هناك وجوه اميركية عدة ارتبطت صورتها بسياسة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، المتعلقة بنشر الديمقراطية في العالم العربي، التي كانت الحرب في العراق جزءا اساسياً فيها. وعلى الرغم من ان الكثير من المدافعين البارزين عن هذه السياسة، مثل وكيل وزير الدفاع الاميركي السابق بول ولفوويتز تخلوا عن هذا المسعى بعد الحرج من المشاكل المتتالية في العراق وفشل نظرية «الفوضى الخلاقة»، لا يزال هناك مسؤول سابق متمسك بشدة بـ«اجندة الحرية»، ويسعى لجعلها اساسية في رسم سياسة ادارة الرئيس الاميركي الجديد العام المقبل. فبعد تركه وزارة الخارجية الاميركية في نهاية ديسمبر (كانون الاول) 2007 نائبا لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى، خلق سكوت كاربنتر منصباً جديداً لنفسه، ليمارس مشروع نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، ولكن من جانب اخر يعتمد على التأثير من الخارج على صناع القرار الاميركي. فأسس كاربنتر برنامجاً خاصاً تحت عنوان «مشروع فكرة» في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى»، ويترأسه منذ بداية العام الحالي. وكاربنتر، الذي يتكلم بانفعال واندفاع شديدين عند الحديث عن اهمية الديمقراطية للتنمية في العالم العربي، يؤكد ان سياسة «دعم التغيير الايجابي» في الشرق الاوسط ممكنة، بل ضرورية لسياسة الرئيس الاميركي المقبل. ويرفض كاربنتر، الذي كان عضواً مهماً في سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، التي ترأسها الحاكم المدني للعراق بول بريمر بين عامي 2003 و2004، ان يعتبر العراق دليلاً على فشل مساعي فرض الديمقراطية أو النظام السياسي من الخارج. ويعرف «مشروع فكرة» نفسه على موقعه الالكتروني، على ان هدفه «تمكين المعتدلين العرب والليبراليين في صراعهم ضد التطرف». وقال كاربنتر في حديث خاص لـ«الشرق الاوسط»: عندما كنت في الحكومة كنت اعمل في مشروع يدعم الاصلاح في المنطقة، وما وجدته حينها اننا كنا مشغولين بالعمل نفسه، لم يكن لدينا الوقت الكافي للتفكير بما نقوم به، وما هي افضل طريقة لدفع البرنامج الى الامام ودعم الاصلاحيين في المنطقة، الذين يريدون تغيير مجتمعاتهم. وكان كاربنتر نائباً لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية بين اغسطس (اب) 2004 وديسمبر 2007، حيث كان يشرف على «مبادرة شراكة الشرق الاوسط» لدفع التغيير في الشرق الاوسط، من خلال برامج سياسية واقتصادية واجتماعية. واضاف: في حياة كل مسؤول سياسي، هناك وقت مناسب للبقاء في المنصب ووقت مناسب للتخلي عنه، وعرفت انه يتعين علي ترك المنصب، ولكنني كنت اشعر بالتزام قوي تجاه الشعوب التي وعدتها الادارة بالتزامنا البعيد الامد لدفع المجتمعات الى وضع اكثر استقرارا. ولفت الى ان المعاهد الفكرية في واشنطن «حاسمة للقدوم بالافكار السليمة» مما جعله يؤسس البرنامج الجديد في الوقت الراهن. وشرح: الامر الوحيد الذي نعرفه بالتأكيد هو انه سيكون لدينا رئيس جديد يوم 20 يناير (كانون الثاني) 2009، مضيفاً: بغض النظر من سيكون الرئيس، اريده ان يفكر بهذه القضايا، ولذلك اعطاني معهد واشنطن الفرصة للعمل على هذه القضايا وابقائها في نقاش نخبة السياسة الخارجية والعاملين في الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات. وتابع: اتوقع ان الرئيس المقبل، بغض النظر من سيكون، سيواصل هذه الاجندة ولكن بطريقة اكثر هدوءا من الادارة الحالية. ويشارك كاربنتر في عدد من جلسات النقاش الدائرة في حملات المرشح الجمهوري جون ماكين والمتنافسين على ترشيح الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وباراك اوباما حول السياسة الخارجية لكل مرشح. وقال كاربنتر: «في هذا الموسم السياسي الصاخب لدى كل معهد فكري رئيسي جواز سفر للدخول بافكاره على الحملات الانتخابية». وأضاف انه يقضي الكثير من الوقت في لقاءات مع اعضاء الكونغرس ليطالبهم بمواصلة دعم «مبادرة شراكة الشرق الاوسط»، حتى بعد انتهاء رئاسة بوش. وتابع: حتى لو تغير اسم البرنامج في الادارة المقبلة، المهم ان يستمر المضمون ودعم الشخصيات والمنظمات المعتدلة. وأقر كاربنتر بأن هناك الكثير من الشكوك لدى اعضاء الكونغرس والنخبة السياسية الاميركية من جدوى سياسة دفع التغيير في الدول العربية، اذا كان سياسياً او اجتماعياً من الخارج. وارجع ذلك الى اسباب مختلفة، ففي واشنطن هناك شكوك بأن الديمقراطية في العالم العربي ستؤدي الى مجيء الاسلاميين وعلينا ان نكون حذرين، ويرى اخرون ان العرب غير جاهزين للديمقراطية وعلينا التركيز على الاستقرار فقط، بينما يعتبر اخرون أن المشروع يحتاج الى الكثير من المال لتحقيقه، وغيرهم يرون ان الكثير من الاموال تهدر من دون جدوى. واشار الى ان هناك شكوكا، في المنطقة نفسها، بينها شكوك الحكومات التي تخشى من عمل وزارة الخارجية الاميركية، كما ان هناك مخاوف بين اعضاء المجتمع المدني من ان الحديث معنا سيعني ان حكوماتهم ستستهدفهم، وهناك الذين يتصورون أننا نقوم بهذه الجهود لاسباب خفية فلا يريدون التعاون معنا. واضاف ان هناك سوء تصور في واشنطن والعالم العربي من أن الديمقراطية لها علاقة فقط بالانتخابات وهذا ليس صحيحاً، ولكن هذا ما يتصوره البعض ويقولون ان المنطقة غير جاهزة للانتخابات فلا يمكن احلال الديمقراطية. ولكن كل هذه الشكوك لا تضعف عزيمة كاربنتر المقتنع بشدة بعمله. ورداً على سؤال عن نتائج التجارب الديمقراطية في العراق وفلسطين، وعدم الاستقرار والمزيد من المصاعب للشعوب، تساءل كاربنتر: ما هو الحل؟ هل علينا التراجع والعودة الى الوراء مثلما يحاول المصريون فعله وكبت كل الرغبة في التغيير؟ مضيفاً: هذا غير صحي وليس في مصلحة مصر أو مصلحة الولايات المتحدة. وقال كاربنتر عادة ما ينتقد الاميركيون الانتخابات في فلسطين، التي ادت الى نجاح حماس عام 2006، ولكنه يرد: لا اعتبر هذه التجربة ضحية للديمقراطية، في النهاية السياسة هي التي ستكون الحل في فلسطين وليس حمل السلاح، وفي النهاية ستكون هناك انتخابات اخرى في فلسطين وعملية مشاركة الناس ستشكل التقدم الى الامام. واضاف: الامر نفسه في العراق، الكل ينتظر الانتخابات المحلية ليستقر الوضع، لأن الكثير لم يشاركوا في الانتخابات السابقة، وبعد وقت من النضج السياسي اصبحت هناك رغبة اوسع في المشاركة، وهناك ضغوط متصاعدة لاجراء الانتخابات وجلب قادة جدد في العملية السياسية. وحذر من خطورة ان يقرر الاميركيون أن هذا الامر مستحيل أو في غاية الصعوبة، ليعتمدوا على الحكومات ويأملون بأن تسير الامور على خير، ولكن ذلك لن يكون جيداً للمنطقة ولا لمصلحتنا الامنية في الولايات المتحدة. ويفخر كاربنتر بدوره في كتابة الدستور العراقي المؤقت وتشكيل الحكومة المؤقتة، التي ترأسها اياد علاوي عام 2004. وعادة ما يشير الى انه ساهم في اوسع جهد لتثبيت الديمقراطية في بلد واحد منذ سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة. وعند سؤاله عن تداعيات عدم نجاح الخطة الاميركية لدفع الديمقراطية في المنطقة من خلال اسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، يقول كاربنتر: بالطبع (تؤثر المشاكل في العراق) على المدى القصير، فالتوقعات الوردية في عام 2003 محتها حالات التمرد عام 2004، ولكن اتوقع انه بعد 30 عاماً سننظر الى عراق سيكون لديه نظام حكم ليس مثالياً ولكن اقرب الى صوت الناس، ونرى قادة منتخبين ومؤسسات قوية. وأضاف: لا شك ان (ما حدث في) العراق غير كل شيء ولكننا لا نعلم بعد ما هي النتائج النهائية، فانا اكثر تفاؤلاً ولدي شعور بأن اللاعبين السياسيين في العراق يزدادون نضجاً سياسياً، واصبحوا اكثر واقعية في طلباتهم مع ازدياد شعورهم بالامان في مجتمعاتهم وهذا امر طبيعي. ودافع كاربنتر عن عمل سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، قائلاً: كل فكرة مجالس المحافظات كانت جديدة وغريبة على العراق قبل وصولنا وحقيقة وجود ممثلين للشعب على مستوى المحافظات وان سلطات المحافظين محدودة وتمكين المحافظات من خلال الميزانيات، كلها دلائل على نجاح افكارنا وتوسعها. وأضاف: القوانين التي وضعناها لتطور حرية الصحافة بقت حتى الآن، وهناك اصوات مختلفة تعارض كل امر تراه غير مناسب. وتابع: الوضع الأمني جعل من الصعب على المقاولين الاميركيين العمل في العراق، ولكنه اتاح المجال لجعل البرامج عراقية وربما كان ذلك الافضل للعراق.
وأقر كاربنتر بأخطاء السلطة المؤقتة، قائلاً: بالتأكيد ارتبكنا اخطاء ولكن لا اعتقد انه من العدل تحميل السلطة المؤقتة مسؤولية كل المشاكل في العراق. وشرح: سلطة الائتلاف المؤقتة تضمنت بين 3 و4 الاف موظف مدني، ولكن عندما يكون لديك 170 الف جندي على الارض وليس لك اتصالات بنصف البلد، ما تستطيع تحقيقه محدود. وعن حل الجيش، قال كاربنتر: الجيش حل نفسه ولكن قرار حل الجيش قانونياً كان مثيراً للجدل واتفهم ذلك. واعتبر ان اجتثاث البعث كان من اكثر الامور التي نجحنا بها، ومن الاخطاء كان اعطاء العراقيين السلطة في عملية اجتثاث البعث، لأنهم وسعوا تعريف البعثي واقالوا كل من كان بعثياً بدلاً من اعتماد طريقتنا، وهي اقالة فقط المسؤولين الكبار. ورداً على سؤال حول النزاعات الدائرة التي نشبت مع الصراع على السلطة في العراق، على الصعيدين المركزي والمحلي، قال كاربنتر: العراق حالة خارجة عن المعتاد، فهناك امثلة قليلة في التاريخ المعاصر يوجد فيها نظام بقدر اضطهاد نظام صدام ويتم اسقاطه، مما يطلق كل السموم المنتشرة في النظام، هناك نماذج قليلة جداً على هذا النحو. واوضح: غالبية حالات التغيير (الحكومي) تكون تدريجية واحياناً مبنية على التفاوض، مثلما حصل في بولندا أو جنوب افريقيا، مما يعني عدم استقرار محدود وبعدها استقرار. وأكد كاربنتر ان رؤية ادارة بوش لم تكن خلق نماذج عراقية في المنطقة، لا سمح الله، بل ما كنا نريده هو رؤية نماذج ايجابية مثل انفتاح الاقتصاد، ومنح فرص العمل وتطوير انظمة التعليم لتكون مناسبة للقرن الحادي والعشرين، فكل هذه الامور لها علاقة بالسياسات التي نرسمها ونحاول ان نعمل مع حلفائنا عليها. وعن الفترة الزمنية لاحداث هذه التغييرات، قال كاربنتر: هذا الامر سيحتاج الى اجيال، ولكن مثلما يقول المثل، مسيرة الف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ولا يمكن لنا ان نقف بمكاننا لأن الوضع الراهن صعب. واضاف: لا نريد رؤية الثورات وعدم الاستقرار في المنطقة، نريد ان نرى تنفيسا للمنطقة يتمثل بالمؤسسات الديمقراطية والاحزاب السياسية والصحافة الحرة. ولكنه اردف قائلاً: لمنع الفساد ومعالجة الامور بطريقة صائبة يجب ان تكون هناك عملية محاسبة وهذا يعتمد على سيادة القانون. وعن فرص انتشار الديمقراطية في العالم العربي، قال كاربنتر: لا اريد التعميم، هناك بلدان تدعو الى التفاؤل واخرى لا، اشعر بتفاؤل شديد ازاء المغرب فالاتجاه صحيح هنا، وهناك دول خليجية ايضاً تدعو للتفاؤل، ولكن اشعر بتشاؤم شديد تجاه مصر. وعن العراق، قال: نحتاج للوقت، وذلك يعني الوقت لاستقرار الوضع الامني بوجود اميركي، لمنح العراقيين المزيد من الوقت، واذا منح الوقت سأشعر بتفاؤل ولكن اذا لم يمنح فسأكون متشائماً جداً.