أفادت وزارة العدل الأميركية في خطاب أرسلته إلى الكونغرس بأن رجال المخابرات الأميركية، الذين يحاولون إيقاف الإرهابيين يجوز لهم استخدام أساليب تحقيق قانونية، ربما تكون ممنوعة بموجب القانون الدولي. وتلقي التفسيرات القانونية التي تحملها بعض الخطابات التي تم إرسالها أخيرا الضوء على القوانين السرية التي ما زالت سرية للتحقيقات التي تجريها وكالة المخابرات المركزية. وتوضح هذه التفسيرات أن الإدارة الأميركية تجادل بأن حدود التحقيقات يجب أن تخضع لبعض المنطق، وذلك بموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس بوش في الصيف الماضي، والذي يعني أن وكالة المخابرات الأميركية يجب أن تلتزم بالقوانين الدولية ضد المعاملة القاسية للمعتقلين. وفي الوقت الذي تمنع فيه مواثيق جنيف «الاعتداء بسبب الهوية الشخصية» أرسل خطاب من قبل وزارة العدل إلى الكونغرس يوم 5 مارس (آذار) يوضح أن الإدارة الأميركية لم ترسم خطا دقيقا في تقرير أي أساليب التحقيق يمكن أن تنتهك ذلك الميثاق، وأن للإدارة الحق في الحكم على كل قضية بعينها. ويقول براين بنشويسكي، وهو مساعد النائب العام، في الخطاب الذي لم ينشر من قبل: «حقيقة أن القيام بفعل لمنع هجوم إرهابي وليس بغرض الإساءة أو الإذلال يمكن أن يكون أمرا مقبولا، عند تقييم مثل هذا النوع من الإجراءات».
وقد أصدر الرئيس بوش أمرا تنفيذيا في الصيف الماضي للالتزام بالقيود التي تفرضها المحكمة العليا والكونغرس. وقد أرسى الأمر معايير جديدة لأساليب التحقيق، وطالب بالالتزام بالمعايير الدولية لمعاملة الأفراد، لكنه لم يحدد أياً من الأساليب التي تمت الموافقة عليها. وقد بات من الواضح أن ذلك الأمر التنفيذي قد حافظ على الأقل على المدى الذي سمح به الرئيس بوش لوكالة المخابرات المركزية من استخدام أساليب تحقيق أكثر قسوة من التي سمح بها الجيش أو الوكالات الأخرى. لكن الوثيقة الجديدة تقدم تفاصيل أكثر بشأن كيفية تحديد الإدارة لمدى قانونية أسلوب معين، حسب الظروف الملابسة له. وقد تم تقديم الخطابات المرسلة من وزارة العدل إلى الكونغرس عن طريق موظفي السيناتور رون وايدن، وهو ديمقراطي من ولاية أوريجون وعضو في لجنة المخابرات وكان يبحث عن مزيد من المعلومات بشأن ذلك الموضوع من وزارة العدل. وقد أفاد بعض خبراء القانون من وزارة العدل بأنه يبدو أن الوزارة تجادل بصحة تبرير وسائل التحقيق هذه لوقف هجوم إرهابي، رغم أن هذه الوسائل يمكن أن تكون غير قانونية في غير هذه الحالة. ويقول سكوت سيليمان، وهو مدرس لقانون الأمن القومي في جامعة ديوك: «إنهم يقولون إنه إذا كانت النية هي الدفاع عن الولايات المتحدة وليس الإذلال، فإنه ليس هناك اعتداء على الإطلاق».
لكن مسؤولا رفيعا في وزارة العدل أنكر هذا التفسير تماما يوم الجمعة الماضي، وقال إن الغرض من التحقيق يشكل جانبا واحدا من جوانب عدة تحدد ما إذا كان يمكن تبني الأساليب القاسية أم لا.
وقد قال المسؤول، الذي رفض الإفصاح عن هويته: «إنني بالطبع لا أريد أن أفترض أنه إذا كان هناك غرض جيد فإنه يمكنك إذلال أو الحط من شأن أحد. فحقيقة أننا نفعل شيئا لأجل غرض أمني شرعي سوف تكون نسبية، لكن هناك أفعالا لا بد أن يحكم عليها المنطق السليم بأنها أفعال غير إنسانية».
وفي الوقت نفسه، يقول المسؤول: «وهناك بالتأكيد أفعال يمكن أن تمثل نوعا من الإهانة، لكنها لا تصل إلى مستوى الفعل غير الإنساني».
ويمنع ميثاق جنيف حسبما جاء في الفقرة الثالثة الإذلال والمعاملة المهينة للسجناء. وقد كان موضوع تحديد الحدود القانونية للتحقيق مع المشتبه فيهم بتهمة الإرهاب يشكل صراعا أثناء عهد إدارة بوش. وقد تعرض بعض من قبض عليهم في أول عامين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) إلى وسائل قاسية شملت التغطيس في الماء الذي يجعل الإنسان يشعر بأنه يغرق. لكن قوانين التحقيق أصبحت أكثر تقييدا بدءا من عام 2004، عندما فرضت وزارة العدل الأخذ بعدد من الآراء القانونية. وقد مثل الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس بوش في يوليو (تموز) 2007 تقييدا جديدا، وجاء استجابة للمحكمة العليا التي قضت عام 2006 بأن احتجاز كل المسجونين في الولايات المتحدة يجب أن يتم وفق المادة الثالثة من مواثيق جنيف. وقد جاء الكشف عن خطابات بنشويسكي في رد على سؤال من وايدن، الذي تلقت اللجنة الخاصة به موجزا عن الأمر التنفيذي. ويحدد الأمر التنفيذي بعض السلوك الذي يعتبر ممنوعا في أي تحقيق، ويشمل ذلك إجبار الأفراد على القيام بأعمال جنسية، أو تهديد الأفراد ببتر أعضائهم الجنسية. لكن الأمر لم يشر إلى الأساليب التي ما زال يسمح بها. ومن شأن التشريع الذي تمت الموافقة عليه في وقت سابق من هذا العام بواسطة مجلس الشيوخ والمجلس التشريعي أن يزيد من الضغط على وكالة المخابرات المركزية، حيث يطالب بالالتزام بالقوانين الواردة في كتيب الجيش بشأن التحقيقات العسكرية، والتي تمنع الإجراءات القسرية. لكن بوش اعترض على هذا القانون، وقال إن استخدام أساليب قاسية أثناء التحقيق أثبت فعالية في منع الهجمات الإرهابية. ويتسم التبرير القانوني الذي تضمنته خطابات وزارة العدل الأخيرة بأنه أقل مما قدمه محامو الوزارة عام 2005 أثناء الدفاع عن استخدام الأساليب القاسية. لكنهم يوضحون أن محامي إدارة بوش ربما يستشهدون في بعض الأحيان باللغة المبهمة لمواثيق جنيف، لدعم فكرة أن المحققين يجب ألا يلتزموا بالقوانين بشكل صارم.
وفي أحد الخطابات التي كتبت في 27 سبتمبر (أيلول) 2007، جادل بنشويسكي بقوله: «لكي يصل الأمر إلى مستوى انتهاك القانون، يجب أن يكون الفعل شائنا إلى الحد الذي يكون فيه مستنكرا على مستوى العالم كله».
ويقول وايدن إنه كان يشعر بالقلق لأنه بموجب هذه القوانين الجديدة، فإن إدارة بوش تكون قد وضعت قيود ميثاق جنيف على «ميزان منزلق».
وقد أفاد بقوله إنه إذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت معايير ذاتية في تطبيق قوانين التحقيق، فإن الأعداء المحتملين ربما يتبنون معايير مختلفة للتعامل مع المعتقلين الأميركيين.
وأفاد وايدن بقوله: «إن الأثر البعيد الذي أراه هو وضع القوات الأميركية في خطر».
* خدمة «نيويورك تايمز»