بين البنزين والسولار.. نيران الأسعار تكوي المصريين

يرفعون شعار «لا للتدخين.. فقراً لا صحة»

TT

عادة ما يستيقظ المصريون من نومهم كل صباح على أغنية «يا صباح الخير ياللي معانا، الكروان غنى وصحانا» تنطلق من أجهزة المذياع ليستبشروا خيراً، ويرددون الدعاء «أصبحنا وأصبح الملك لله ولا حول ولا قوة إلا بالله». غير ان صباح القاهرة امس كان مختلفاً، فوسط هرولة الموظفين للالتزام بمواعيد عملهم، والتلاميذ للحاق بمدارسهم والطلاب بجامعاتهم، كان اللافت للنظر كم هي المشاجرات التي شهدتها وسائل النقل الجماعية بسبب رفع السائقين لتعريفة السعر، كرد فوري على قرار البرلمان أول من أمس بإقرار زيادات في أسعار البنزين والسولار.

وفيما هيأ عدد قليل من المصريين أنفسهم لهذه الزيادة، إلا أن السواد الأعظم من الذين يستخدمون وسائل المواصلات لم يكن يعرف أصلا بوجود زيادة في أسعار البنزين، مما دفعهم لاتهام السائقين بالكذب، إلا أنه بمجرد مطالعتهم لصحف الصباح التي حملت أخبار الزيادة، تأكدوا من صدقهم. «كنت أدفع يومياً ثلاثة جنيهات في وسيلتي مواصلات في الذهاب والإياب من عملي يومياً، والآن أصبحت أدفع ما بين أربعة إلى خمسة جنيهات»، هكذا عبرت مها عبد الله، سكرتيرة بإحدى الشركات الخاصة بحي المهندسين بالجيزة، وتقطن في حلوان، عن حالها بعد زيادة أسعار البنزين والسولار، مضيفة «كنت استقل مترو الأنفاق وتذكرته بجنيه واحد، ثم حافلة صغيرة (ميكروباص) أجرتها 50 قرشا في الذهاب، ومثلهما في الإياب، الآن زادت أجرة الميكروباص إلى جنيه». وقالت مها التي تتقاضى راتبا قدره 600 جنيه مصري (الدولار يساوي 5.34 جنيه مصري) «فرحت بالعلاوة التي قالوا إنها ستطال العاملين في القطاع الخاص، الآن أصبحت لا أريد أن أقبضها لأنها جعلت الأمور تزداد سوءاً».

المهندس أحمد علي، دخل لتزويد سيارته المصرية الصنع صباح أمس إحدى محطات الوقود بوسط القاهرة، ليفاجأ بزيادة أسعار البنزين فئة 90 أوكتينا 45 قرشا. وقال لـ«الشرق الأوسط» قبل عامين «كنت أضع في سيارتي 10 لترات بنزين فئة 90 أوكتينا بمبلغ عشرة جنيهات، وقبل عام أصبحت أضع 15 لترا بمبلغ 19.50 جنيه بعد أن رفعت الحكومة أسعار المنتجات البترولية، اليوم أصبحت أضع 10 لترات بمبلغ 17.5 جنيه».

ويقول «مرتبي يبلغ 900 جنيه، وسأبلغ سن المعاش بعد ثلاثة أعوام، أليست نكتة أنه بعد 30 عاماً من العمل لم يبلغ مرتبي 1000 جنيه، إنها نكتة بايخة».

وقال أيمن إبراهيم، العامل بإحدى محطات الوقود بوسط القاهرة، «شهدنا زحاما غير طبيعي أمس بعد الإعلان عن أن الزيادة الجديدة ستطبق بداية من العاشرة مساء الاثنين». وأضاف «تلقينا اتصالا هاتفياً من الشركة مالكة المحطة صباح الاثنين أخطرنا فيه بوقف البيع حتى يتم التأكد من رفع الأسعار، وبالفعل أوقفنا البيع لمدة ساعتين، حتى تلقينا اتصالا آخر من الشركة، تطالبنا بإعادة البيع بالأسعار القديمة، على أن تطبق الزيادة بداية من العاشرة مساء». أحد سائقي الميكروباص، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من «الحكومة»، قال لـ «الشرق الأوسط» بعد أن أنهى مشاجرة مع عدد من الركاب فوجئوا بزيادة تعريفة الركوب «اشتريت سيارتي بالتقسيط، وأدفع شهريا 750 جنيهاً، وإذا لم ارفع تعريفة الركوب بعد قرار زيادة أسعار السولار سأدخل السجن لعجزي عن سداد الأقساط».

وكشف حسن العاصي، عامل بشركة حلوان للحديد والصلب، عن بعد آخر للأزمة بقوله: «قررت التوقف عن التدخين حتى لا أضيع نصف مرتبي بعد زيادة الأسعار بهذا الشكل». وتابع شعارنا الآن هو «لا للتدخين.. فقراً لا صحة». وأضاف ساخرا: «كنت أتبادل مع أصدقائي السجائر على سبيل التحية، اليوم رأيت كل واحد منهم يمسك بسجائره وكأنها كنز ثمين لا يجب التفريط فيه».

وكان مجلس الشعب المصري قد صادق مساء أول من أمس على مشروع قرار تقدم به الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، الذي يرأسه حسني مبارك، يقضي بزيادات في أسعار الوقود والسجائر وتراخيص السيارات. وبدأ تطبيق قرار رفع أسعار الوقود منذ العاشرة من مساء نفس اليوم، وبررت الحكومة المصرية هذه الزيادة بتوفير مصادر لتمويل زيادة العلاوة الاجتماعية التي أعلنها الرئيس مبارك، والتي بلغت 30% من الأجر الاساسي للعاملين في الدولة. بدوره، انتقد الدكتور محمود عبد الفضيل أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة توقيت تلك الإجراءات، ووصفه بالسيئ للغاية. وقال: «كان لا بد أن تنتظر الحكومة فترة مناسبة وتدرس البدائل بتأنٍّ حتى لا يشعر المواطنون بأنهم تعرضوا لخديعة». وكانت الإجراءات الأخيرة سببا أيضاً في إثارة قوى المعارضة في مصر، فاتهمت جماعة الإخوان المسلمين في بيان الحكومة بخداع «الشعب عندما وعدته بزيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة قدرها 30% قبل احتجاج 4 مايو (ايار) الجاري، وإذ بالشعب المصري يفاجأ بعده بيوم واحد برفع الأسعار بهذه الطريقة لتأخذ بالشمال أضعاف ما أعطته باليمين». وطالبت الجماعة الحكومة في بيانها بالبحث عن موارد حقيقية للتيسير على حياة الناس وتحصيل حقوق الدولة لدى كبار رجال الأعمال، والضرب على أيدي من وصفتهم بالفاسدين والمفسدين واللصوص. من جانبه، لفت النائب سعد عبود عن حزب الكرامة إلى أن الرئيس مبارك في خطابه الأخير اعترف بأن نسبة التضخم 80%، ورغم ذلك أقر علاوة 30% فقط. وأشار إلى أن «المجاعة ستحل بمصر خلال أشهر قليلة مع زيادة التضخم وانخفاض القوة الشرائية».

في الوقت نفسه وفي تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، قالت مصادر رسمية بوزارة المالية المصرية إن الحكومة تستعد لوضع سياسة سعرية ثابتة لجميع مصادر الطاقة لمدة 15 عاما حتى 2022، وبحسب تأكيدها، فإنه «ستصبح أمام الحكومة عقب نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل دراسة دولية متكاملة تشمل الهيكل التسعيري لجميع مصادر الطاقة يجريها حاليا مكتب «كانتور» اليوناني ستقدم حلولا متوسطة وطويلة المدى لإعادة التوازن لسوق الطاقة.

في غضون ذلك، كلفت وزارة البترول المصرية مكتب «نيكسنت» الأميركي بإجراء دراسة أخرى لوضع استراتيجية للطاقة حتى 2027 تشمل تقييماً للاحتياطات وتنويع مصادر الطاقة؛ بما فيها الطاقة النووية.