هل يمكن ان تكون الاسماك وفية للانسان، سؤال يقفز مرة واحدة في كل عام، حيث الاجابة بالتأكيد أن الاسماك تبرز ودها للانسان بالقفز طوعا الى شباكه في ظاهرة نادرة قد لا تحدث الا لإنسان جزيرة فرسان التي تتوسد خاصرة الاراضي السعودية من ناحية الجنوب الغربي قبالة البحر الاحمر.
وعلى الرغم من شهرة أول ابريل (نيسان) بالكذب، الا ان الظاهرة الطبيعية التي تحدث في جزيرة فرسان تخرج الى اطار الصدق والحقيقة لمن يشاهدها واقعاً. فعلى مدى التاريخ، ظل سكان جزيرة فرسان يترقبون آخر ايام شهر ابريل مجهزين سلالهم المصنوعة محليا لتلقف عشرات الاسماك من نوع الحريد التي تتقافز طائعة في اتجاهها على طول الشاطئ بالعشرات.
منذ خمس سنوات، أحال أهالي المنطقة والصيادون هذا الحدث الى مهرجان سنوي يحتفون فيه مع السياح والزوار، فالكل يذهب الى الحريد في ليلة مميزة يزينها الحضور الكبير وتعطرها نسائم البحر التي تختلط بالاهازيج التراثية والوطنية، مجسدة عادات وتقاليد تليدة لأهل المكان تستحضر أعمال البحر وتجارة اللؤلؤ والمرجان في لغة تحكي حوار الأرض والبحر.
ووسط حضور بهيٍّ، ترأسه محمد بن ناصر، أمير منطقة جازان، قدمت فتيات فرسان ألوانا مميزة من الفنون المحلية؛ منها زفة العروس وهن يرتدين فساتين مميزة تعكس تنوع البيئة، ومعتمِراتٍ على رؤوسهن أجمل أنواع الفل والقريشي، وناقشات كفوفهن بالحناء الضاربة الى الحمرة.
الجميع انتظرَ نزول امير المنطقة الى شاطئ الحصاحيص ليعطي اشارة انطلاق مسابقة صيد اكبر سمكة، او لمن يصيد اكبر عدد من اسماك الحريد. وتوجهت كل الكاميرات والمايكروفونات والأقلام نحو لجنة تحكيم هذه المسابقة الرياضية الثقافية التراثية المتفردة. وكان مهرجان هذا العام مزدحماً على غير العادة، فالإعلام والإعداد الجيد ساعدا على وصول أعداد كبيرة من السياح من خارج المملكة وداخلها الى المنطقة للمشاركة في المهرجان.
ودشن امير المنطقة، بحضور الأمير بدر بن سعود بن محمد آل سعود أمين عام الهيئة العامة للحماية الفطرية، واللواء عمر با بعير، قائد المنطقة الجنوبية، وعدد من المسؤولين، عدداً من المشاريع في جزيرة فرسان بتكلفة 28 مليون ريال؛ بينها افتتاح مسجدين وسوق نموذجي للصيادين وإنارة عدد من القرى وتطوير وتحسين شواطئ فرسان، الى جانب تدشين مركز للرعاية الصحية الاولية بالجزيرة بتكلفة 5 ملايين ريال، إضافة إلى مدارس.
وفي جولة للضيوف على شاطئ جنابة، يتقدمهم امير المنطقة، حكى المعرض التراثي مسيرة التاريخ، مركزا على العديد من العادات والتقاليد المتوارثة لأهل المنطقة، ثم كانت اللوحات الفولكلورية الحية من خلال العرض المسرحي للفولكلور الشعبي والوطني. ومن بين العروض والرقصات التي قدمها رجال فرسان عرض عادات (الخِتان) القديمة.
وعلى طول الطريق المؤدية للشاطئ، تناثرت القرى بل وبانت جزر داخل البحر مأهولة بالسكان وقال محدثنا إنها تحظى بكامل الخدمات رغم معاناة السكان من عدم توفر مواد البناء وصعوبة نقلها الى داخل الجزر التي تتكلف أموالا تفوق طاقة المواطن.
مررنا بخزانات تحلية مياه البحر على امتداد طريق السقيد، ثم اعتلينا جسرا يفصل بين جزيرتي فرسان والسقيد، حتى وقفنا على رمال شواطئ السقيد البيضاء الناعمة، والازهار والشجيرات الشاطئية مشكلة دوائرَ وحلقاتٍ حلزونية تحيطها اعمدة صغيرة تسمى (اشجار الشورى) يمتد اللون الاحمر حتى ساقها، بينما تظل اوراقا خضراء يانعة.
صفارة الانطلاق حركت كل ساكن، فبدأ الطيران الشراعي في التجوال حول المكان ترافقه كاميرات التصوير التي لم تكتف بالبر والجو حتى نزلت للتصوير في اعماق البحر لتصوير حركة اسماك الحريد.
الجميع مهموم بالفوز في السباق، والكل يتسابق لجمع اكبر قدر ممكن من الاسماك في سلته، فامتزج الجميع بلون البحر ولون الرمال الصافية البكر، تلفهم البهجة بكل الوان الطيف.
عمر الفرساني، هكذا نطق اسمه بعد اعلانه فائزا اول، جمع اكبر عددٍ من الحريد، وسجل له رئيس لجنة التحكيم ما وزنه 42 كيلوغراماً، عبَّر عن سعادته بالفوز، وقال «تدربت كثيرا على الصيد بسرعة وكيفية جمع أكبر عدد من الاسماك بواسطة شبكة صيد قوية ومجهزة للحريد، والصيد هواية قبل ان يكون مهنة. وعندما تكون هاوياً للشيء ستحترفه يوماً ما».
أمير المنطقة أعرب عن تفاؤله بمستقبل السياحة في فرسان، مشيراً الى النمو المضطرد لعجلة التنمية في مجال السياحة. وقال ان الزوار والسياح لم ينقطعوا عن المنطقة، باحثين عن الاستكشاف والاستثمار. وقال إن هذا المهرجان خرج بثوب جديد وحضور مدهش، مما جعله يحظى بنصيب وافر من التغطية الاعلامية المتميزة مختلفة المصادر والجهات، وفي هذا دلالة على تطور المنطقة سياحياً جعل الباحثين في رحلة مستمرة لاكتشاف وإبراز مقومات السياحة فيها.
واضاف امير المنطقة ان الهيئة العليا للسياحة والآثار في المملكة مهتمة كثيراً بالارتقاء بمستوى السياحة في المنطقة، وان المهرجان القادم سيكون جديدا وبنحو أجمل، وان ما شهدته المنطقة من مهرجانات صيفية او ربيعية او شتوية او كرنفالات في الاشهر القريبة الماضية، شاهد على التخطيط المسبق للوصول لمستويات عالية من التطوير.
الدكتور حامد بن مالح الشمري، وكيل امارة المنطقة للشؤون الامنية، رئيس اللجنة العليا للمهرجان، اوضح ان مهرجان هذا العام اختلف عن سابقه باضافات جديدة ومميزة، وأن الحضور كان كثيفا جداً، مما تطلب زيادة عدد الرحلات القادمة والمغادرة من فرسان وإليها.
وأشار الى ان الجزيرة تزخر بإمكانات سياحية كبيرة، وان جهود امير المنطقة لاستثمار تلك الامكانات واضحة بتكثيف وتنشيط الحركة السياحية في المنطقة بشكل عام لجذب المستثمرين ورجال الاعمال، مشيرا الى دعم الهيئة العليا للسياحة والآثار لمثل هذه المهرجانات بالمنطقة؛ وعلى رأسها مهرجان الحريد الذي ينفذ من قبل امارة المنطقة بالتعاون مع الهيئه العليا للسياحة والآثار.