كنا في السابق نطالب بتوسيع القاعدة الاستثمارية لسوق الأسهم السعودي. وندعو لطرح أسهم شركات جديدة للاكتتاب العام، بما يتناسب وحجم الاقتصاد السعودي. وها نحن اليوم نشهد تقارب التواريخ بين طرح الشركات الجديدة. لكن الذي بقي على طريق معالجة المشكلة لا يقتصر على اتساع القاعدة الاستثمارية بقدر ما تحتاجه هذه القاعدة من قوة ومتانة.
لا بد أن نقتنع بأننا (ما زلنا) في خضم إعادة بناء القاعدة الاقتصادية للسوق السعودي. وأن من مفاتيح معالجة الوضع السابق تكمن في عدالة تقديرات أقيام أصول هذه الشركات، بالنظر إلى وجود مؤسسات حكومية وشركات وبنوك وقطاعات نفطية (بوعد حكومي) على طريق التخصيص.
وهناك شركات ومؤسسات عائلية قائمة تتأهب هذه الأيام لطرح أسهمها للاكتتاب العام. لأن أساس البناء الاقتصادي يستوجب تقييما عادلا لأصول الشركات المكونة له. ومما يؤيد بأننا نقع في أخطاء عدم عدالة تقييم ممتلكات بعض الشركات، ذلك الخبر الذي نُشر بإحدى الصحف المحلية السعودية قبل عامين تقريباً بعنوان «فيما غيرت مكاتب دراسات الجدوى السابقة بجديدة تعمل تحت إشرافها... وزارة التجارة تتصدى لعمليات تحايل لطرح شركات بعلاوات إصدار مبالغ في تقييم أصولها» ... وهو ما يشير إلى إمكانية التشكيك في الجدوى الاقتصادية للشركات التي سبق طرحها.
فمما جاء في الخبر بالنص أنه «بعد الاطلاع على كثير من الملفات التي قاموا بدرسها اتضح للوزارة أنها مكاتب غير مؤهلة، ما نتج عنه طرح شركات في سوق الأسهم السعودية بعلاوات إصدار كبيرة لا تعكس واقع الشركة على أرض الواقع»، كما تضمن الخبر ما نصه «وتأتي هذه الخطوة بعد أن تم اكتشاف كثير من طلبات تحويل الشركات من مغلقة لمساهمة تحمل كثيراً من المبالغات في تقييم أصول الشركات، ما ينتج عنه زيادة غير منطقية لعلاوات الإصدار عند تقديم طلباتها لهيئة السوق المالي)...!. وسبق لي الكتابة في هذه الزاوية بتاريخ 10 يوليو 2004 مقال بعنوان «مهنة التقييم... إلى ماذا تحتاج؟»، أشرت فيه إلى الندوة التي نظمها مكتب الراشد ـ مستشارون ومحاسبون قانونيون تحت إشراف المجلس الاقتصادي الأعلى، والتي عُقدت بفندق الإنتركونتيننتال بمدينة الرياض يوم الأربعاء 30 يونيو عام 2004، بعنوان «ندوة تطوير وتنظيم مهنة التقييم في السعودية». وبالنظر إلى الهدف من عقدها، إضافة للتعريف بهذه المهنة، ودعوة وأخذ ما لدى نخبة من المدعوين، من الخبراء في مجالات مختلفة، كالاقتصاد والقانون والمنظرين من الكتاب الصحافيين، من خلال طرح وتداول أهم المحاور محل النقاش... وضع تعريف واضح ومتفق عليه لمهنة التقييم، والمقومات اللازمة لنجاح هذه المهنة، وتصور للشكل القانوني لهيئة التقييم، والمعايير التي تحكم هذه المهنة والممتهنين لها، وقواعد وآداب سلوكياتها المهنية، ومصادر تمويل الهيئة المعنية بها، وشهادة زمالة المقيمين، والتعليم والتدريب المستمر للممارسين لمهنة التقييم. اليوم نحن نتساءل: ماذا ننتظر لكي نصدر نظام مهنة التقييم. بالقدر الذي لا يعطي ملاك الشركات الجديدة أكثر مما يستحقون على حساب المكتتبين الجدد، ولا يبخسهم حقوقهم ليبعث في نفوسهم مشاعر الغبن على أموالهم. وختاماً... المجتمع السعودي بدأ يحقق نوعاً من الوفورات المالية التي ينتظر منها أن تعزز الطلب على الاكتتابات الجديدة. لكن المستثمر بقدر ما يجد من طمأنة تجعله يتخذ قرار الاكتتاب على هدى، بحاجة إلى نوع من الشفافية حول مصداقية التقييم ليتخذ قراره: هل يساهم بكل ما لديه في الشركات الجديدة التي تطرح؟، أم يكتتب ويبيع بأول يوم من تداولها؟، أم يكتتب ويشتري (أيضاً) ليقوم بتجميع اكبر قدر ممكن من هذه الشركات؟، أم يُعرض عن الاكتتاب فيها؟.
*كاتب ومحلل مالي