دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية العالم إلى التوصل لاتفاق حول نظام تجاري عالمي متوازن يحقق أهداف الألفية الثالثة المتعلق بالأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة للعالم بصورة عامة وللدول النامية بصورة خاصة التي منها عالمنا العربي، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة الاستمرار في مراجعة وتطوير السياسات والتشريعات والبرامج والآليات التي تجذب الاستثمار في المجال الزراعي في الدول ذات الإمكانيات والموارد الزراعية المتوفرة خاصة من القطاع الخاص.
ووصف الملك عبد الله أمس خلال كلمة ألقاها نيابة عنه الدكتور فهد بالغنيم وزير الزراعة أمام وفود وزراء الزراعة في الدول العربية، الذين يحضرون افتتاح الدورة الثلاثين لاجتماعات المنظمة العربية للتنمية الزراعية المنعقدة في الرياض، التضخم القائم في العالم حاليا بأنه مهدد حقيقي لأهداف إزالة الفقر والجوع خاصة في الدول الفقيرة، لافتا إلى توجه بعض الدول لمحاصيل إنتاج الوقود الحيوي حيث أدى إلى نقص إمدادات المحاصيل الغذائية مما سينعكس سلبا على حياة الإنسان في العالم وخاصة في العالم العربي.
وقال الملك: «تنقعد اجتماعات هذه الدورة في وقت يتعرض فيه العالم ومناطقه المختلفة ومن ضمنها المنطقة العربية لمتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومناخية كبيرة متسارعة ومتداخلة»، مضيفا أن من بين هذه المتغيرات التي تدعو للقلق موجة الغلاء والتضخم العالية المتزايدة التي لا سابق لها كظاهرة أصابت معظم دول العالم وانعكست في زيادات كبيرة في أسعار السلع الغذائية وبالأخص الزراعية منها بنسب تتفاوت في المتوسط بين 47 إلى 85 في المائة.
وأضاف خادم الحرمين الشريفين في معرض كلمته: «هذه الزيادة في أسعار السلع الغذائية تهدد تحقيق أهداف إزالة الفقر والجوع في العالم خاصة في الدول الفقيرة، كما أن توجه بعض الدول المنتجة الرئيسية لبعض المحاصيل الزراعية إلى إنتاج الوقود الحيوي من هذه المحاصيل أدى إلى النقص في إمدادات هذه المحاصيل الغذائية، مما سينعكس سلباً على حياة الإنسان في هذا الكوكب وخصوصاً في العالم العربي، وزاد الأمور تعقيدا تغيرات المناخ العالمي التي ما فتئت تسبب أضراراً جسيمه على الإنتاج الزراعي» .
وأشار الملك عبد الله إلى أن تلك المتغيرات ألقت بظلالها السلبية على الزراعة والأمن الغذائي العالمي والإقليمي خاصة في الوطن العربي الذي مازال من المناطق المستوردة للغذاء، مفيدا أن الأمر بدا يتطلب مواجهته بتضافر الجهود وتعزيز العمل الزراعي العربي المشترك عن طريق تنسيق السياسات وتطوير العمل المشترك في إطار استراتيجية تنموية زراعية ترفد الجهد الوطني وتدعم التكامل الزراعي العربي الذي ينسجم مع الأهداف الوطنية والعربية المتفق عليها والمنافع المشتركة» .
وزاد العاهل السعودي: «أن استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين 2005 إلى 2025 التي أعدتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية استجابة لدعوة القادة العرب في بيان تونس عام 2004 حول التنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي، قد اعتمدت وأقرت في قمة الرياض العام الماضي»، متمنيا أن تكون هذه نقطة تحول في مسيرة العمل الزراعي العربي لتحقيق الأهداف والآمال المرجوة، والبدء الجاد في تنفيذها وترجمتها إلى مشاريع محددة وعملية قابلة للتنفيذ، متطلعا أن يناقش هذا الاجتماع أفضل السبل لمواجهة تحديات الزراعة العربية وإزالة المعوقات التي تعرقل تطورها.
وحول موقف بلاده، أفاد خادم الحرمين الشريفين بأن قطاع الزراعة في السعودية له دور بارز في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتوازن البيئي حيث أثمر العمل الدؤوب المبني على التخطيط والمشاركة الفاعلة من القطاع الخاص في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الزراعية مثل الألبان والتمور وبيض المائدة بالإضافة إلى الوصول إلى مراحل جيدة من الاكتفاء الذاتي في الخضروات والفواكه ولحوم الدواجن واللحوم الحمراء والأسماك.
ودعا الملك عبد الله في كلمته، المجتمع الدول بالقول «آن الأوان للتوصل إلى اتفاق حول نظام تجاري عالمي متوازن يحقق أهداف الألفية الثالثة المتعلق بالأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة للعالم بصورة عامة وللدول النامية بصورة خاصة التي منها عالمنا العربي»، مشددا على أن أهمية هذا الأمر في الوطن العربي الذي مازال يواجه اتساعا مستمرا في الفجوة الغذائية التي تزداد لعدم مواكبة الإنتاج للزيادة المتسارعة في الطلب من جراء التصاعد المستمر في أعداد السكان في الوطن العربي الذي زاد من نحو 3.224 مليون نسمة عام 1990 إلى نحو 337 مليون نسمة عام 2007.
وشدد الملك في كلمته أمام وزراء الزراعة العرب، أن الوطن العربي يزخر بالموارد الطبيعية من ماء وارض وظروف مناخية مناسبة وإن كانت غير متساوية التوزيع بين دوله إلا أن هذه الحالة تستدعى التنسيق والتعاون الوثيق للاستفادة من هذه الموارد من منظور عربي إقليمي، موضحا أن الاستثمار في الزراعة بالدول ذات الموارد الطبيعية المتوفرة والميزة النسبية في إنتاج السلع الغذائية يعتبر أحد المتطلبات الأساسية لتضييق الفجوة الغذائية العربية. في هذا السياق تؤكد المعلومات المتوفرة ضعف الاستثمارات العربية الموجهة إلى الزراعة مقارنة بالقطاعات الأخرى في معظم الدول العربية.
ويرى خادم الحرمين الشريفين وجوب الاستمرار في مراجعة وتطوير السياسات والتشريعات والبرامج والآليات التي تجذب الاستثمار في المجال الزراعي في الدول ذات الإمكانيات والموارد الزراعية المتوفرة خاصة من القطاع الخاص، متطلعا أن تترجم قرارات الاجتماعات التي تنتهي اليوم الأربعاء إلى آليات ومشاريع محددة لتعزيز الاستثمار الزراعي في الوطن العربي، مناشدا بمناقشة دور تأثيرات المتغيرات العالمية على الأمن الغذائي في الوطن العربي شاملاً أنجع السبل لمواجهة هذه المتغيرات العالمية، مشيدا في الوقت ذاته بدور المنظمة العربية للتنمية الزراعية والقائمين عليها على ما بذلوه من جهد في تعزيز وتطوير العمل الزراعي العربي المشترك والتوصل إلى النتائج المرجوة في تطوير وتكامل الزراعة في الوطن العربي. إلى ذلك تمت إجراءات انتخاب رئيس الدورة حيث تم تسليم رئاسة الدورة للجمعية العمومية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى بالغنيم وزير الزراعة السعودي، بينما تركزت محاور أحاديث الوزراء على أن الدول العربية في مجالات الزراعة والغذاء تواجه العديد من المستجدات والتحديات مثل زيادة التصحر وندرة المياه واتساع المناطق الجافة والأراضي القاحلة بالإضافة إلى تحدي الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي وتغير المناخ وآثاره السلبية على الإنتاج الزراعي علاوة على تحدي استخدام المحاصيل الزراعية والغذائية في إنتاج الوقود الحيوي وانعكاس ذلك على نقص المتاح من الغذاء وارتفاع أسعاره العالمية.