أثار اعلان شركتي النفط العملاقتين «رويال داتش شل» و«بريتش بتروليوم« (بي.بي) أمس، زيادة قياسية في أرباحهما خلال الربع الأول من العام الحالي، بفضل أسعار النفط المرتفعة في الأسواق العالمية، اسئلة حول ما اذا كانت الشركات الاجنبية المتعددة الجنسيات، هي المستفيد الاكبر من الصعود القياسي والمتواصل لأسعار الذهب الأسود، وذلك مقارنة بالدول المنتجة والمصدرة للنفط، وحتى شركاتها الوطنية، كما اثارت أرباح الشركتين جدلا في بريطانيا من انه في الوقت الذي تزداد فيه خزائن الشركتين تكدسا بالأموال، يعاني المواطنون من ارتفاع جنوني في أسعار الوقود. وأعلنت «شل» البريطانية الهولندية العملاقة، تحقيق أرباح قياسية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، قدرها 3.9 مليار جنيه إسترليني (7.8 مليار دولار) في حين، زادت أرباح منافستها شركة النفط البريطانية «بريتش بتروليوم» بنسبة 48% إلى 3.31 مليار جنيه إسترليني خلال الفترة نفسها.
وكانت شل قد حققت العام الماضي أرباحا قياسية قدرها 13.9 مليار جنيه إسترليني.
يذكر أن أسهم «شل» مسجلة في بورصتي لندن وأمستردام، في حين يوجد مقر رئاستها في مدينة لاهاي الهولندية.
وفيما يمثل النفط الشريان الاقتصادي لغالبية الدول المصدرة للنفط والغاز ومداخيله بمثابة «المُعيل» الوحيد لسكان تلك البلدان وعددهم في كثير منها معتبر، فإن الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات ليست لديها نفس المسؤوليات ولا تثقل كاهلها نفس الحسابات والاعتبارات، فبالنسبة لهذه الشركات فإن أهم شيء قد تأخذه في الحسبان هو المساهمون وعددهم وان كبر، فإنه لن يصل الى ملايين السكان، الذين تحتويهم بعض البلدان المنتجة والمصدرة للنفط، كما أن مداخيل هذه الدول حتى وإن بدت كبيرة مع الارتفاع القياسي للنفط، فإن انخفاض الدولار، وهو عملة التصدير الرئيسية، يؤثر كثيرا على مداخيل تلك الدول التي تصدر نفطها بالدولار وتستورد غالبية واردتها باليورو، الذي ارتفع مؤخرا بشكل قياسي أمام الدولار. وتعليقا على الموضوع قال لـ«الشرق الأوسط» مايكل تاسي الخبير في شؤون الطاقة بالمعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن (تشاتهام هاوس) ان أرباح الشركات المتعددة الجنسيات كبيرة فعلا، لكن عملياتها ايضا كبيرة، غير أنه اشار الى أن يجب أن نأخذ في الحسبان، أن هذه الشركات تخصص جزءا من مداخيلها لتطوير الصناعة النفطية، بالإضافة الى ايجاد حلول بديلة للطاقة تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة.
وفي ما يخص حالة التذمر الشعبي التي سببته الارباح القياسية لـ«شل» و«بي.بي» في بريطانيا، حيث اشتكى الكثيرون من انه في الوقت الذي تزداد ارباح الشركتين اللتين تسيطران على حصة كبيرة من سوق الوقود في المملكة البريطانية، فإن معاناة المواطنين تزدادا حدة بسبب ارتفاع اسعار الوقود، اشار تاسي الى أن الشركتين لا تتحملان وحدهما المسؤولية على اعتبار أن جزءا كبيرا من اسعار الوقود، هو ضرائب تفرضها الحكومة على الوقود، ولهذا فالحكومة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية. وان تراجع سعر النفط أمس عن ارتفاعاته القياسية التي سجلها أمس مع ارتفاع الدولار، وانتهاء اضراب في مصفاة بريطانية، فإن رئيس منظمة أوبك أوضح انه لا يستبعد أن يصل سعر النفط الى 200 دولار للبرميل.
وهبط سعر الخام الاميركي الخفيف 92 سنتا الى 83.117 دولار للبرميل، لكنه ظل قريبا من مستواه القياسي البالغ 119.93 دولار الذي سجله أول من أمس الاثنين، بسبب توقف انتاج في بحر الشمال ونيجيريا.
وهبط سعر مزيج برنت خام القياس الأوروبي 99 سنتا الى 115.75 دولار للبرميل.
وارتفع سعر الدولار أمام اليورو والين أمس، وسط تكهنات متزايدة بأن دورة خفض الفائدة الاميركية، أوشكت على نهايتها.
وكانت صحيفة «المجاهد» الحكومية الجزائرية، قد نقلت اول من أمس عن شكيب خليل رئيس منظمة أوبك قوله، انه لا يستبعد أن يصل سعر النفط الى 200 دولار للبرميل، رغم أن الامدادات كافية، وذلك لأن انخفاض قيمة الدولار هو الذي يحرك السوق.
ونقلت رويترز عن المجاهد قوله، ان خليل سئل في لقاء مع الصحافيين حول امكانية ارتفاع سعر النفط الى 200 دولار للبرميل، فلم يستبعد هذا الأمر، مفسرا ذلك بأن ارتفاع النفط أصبح مرتبطا بانخفاض الدولار الاميركي أو ارتفاعه.
ونسبت الصحيفة الى خليل قوله في تصريحات للصحافيين، انه من حيث العوامل الأساسية، فإن المخزونات مرتفعة والطلب يتراجع والامدادات كافية، وانه لولا المشاكل السياسية وانخفاض الدولار، لما كانت الاسعار عند مستوياتها الحالية المرتفعة.
ويشغل خليل، المسؤول السابق بالبنك الدولي أيضا، منصب وزير الطاقة الجزائري.
وأضاف أن «الأسعار مرتفعة بسبب الركود في الولايات المتحدة والازمة الاقتصادية، التي مست دولا عدة، وهو وضع كان له أثره على انخفاض قيمة الدولار، ومن ثم فإن كل مرة ينخفض فيها سعر الدولار واحدا في المائة، فإن سعر البرميل يرتفع أربعة دولارات والعكس صحيح».
واضاف «اذا ارتفع الدولار بنسبة عشرة في المائة.. فمن المحتمل أن تنخفض أسعار النفط بنسبة 40 في المائة».
وتابع أنه اذا تحسن أداء الاقتصاد الاميركي من الآن وحتى نهاية العام «فسيساعد ذلك على استقرار السوق. لكن لا أعتقد أن زيادة الانتاج ستساعد على خفض الاسعار.. لأن هناك توازنا بين العرض والطلب، كما سجلت مخزونات البنزين في الولايات المتحدة فائضا، وارتفعت الى أعلى مستوياتها في خمس سنوات».
ونسبت صحيفة «الوطن» الجزائرية المستقلة الى خليل قوله، انه اذا استمرت قيمة الدولار في أسواق العملة عند مستواها الحالي، فمن المتوقع أن تبقى أسعار النفط بين 80 و110 دولارات للبرميل.
من جهته، قال بيتر فوسر المدير المالي التنفيذي في مجموعة «رويال داتش شل» أمس، ان اسعار النفط التي تقترب من مستويات قياسية، تنطوي على عنصر مضاربة، وان الامدادات كافية في الاسواق العالمية.
من ناحيته، رفض الرئيس الاميركي جورج بوش أمس، خفض مخزون النفط الاستراتيجي الاميركي، معتبرا ان ذلك لن يؤثر على اسعار النفط العالمية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بوش قوله، ردا على سؤال عن احتمال وقف امداد الاحتياطي الاستراتيجي الاميركي بالنفط، «إننا نشتري حوالي 67 الف برميل نفط يوميا (...) الطلب العالمي يبلغ 85 مليون برميل يوميا».
واضاف «لا اعتقد ان المس بعشر الواحد في المائة من الطلب، سيؤثر على الأسعار»، مضيفا «من مصلحتنا الوطنية» الابقاء على المخزون لـ«مواجهة اي اضطراب محتمل كبير في سوق النفط الخام».