عنوان العروس فستانها، في طياته يكمن وهج المناسبة وإليه تنجذب أنظار المدعوين ومن خلاله تقيَّم طلّة العروس ومدى تألّقها. هذا العنوان الذي كانت تُبذل من أجله ميزانيات ضخمة وجهود مضنية، تستغرق أشهرا قبل يوم الزفاف، حتى يأتي على المستوى المطلوب، أصابته الأزمة الاقتصادية. فترديات هذه الأزمة أثقلت كاهل الراغبات دخول القفص الذهبي وأجبرت نسبة لا يستهان بها من اللبنانيات على تغيير أولوياتهن في ليلة الفرح، بما في ذلك فستان الزفاف الذي قد يصل سعره إذا كان من أحد المصممين اللبنانيين العالميين الى عشرات الآلاف من الدولارات.
صحيح انه لا يزال جزءا لا يتجزأ من حفل الزفاف، لكن أهميته كقطعة تورث أو كذكرى تشهد على ليلة العمر، تأثرت ولم تعد استثمارا ماديا أو معنويا كما كان عليه الأمر في زمن الأمهات والجدات. بعبارة أخرى فقد أصبح يستأجر ولا يشترى. وهذا الحل البديل لجأت إليه العرائس من كل المستويات الاجتماعية بعدما كان وسيلة مقتصرة على فئات معينة في السابق.
ولا حاجة للقول إن هذا الحل التوفيري لا يروق لعدد كبير من مصممي الأزياء، لأن هذا الأمر يهز مكانتهم، بينما لا يعترف بعضهم باعتمادهم خيار الإيجار، لأنهم يعتبرون إعلانه على الملأ «وصمة عار» تحط من قدرتهم المهنية.
وتبقى نسبة منهم لا تتأثر بهذه الظاهرة، مثل مصممة الأزياء ندوى الأعور، التي صرحت لـ«الشرق الأوسط»، أنها تخصص مجموعتين من فساتين الأعراس موسميا، واحدة للبيع وأخرى للإيجار. وتشير إلى أنها تعتمد في المجموعة المخصصة للإيجار على أقمشة ذات نوعية قابلة للغسل والتعديلات في الخياطة، على عكس تلك التي تجهّز بهدف البيع. وتؤكّد الأعور ظاهرة إقبال اللبنانيين في السنتين الأخيرتين بالذات على خيار استئجار فستان العرس بدلا من شرائه. فنسبة فساتين الإيجار، حسب قولها، تصل الى ثمانين في المائة، إذ «يقابل كل فستانين للبيع ثمانية فساتين للإيجار». وتعزو السبب الى الأحوال الاقتصادية بالدرجة الأولى، والى تفكير بعض الفتيات اللواتي لا يكترثن كثيرا لضرورة الاحتفاظ بالفستان ليكتفين بصور حفلة الزفاف وهن يرفلن بالثوب الجميل والمميز في ليلة العمر. وتقول أيضا إن تكلفة إيجار الفستان تبدأ بـ 4000 دولار أميركي للارتداء الأوّل، وتتدنى بقيمة 500 دولار في كل مرة.
العزوف عن الشراء لا يكون دائما جذريا، إنما يخضع لمعطيات تختلف من عروس الى أخرى. فقد خصّصت الشابة ميريام، مثلا، 3000 دولار لفستان عرسها، واضعة نصب عينيها خيار الشراء في الدرجة الأولى إذا وجدت ما يرضي ذوقها، وخيار الإيجار في الدرجة الثانية. تقول ميريام: «توجّهت الى محلات الأعراس الراقية التي تستورد الفساتين من إيطاليا وبعض الدول الأوروبية، حيث يطغى على التصاميم الطابع العصري البسيط والناعم، ووجدت أن أرخصها لا يقل سعره عن 3000 دولار مع أنه لا يستحق بنظري أكثر من 500 دولار، الأمر الذي جعلني أميل الى فكرة استئجار فستان مميّز على أن أشتري فستانا عاديا ويبقى معلّقا في ما بعد في الخزانة، ولا مشكلة عندي إذا لبست الفستان عروس قبلي أو بعدي»، وتضيف «عندما زرت عددا من مصممي الأزياء واطلعت على أعمالهم أصبح لدي فكرة واضحة عن التصاميم والأسعار، بعدها قررت أن استأجر فستانا ووجدت مبتغاي بمبلغ لا يتجاوز 1500 دولار وبتصميم مميز لناحية المظهر العام ونوع القماش، إضافة الى أنه من مجموعة عام 2008 ولم تلبسه عروس قبلي».
من جهتها لم تتنازل نادين عن حلمها في اقتناء الفستان الذي سترتديه ليلة الزفاف وبذلت جهدها في الحصول عليه «بأقلّ خسائر مادية ممكنة»، تقول: «أعرف خياطا محترفا في خياطة فساتين الأعراس، ذهبت إليه وطلبت منه أن يخيط لي فستانا من تصميمي الخاص يتلاءم مع شكل جسمي ويليق بشخصيتي. حرصت على شراء القماش من النوعية الجيدة كلفني 700 دولار. ودفعت أجرة الخياط 500 دولار، مع العلم أن أضعاف هذا المبلغ لا تكفي لشراء فستان من أعمال مصمم معروف. أما إذا توفّر لدى المصممين العاديين الذي يعتمدون عملية الإيجار، فسيكون بالتأكيد دون المستوى المطلوب».
أما سالي فقد حزمت أمرها منذ البداية، وقررت ألا تدفع أكثر من 750 دولارا على فستان العرس، وكان لها ما أرادت. تبرر: «متطلبات العرس الباهظة أجبرتني على تقليص ميزانية فستان العرس. اخترت التصميم الذي يعجبني ونفّذته لي الخياطة بطريقة رائعة واستأجرته منها فقط بـ 600 دولار. بهذه الطريقة حصلت على ما أريده بسعر زهيد مقارنة بما يطلبه المصممون المعروفون ولم أضطر الى شرائه ليبقى عندي مدى الحياة من دون أن أستفيد منه».
المصمّم اللبناني داني الأطرش، له رأي في الموضوع، فهو يعتبر أن فستان العرس الخاضع لمبدأ الإيجار يجب ان تنطبق عليه شروط معينة وأهمها نوع القماش الذي يجب أن يكون قابلا للتعديل في الخياطة وبالتالي لا يتأثر سلبا جراء عملية التضييق والتوسيع بما يتلاءم مع جسم العروس، إضافة إلى أمر مهم وهو ألا يخسر القماش رونقه بعد غسله مرّات متتالية، وهذا لا ينطبق مثلا على الحرير والتطريز.
انطلاقا من هذا الواقع يرفض الأطرش مبدأ تأجير تصاميمه ويصر على بيعها، ويقول «رغم زيادة الطلب في السنوات الأخيرة على استئجار فساتين الأعراس في لبنان، أتجنّب قدر الإمكان المساهمة في هذه العملية إلا في ما ندر، وتنحصر الفساتين القابلة للإيجار بتلك التي لم تبع من المجموعات التي صممتها منذ سنتين وأكثر، لأنني أعتبر هذه الفكرة خاطئة. فمن لا يمتلك الإمكانات المادية اللازمة، بإمكانه الاستعانة بالمحلات العادية ليحصل على مبتغاه»، ويضيف الاطرش «هذه الفساتين تحتاج لأن تؤجر على الأقل ثلاث مرات كي تستعيد تكلفتها، لذا فإن كلفة استئجارها في المرة الأولى يجب ألا تقل عن 40 في المائة من سعرها وتتدنى بعد استخدامه مرات عدة».
تصف هبا شمعة وضع العرائس اللبنانيات ممن ينتمين إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة بقولها: «لأن تكاليف الزفاف لم تعد تقتصر على الفستان فقط، بل تتجاوزه إلى تفاصيل أخرى تنهك الجيوب وترغم الصبايا على القيام بتسويات حسابية تسمح لهن بالتوفيق بين جملة متطلبات تنتج حفلة زفاف ناجحة، لم تعد الفتيات في هذه الفترة يبالين بفكرة الاحتفاظ بفستان العرس، وأصبحت الإمكانات المادية هي التي تتحكّم بخياراتهن، ومن هنا بات استئجار فستان العرس الوسيلة الأسهل والأوفر».