حقول الألغام في العراق.. عواقب مدمرة للمدنيين وجهود التنمية

4 آلاف منطقة ملوثة بالمخلفات الحربية.. 55 مليون قنبلة عنقودية و25 مليون لغم

جندي بريطاني يقدم عرضا للتوعية بمخاطر الألغام في البصرة
TT

يعتبر العراق واحداً من اكثر بلدان العالم تلوثاً، وجزء كبير من هذا التلوث مرده الى حقول الألغام التي زرعت بدءاً بثمانينات القرن الماضي خلال الحرب مع ايران، وتلك التي زرعت خلال النزاعات عامي 1991 و2003، واعمال العنف الجارية حاليا.. وترتبت على كل ذلك عواقب مدمرة في كثير من الاحيان بالنسبة للمدنيين وعرقلت التنمية.

وتركت ثلاثة عقود من الحرب أثراً مميتاً في العراق حيث أصبحت أكثر من 4 آلاف منطقة فيه ملوثة بالمخلفات الحربية مثل الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة التي تحصد يومياً أرواح أبرياء. وأشار مسح اجرته المنظمة الدولية للمعوقين عام 2006 الى ان ما لا يقل عن 55 مليون قنبلة عنقودية منتشرة في العراق، فيما هناك أكثر من 25 مليون لغم ارضي، أي ما يعادل لغم لكل عراقي. وتقول الحكومة العراقية إن جهودها لمواجهة الارهاب كانت على حساب الاهتمام بموضوع الالغام. وتؤكد تقارير ودراسات صادرة من منظمات دولية تعنى بضحايا الالغام ان مشاريع البنى التحتية واعمال التنقيب عن النفط في مناطق عديدة من العراق تصطدم بحاجز تلوث تلك المناطق بالمتفجرات من مخلفات الحرب، اضافة الى ان تلك المخلفات تحول دون وصول المساعدات الانسانية وتعرقل مشاريع التنمية وتمنع الوصول الى الاراضي الزراعية وتحرم عائلات بأكملها من الدخل عند تعرض معيلها للقتل او الإصابة بعاهات مستديمة بانفجار هذه المخلفات.

ويوضح ديفيد شيرر، منسق الشؤون الإنسانية في بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) لـ«الشرق الاوسط»، ان التلوث الشديد نتيجة للألغام الأرضية له العديد من الآثار المختلفة، «ففضلا عن الأضرار التي تحدثها للاشخاص العاديين فهناك آثار على التطوير الاقتصادي للبلاد، وهو ما دفع الى زيادة الجهود للحد من الأضرار التي تسببها الالغام، وعلاج ضحاياها». ويؤكد المسؤول الأممي ان انشطة وبرامج تطهير ومعالجة مناطق ومدن العراق الملوثة بالاعتدة والذخائر الحربية الصغيرة تشكل اولوية خلال العام الحالي.

وبدأت الحكومة العراقية والجهات المعنية حملة لإزالة الالغام بعد ان تم وضع خارطة من قبل خبراء في المساحة والهندسة العسكرية، اضافة الى مهندسين جيولوجيين، وبدعم من بعثة الامم المتحدة العاملة في العراق. ويؤكد المهندس، المسؤول بمركز التقنيات والمعلومات في وزارة البيئة، عيسى الأعرجي لـ«الشرق الاوسط» ان جهودا دولية ومحلية واقليمية تبذل من اجل وضع برنامج لمعالجة هذه المشكلة. وكشف استراتيجية وضعت من قبل اطراف دولية عدة لمساعدة بلاده في التخلص من الالغام.

ويعكف عشرات الخبراء والمختصين بازالة الالغام ومخلفات الحروب الآن وفي مناطق متفرقة من العراق على تنفيذ ما ورد في الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة العراقية مع اطراف دولية وتضمنتها خريطة العمل الحالية لإزالة وتخليص العراقيين من تلك المدمرات البشرية.

ويقول كنت بولوسون، كبير مستشاري الأعمال المتعلقة بالألغام لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، «ان تطهير الذخائر الخطيرة في العراق سيكون له الأثر المباشر والفوري على السكان العراقيين، وإذا قمنا بزيادة جهودنا يمكننا إزالة أحد مخاطر الأمن الإضافية التي لا حاجة للشعب العراقي لها وتسهيل إعادة إعمار المجتمعات الملوثة».

وتؤكد تقارير المنظمة الدولية ان الأطفال تحديداً يعيشون في خطر كبير بسبب الذخائر غير المنفجرة التي يمكن أن يعتبروها أجساما غير مؤذية يمكن اللهو بها، خصوصا بعد ان قدر مسح الأطفال بربع ضحايا الذخائر غير المنفجرة عام 2006 البالغ عددهم 565 ضحية. ويقول روجر رايت، ممثل صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة للعراق (اليونيسيف) «ان المخاطرَ التي يتعرض لها الأطفال بسبب الذخائر غير المنفجرة غير مقبولة، لأن الضررَ الذي تلحقه. يمتد الى أبعد من القدرة الجسمانية المقيدة للأطفال من اجل الذهاب الى المدرسة بسلامة والتمتع بطفولة عادية»، مؤكدا ان الوعي الشامل والتثقيف بالمخاطر يعتبران امرا حيويا كأفضل وسيلة وقائية لهم.. وتدعم الامم المتحدة الهيئة الوطنية لشؤون الالغام في العراق وغيرها من المؤسسات لتنفيذ برامج مستدامة، وذلك من خلال برامج الامم المتحدة الانمائية ومنظمة «اليونيسيف»، حيث تعمل هاتان الوكالتان في شراكة مع المنظمات غير الحكومية المتمرسة، بما في ذلك الفريق الاستشاري للالغام في كردستان العراق، وفريق ازالة الالغام الدنماركي.

ويؤكد فريق بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق أنه منذ عام 2005، فان المشاريع التي تدعمها المنظمة الدولية استطاعت تطهير 142 مليون متر مربع في جنوب العراق. كما جرى تدريب وتجهيز المشغلين الوطنيين للعمل على ازالة الالغام للإغراض الانسانية مع تركيز خاص على الأراضي الزراعية والمراعي.. ويشير الفريق الى انه في عام 2007 قدمت «اليونيسيف» وشركاؤها من منظمات المجتمع المدني لأكثر من 300 الف من البالغين والأطفال معلومات عن الالغام والذخائر غير المنفجرة.

وتؤكد البعثة أن انعدام الامن ونقص التمويل اللازم لإزالة الالغام، وما ينتج عنه من نقص في اعداد المشغلين الذين يعملون على ازالة الالغام للاغراض الانسانية الناشطة في جميع انحاء العراق، سيعرقل الجهود المبذولة في هذا الاطار، داعية الحكومة العراقية لزيادة قدراتها الذاتية من اجل دعم برامج ازالة الالغام، من خلال التزام سياسي من الحكومة وتقديم المساعدة المالية والتقنية من صناديق المجتمع الدولي، فضلا عن الاموال التي تشكل عاملا حاسما للتوسع في عمليات ازالة الالغام في جنوب العراق ووسطه تحديداً.