تتباين الاشارات الخاصة بواقع الاقتصاد اللبناني ومستقبله بتباين العوامل المؤثرة سياسياً واقتصادياً وسط تردد مواز في قرارات المستثمرين واصحاب الرساميل من الخارج بانتظار تطورات اكثر وضوحاً تتيح اتخاذ القرارات المناسبة.
ويزيد من حدة الحذر في تقويم معطيات الاقتصاد اللبناني الاختلاف الحاد بين ترقب المتفائلين بنهوض قوي وقياسي سيعقب اية تسوية سياسية تفضي الى اعادة اطلاق المؤسسات الدستورية وبين نذر التداعيات والانهيارات التي تهدد معظم قطاعات الانتاج على الخلفية السياسية ذاتها للقائلين بانعدام فرص التوافق الداخلي وبالتالي الاقليمي للخروج من المأزق الحالي تبعاً للتباعد الصريح في مواقف الاطراف المعنية.
ويندرج في نطاق التباين زيارة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى نهاية الاسبوع الحالي للمشاركة والقاء كلمة في «منتدى الاقتصاد العربي» الذي تستضيفه بيروت يومي 2 و3 مايو (ايار) المقبل، بعدما تحفظ سابقاً عن العودة لاستكمال وساطته السياسية المتمثلة بالمبادرة العربية. فيما يتفاءل البعض بحوارات سياسية جديدة تفضي الى انجاز استحقاق انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في الجلسة النيابية المقررة يوم 13 مايو (ايار) المقبل ما يعيد لمهمة موسى وهجها السياسي.
وعلى خط التباين ايضاً، اجماع الاطراف السياسية على «تلزيم» الحكومة موضوع تصحيح الرواتب والاجور للقطاعين العام والخاص بمنأى عن الاقرار بشرعيتها ام عدمها، علماً ان قدرة المؤسسات المعنية بما فيها الدولة على زيادة انفاقها يتطلب الحصول على موارد مالية اضافية. وهذا يتطلب بدوره رفع الاعباء التي تعانيها القطاعات الانتاجية جراء الازمة الداخلية وعودة مجلس النواب الى ممارسة دوره التشريعي بغية اقرار مشروع قانون الزيادات بعد احالته من الحكومة. والاهم اقرار المشاريع المالية الاصلاحية وتأمين انسياب الموارد المالية المحصلة من مؤتمر «باريس ـ 3» فضلاً عن مناقشة واقرار الموازنات العامة المتراكمة لاربع سنوات كمشاريع قوانين محالة من الحكومة ذاتها.
وفي هذا السياق، يؤكد وزير المال جهاد ازعور «ان لبنان قادر على النمو بمعدل سبعة الى ثمانية في المائة سنويا بسهولة اذا عادت الاوضاع السياسية الى الاستقرار» لافتا الى «ان الاستثمارات لا تزال تتدفق على لبنان» والى «أن نشاطا ملحوظا يسجل في القطاع العقاري»، مشددا على أن «الحكومة نجحت في إتمام ثلث برنامجها الإصلاحي، وأن لبنان قادر على استعادة موقعه المحوري في المنطقة رغم بروز منافسين جدد». ويكشف «ان الحكومة أرسلت عشرة مشاريع قوانين جديدة إلى مجلس النواب تهدف إلى تطوير بيئة ممارسة الأعمال في البلاد» وبأن «الخصخصة ستلعب دورا كبيرا في تطوير وجذب المزيد من الاستثمارات إلى لبنان».
ويظهر التقرير الفصلي الخامس عن تقدم العمل في تنفيذ مقررات مؤتمر «باريس ـ3» أن لبنان وقع حتى نهاية مارس (آذار) الماضي (أي بعد سنة وشهرين من المؤتمر) اتفاقات مع الدول والمؤسسات المانحة، تتعلق بنحو 59 في المائة من المبالغ التي تعهدت خلال المؤتمر بتوفيرها للبنان، أي ما قيمته 4.4 مليار دولار من اصل 7.6 مليار. فيما حققت الحكومة تقدما في تنفيذ 140 مبادرة اصلاحية، أي ما يوازي 47 في المائة من مجمل المبادرات التي تتضمنها الخطة الاصلاحية.
اما في فئة تمويل المشاريع فقد تم توقيع اتفاقات بنحو مليار دولار، وهو مبلغ يشكل 23 في المائة فقط من مجمل اتفاقات التمويل الموقعة رغم أن هذه الفئة حصلت على أكبر نسبة من التعهدات في مؤتمر «باريس 3» (47 في المائة أي نحو 3.5 مليار دولار)، ومن ابرز اسباب التأخير عدم التئام مجلس النواب وتاليا عدم اقراره عددا من مشاريع القوانين، علماً ان الاتفاقات التي وقعت في هذه الفئة هي خصوصا تلك المتعلقة بهبات والتي لا تحتاج الى موافقة المجلس.
وتركز الاتفاقات التي تم توقيعها على تمويل مشاريع في قطاعات ذات أولوية قصوى، كالماء والصرف الصحي والبنى التحتية والطرق. اما التعهدات التي لم توقع اتفاقات في شأنها بعد، فتبلغ قيمتها 2.471 مليار دولار، منها مليار من المملكة العربية السعودية، و400 مليون من البنك الدولي، و285 مليونا من البنك الأوروبي للاستثمار، و328 مليونا من الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي، و270 مليونا من المفوضية الأوروبية، و118 مليونا من ايطاليا، و56 مليونا من المانيا. ومعظم هذه التعهدات (84 في المائة منها) تتعلق بقروض وتحتاج تاليا الى موافقة مجلس النواب، وهذا ما يدفع بالحكومة الى السعي مع الجهات المانحة الى تحويل تعهداتها من دعم المشاريع الى دعم مباشر أو غير مباشر للموازنة.