضعها في كل الخرائط الدولية حفاظا على حياة الصيادين والسواح في المنطقة. وذكر نيرنغ ان من الضروري تعليم الشواطئ المغطاة بالفسفور وتحذير السواح من مخاطر الانفجارات في الصيف.

وسجلت منظمة «مؤتمر النشاط حول بحر الشمال» وقوع أول ضحية للعتاد الغارق عام 1985 على السواحل الألمانية. إذ كان الضحية يحاول الصيد في المنطقة باستخدام متفجرات الصيد إلا أن انفجاره الصغير أدى إلى انفجار كبير للعتاد الغارق أودى بحياته وحطم زورقه. وسجلت المنظمة وقوع 36 حادثا مماثلا بين 1984-1985 بينها انفجارات حدثت بسبب استخدام القنابل المضادة للألغام البحرية من قبل الجيش الاتحادي.

ولم تعترف الحكومة الألمانية رسميا بوجود هذه الطاقة التفجيرية الخطيرة في قاع بحر الشمال إلا بعد توقيع اتفاقية أنابيب بحر الشمال مع الاتحاد الروسي قبل سنتين. إذ وقع فجأة على السلطات الألماني أن تنظف المنطقة من معوقات مد أنابيب الغاز في قاع البحر بين روسيا وألمانيا. وهو مشروع وقعه المستشار السابق جيرهارد شرودر بقيمة 5 مليارات يورو مع الرئيس الروسي بوتين لصالح شركة «غازبروم» الروسية.

وإذ تفرض الاتفاقية على الجانب الروسي حماية الأنابيب في المياه الإقليمية الروسية، فإنها تفرض على ألمانيا حماية الأنابيب في مياهها الإقليمية. وعدا عن المتفجرات المطمورة في البحر، والتي قد تهدد بانفجار أنابيب الغاز، فقد تحولت صفقة غاز الشمال إلى عامل تفجير سياسي في المنطقة وقفت بولندا ودول البلطيق بقوة ضدها بسبب عدم مرور الأنابيب على أراضيها.

ويشارك كارستن فولف، من خدمة التخلص من الأسلحة في ولاية سكسونيا السفلى، مخاوف الباحث نيرنغ الخاصة بعواقب الأسلحة والعتاد المطمور تحت الماء. وعبر فولف عن قناعته بضرورة مفاتحة الرأي العام بشفافية حول هذه المخاطر وكميات الأسلحة والعتاد. وذكر فولف: سيان الأمر ما إذا كانت أسلحة حديثة أم قديمة، فاحتمال طوفانها إلى سطح البحر وارد. وأكد فولف أن السلطات الألمانية تبحث عن «حل» معقول للمشكلة، ولكنها تعتقد أنها ليست مشكلة ألمانية بحتة لأنها من فعل أمم أخرى، وتتسبب بمخاطر لهذه الأمم أيضا. ووعد فولف، في الأقل، بالكف عن إغراق المزيد من الأسلحة وإعلام الناس مستقبلا بالمخاطر المتأتية عن خزين العتاد في قاع بحر الشمال.