أصوات تطالب بإعادة النظر في استراتيجية الوقود العضوي

ثلث محصول الذرة الأميركي موجه لإنتاج الوقود

TT

في البداية اثارت فكرة الوقود العضوي الكثير من الحماس في الاوساط الاقتصادية والمالية، فهذا وقود لا ينضب، على عكس الوقود الاحفوري، يمكن انتاجه من المواد العضوية الزراعية، في داخل الدول نفسها ويحميها من تقلبات اسعار النفط والمؤثرات السياسية. الا ان ازمة المواد الغذائية التي شاهدها العالم في الاونة الاخيرة وادت الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية، وتنذر بندرتها في الاسواق، وتسببت في بعض اعمال العنف في العديد من دول العالم، ادت الى ارتفاع العديد من الاصوات في العالم تطالب بإعادة النظر في مفهوم الوقود العضوى، وسط استعداد الامم المتحدة لعقد اول اجتماع لقوة العمل الخاصة لبحث ازمة الغذاء، ودعوتها لعقد «قمة غذائية» في روما، بينما طالب عدد من اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي، من بينهم جون ماكين مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة، بوقف زيادة انتاج الايثانول.

ففي بروكسل دعا اقتصادي اميركي معروف هو جيفري ساكس الولايات المتحدة وأوروبا الى اعادة النظر في استخدام الوقود العضوي الذي يؤكد انه ساهم في زيادة اسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي بتحويل الاراضي الزراعية الى انتاج الطاقة، بدلا من انتاج الغذاء. وقال ساكس، المستشار الخاص للامم المتحدة، ان الاهداف الرامية الى انتاج المزيد من الطاقة التي تفرز كميات اقل من ثاني اوكسيد الكربون عند حرقها «لم يعد لها معنى الان في ظروف ندرة وزيادة اسعار المواد الغذائية العالمية». وكشف الاقتصادي الاميركي، قبل القاء كلمة امام البرلمان الاوروبي، انه في الولايات المتحدة «ثلث محصول الذرة الشامية هذا العام سيستخدم في انتاج الغاز، وهو ضربة قاصمة لإمدادات المواد الغذائية، ولذا يجب تخفيض هذا البرنامج بمعدلات كبيرة». وتجدر الاشارة الى ان الايثانول، الذي يمزج مع البنزين، يمثل حاليا 5 في المائة من وقود السيارات في الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته اوصى عدد من كبار علماء الاغذية في الشهر الماضي، بوقف استخدام المواد الغذائية في انتاج الوقود. واشاروا الى ان ذلك سيخفض اسعار الذرة الشامية بحوالي 20 في المائة. وتجدر الاشارة الى ان برنامج انتاج الوقود العضوي ساهم في نقص المواد الغذائية، الا ان قرار اوروبا بزيادة انتاج الوقود العضوي بسرعة في السنوات القادمة، سيؤثر على انتاج وأسعار المواد الغذائية. وبالرغم من ذلك فهناك بعض الاصوات التي تصر علي ان الوقود العضوي ليس مسؤولا عن ارتفاع وندرة المواد الغذائية. فقد ذكر المتحدث باسم المفوضية الاوروبية مايكل مان، ان الوقود العضوي ليس عاملا هاما في رفع اسعار المواد الغذائية. واوضح ان الاهم من ذلك هو انخفاض انتاجية المحاصيل الزراعية وزيادة الطلب على المواد الغذائية في اسيا والقيود على التصدير في اوكرانيا وروسيا.

وأضاف مان «في اوروبا نستخدم اقل من 2 في المائة من انتاجنا من الحبوب الغذائية لإنتاج وقود عضوي، ولذا فإن مساهمتها في ارتفاع اسعار المواد الغذائية هامشية إن لم تكن غير قائمة».

وأضاف مان ان الاتحاد الاوروبي لم يتوقع ان يؤدي استخدام 10 في المائة من الوقود العضوي من الوقود المستخدم في المواصلات بحلول 2010 ان يؤثر على اسعار المواد الغذائية في المستقبل لأن اوروبا تنوي زيادة مساحات الاراضي المزروعة واستخدام فاقد المحاصيل الزراعية، مثل القش، إنتاج كميات من الوقود العضوي، لتحقيق الهدف.

الا ان ساكس يصر على ان الوقود العضوي في اوروبا يؤثر على امدادات المواد الغذائية، بدرجة متواضعة بسبب تحويل القمح الى ايثانول «وتحويل مساحات من الاراضي الزراعية من انتاج الحبوب الغذائية الى محصول الخردل وغيرها من المواد العضوية المستخدمة في انتاج الديزل العضوي». كما رفض قطاع الايثانول في الولايات المتحدة الادعاء بأن الوقود العضوي مسؤول عن زيادة اسعار المواد الغذائية، وقالوا ان الايثانول – المصنوع من القمح وقصب السكر – وغيرها من المواد العضوي يمثل 4 في المائة فقط من الاسعار. الا ان وزارة الزراعة الاميركية تضع الرقم اقرب الى 20 في المائة. وقال ساكس، الذي يشغل ايضا منصب مدير معهد الارض في جامعة كولومبيا، انه من غير العدل تحميل المضاربين الماليين مسؤولية ارتفاع اسعار المواد الغذائية الرئيسية. وفي نفس الاطار طلب عدد من النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ الاميركي من الهيئات التنظيمية للبيئة استخدام سلطاتها لوقف الخطة الاميركية لزيادة انتاج الايثانول وسط ازمة الغذاء العالمي. فقد بعث 24 نائبا جمهوريا من بينهم مرشح الرئاسة الجمهوري السناتور جون ماكين من اريزونا، برسالة الى وكالة حماية البيئة يقترحون فيها اعادة تنظيم او الغاء اللوائح التي تطالب بزيادة قدرها 5 مرات في انتاج الايثانول في الـ 15 سنة القادمة.

وكان الكونغرس قد اقر قانونا في العام الماضي يدعو لإنتاج 15 مليار غالون من الايثانول بحلول 2015 و 36 مليار بحلول عام 2022. الا ان ماكين وباقي المجموعة الجمهورية بضرورة وقف هذا القرار لإعادة المزيد من الذرة الشامية الى قطاع المواد الغذائية لإستخدامه في الاعلاف، وتشجيع المزارعين على زراعة محاصيل اخرى.

وقال ماكين في بيان «هذا برنامج مدعوم (لإنتاج الايثانول) – تدفع تكلفته من اموال دافعي الضرائب – وقد ساهم في مشاكل في نقاط الدفع وعلى موائد الطعام وفي ازمة غذاء عالمية». والجدير بالذكر ان المزارعين استجابوا للمحفزات الفيدرالية لإنتاج الايثانول بزراعة اكبر محصول من الذرة الشامية منذ 60 سنة. وتعني انخفاض كميات الذرة المخصصة للاعلاف زيادة في الاسعار تنعكس على سلسلة الانتاج. فقد ذكرت مؤسسة «بيلغريم برايد كوربوراشون» وهي اكبر منتج في العالم للدواجن في الولايات المتحدة ان تكلفة الانتاج ارتفعت بنسبة 200 مليون دولار في الربع سنة بسبب ارتفاع اسعار الذرة والصويا. وفي الامم المتحدة اعرب بان كي موون الامين العام للامم المتحدة عن قلقه من زيادة عدم الامن الغذائي في جميع انحاء بالعالم وقال ان قوة العمل الخاصة التي شكلها لبحث الازمة العالمية «تتحرك بسرعة». وفي الوقت ذاته دعا بان زعماء العالم لحضور مؤتمر «قمة طعام» في روما في الشهر القادم مسلحين «بإفكار جديدة» لمواجهة الازمة العالمية.

واضاف ان قوة العمل الخاصة ستعقد اول اجتماع لها يوم الاثنين القادم.

وكانت العديد من دول العالم، ولا سيما في افريقيا، قد شاهدت احتجاجات واضطرابات بسبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية.

ففي افريقيا شاهدت كل من الصومال وبوركينا فاسو والكاميرون وايفوري كوست وموزامبيق والسنغال وجنوب افريقيا وهايتي ومصر اضطرابات واحتجاجات.

كما شاهدت بعض دول القارة الاميركية اضطرابات هي الاخرى مثل هايتي والارجنتين وبيرو.

ومن بين الدول الاسيوية التي تعرضت لاضطرابات بنغلاديش وافغانستان وفيتنام وروسيا.