أين مراجعو الحسابات من أزمة الرهن العقاري؟

سعود الأحمد

TT

حول ما تناقلته بعض وسائل الإعلام العالمية في مارس(آذار) الماضي، بأن (25) بنكاً عالمياً تقترب من شطب حوالي (300) مليار دولار خسائر، جراء تداعيات أزمة الائتمان العالمية التي تعصف بأسواق المال العالمية، فإن من الأسئلة التي تقفز للذهن: هل تم تكوين احتياطيات كافية في الوقت المناسب لمواجهة هذه الخسائر، وأين مراجعو حسابات هذه المصارف؟!.

حيث قدر جاك مالفي كبير خبراء أسواق السندات العالمية الشهر الماضي خسائر الائتمان العالمية بنحو 1.2 تريليون دولار. وقال جاك إن البنوك الأميركية ودور السمسرة وصناديق التحوط والمؤسسات المدعومة حكوميا مثل «فاني ماي» قد تساهم بمبلغ 460 مليار دولار من خسائر الائتمان. وان الكثير من أسواق المال عالية المخاطر ربما لم تصل لبر الأمان بعد. وها هي مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في آخر اجتماع لها في واشنطن (أبريل الحالي) تمهل المصارف 100 يوم للكشف عن الخسائر التي قد تكون لحقت بها بسبب أزمة سوق العقارات العالمية. وكان بنك «يو.بي. إس» قد أعلن عن شطب 19 مليار دولار، بعد أن باع ما قيمته أربعة مليارات دولار من الأوراق المالية القابلة للتحويل إلى أسهم. كما أعلن بنك «واتشوفيا» الأميركي الأسبوع الماضي عن تكبد خسارة مفاجئة في الربع الأول من العام مع تفاقم مشكلات الائتمان من جراء رهون عقارية وديون أخرى، الأمر الذي حدا بإدارة البنك إلى خفض التوزيعات النقدية وزيادة رأسماله سبعة مليارات دولار.

لكن ما يثير الاستغراب أن الخسائر كانت مفاجئة في الربع الأول من هذا العام! وحتى تتضح الصورة، فإنه من الناحية المحاسبية هناك ما يسمى بالاعتراف بالخسائر وهناك ما يسمى بتحققها. وأنه طبقاً لمبدأ الحيطة والحذر، يجب الاعتراف بالخسائر المحتملة (ولذلك معايير معمول بها ومتعارف عليها). بحيث يتم تكوين احتياطي ديون مشكوك فيها لمقابلة هذه الخسائر المحتملة. والغريب في الأمر أننا ومنذ سنوات نسمع عن تفاقم مشكلة الرهن العقاري، وأثرها على البنوك والمؤسسات المالية العالمية، لكننا لم نسمع عن تكوين احتياطيات كافية لمواجهتها!. ومن المعروف أنه وطبقاً لمعايير المحاسبة المالية فإن مثل هذا الاحتياطي يجب تكوينه ليحمل على قائمة الدخل بالفترة التي تم اكتشاف الخسارة فيها.. طبقاً لمبدأ الفترة المحاسبية. الذي يوجب تحميل كل فترة محاسبية بكافة ما يتعلق بها من آثار أحداثها المالية. وعلى أن يتم الاعتراف بالأرباح إذا تحققت وبالخسائر إذا كان هناك احتمال لوقوعها. لكن الذي يُعلن عنه هذه الأيام أن هناك خسائر تظهر مفاجئة ويتم شطبها مباشرة من قائمة الدخل للفترة الحالية بعام 2008 من دون إشارة إلى أن هذه الديون قد سبق تكوين احتياطي ديون مشكوك فيها بالأعوام الماضية. والخطورة هنا، أن هذه الخسائر كان يجب تحميلها على ملاك أسهم هذه البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بالفترات الماضية. ثم أن المساءلة القانونية يمكن أن تطول مجالس إدارات هذه الجهات كونها لم تعط الشفافية الكافية عن هذه الخسائر. ومن الطبيعي أن من تسربت له هذه المعلومات وتمكن من معرفة أخبار هذه الخسائر في ذلك الوقت؛ فإنه استفاد منها وتخلص من هذه الأسهم بأسعار قبل شيوع أخبار خسائرها وانخفاض أسعارها بالسوق. كما أن مجالس إدارات ومراجعي حسابات هذه المؤسسات التي لم تعلن عن خسائرها في وقتها، معنيون بمسؤولية تقييم جميع أصولهم المالية بنهاية كل فترة مالية، وتقدير نتائج هذا التقييم والإفصاح عنه بالقوائم المالية. وعلى أن يتم تقييم الأصول (طبقاً لما هو متعارف عليه) من قبل جهات مهنية عالمية متخصصة ومستقلة (ذهنياً). وإذا ثبت أن أيا من مؤسسات التقييم قد أعطت أرقاما غير حقيقية؛ فإنها تشترك في المسؤولية القانونية. وختاماً.. أُذكر بأن مجلس الإدارة له ما يسمى بإبراء ذمة يحصل عليه بنهاية فترة ترؤسه للبنك، لكن مراجع الحسابات يبقى مسؤولا طوال عمره عن أي تقصير مهني يرتكبه. وإلى أن تثبت مسؤولية التقصير ممن، فإن الأيام تمر على البعض كأنها دقائق.. ولننتظر البنوك العالمية الأخرى متى وكيف ستعالج خسائرها!

* كاتب ومحلل مالي سعودي [email protected]