يوم في حياة سائق تاكسي ببغداد.. حواجز وأرتال عسكرية ونقاشات ساخنة بين الركاب

أحمد لـ«الشرق الأوسط»: عزائي الوحيد هو ابنتي التي تستقبلني عند عودتي من العمل مساء

عراقي يعاين سيارة تاكسي وقد تحطم جزؤها الأمامي جراء مرور عربة عسكرية اميركية فوقها وسط بغداد (أ.ب)
TT

لا يختلف اثنان على ان الكثير من العراقيين وجدوا أنفسهم يقودون سيارات الأجرة بعدما انسدت بوجوههم سبل كسب العيش الأخرى ولأسباب عديدة. فقد لجأ اليها الموظفون الحكوميون الذين فقدوا وظائفهم وانضم الى هؤلاء العاطلون عن العمل، فالمهنة لا تتطلب من مالك أي سيارة غير وضع العلامة الصفراء الخاصة بسيارات الأجرة.

أحمد، الرجل الثلاثيني الذي لم يجد مفراً من ان يكون سائق تاكسي بين ليلة وضحاها وهو الرجل المثقف الذي درس وتدرج في مهنته الوظيفية قبيل دخول قوات الاحتلال الى العراق، يقول لـ«الشرق الاوسط» انه يعمل في هذه المهنة منذ سنتين «بعد ان اتعبني التنقل بين الوظائف، لاسيما وانا رب اسرة ولدي من الاطفال ثلاثة، يحتاجون الى ان ابذل جهدي الكامل لتأمين حاجتهم التي عادة ما تكون مقننة».

وأحمد، هو احد منتسبي إحدى الوزارات المنحلة وهو لا يشعر بالإحراج كونه سائق تاكسي، يؤكد «عملت في أكثر من مهنة، بعد ان حلت وزارتي وهو أمر عانى منه العديد من زملائي، ولكني كنت التجأ الى التاكسي عندما أشعر أن هناك حاجات اضافية تطلبها العائلة، الأمر الذي جعلني أركز في السنتين الماضيتين على ان تكون مهنتي الرئيسة».

ويبدأ أحمد يومه من الصباح الباكر بنقل مجموعة من الطلبة الى جامعاتهم ثم يستمر في عمله في الشارع طوال فترة الصباح قبل ان يعود الى الجامعة لأخذ الطلبة الى منازلهم ويأخذ قسطا من الراحة لا يزيد على ساعة واحدة يتناول فيها غداءه ثم يعود الى الشارع مجددا. ويقول إن حياته في الشارع يتخللها الكثير من المفاجآت والصعوبات التي تبدأ بنقاط التفتيش وتنتهي بالزحامات. اما الصعوبة الأكبر فتتمثل في قطع الطرق من قبل الأرتال العسكرية، ويؤكد أن هذه العملية تأخذ الكثير من وقته. وتفرض نقاط التفتيش في أغلب مناطق بغداد صعوبات اضافية حيث يصل الانتظار والوقوف في هذه النقاط الى اكثر من 3 ساعات. اما المشكلة الأخرى التي تصادف أغلب سائقي السيارات عموما والتكسيات خصوصا فهي الطرق المغلقة بالحواجز الكونكريتية مما يدخل السائق في بعض الاحيان في حلقة مغلقة من المتاهات لا يخرج منها إلا بعد جهد كبير مستهلكاً الكثير من الوقت والوقود.

ويقول أحمد «في أحد الايام حيث كنت متوجها بأحد الركاب الى منطقة البياع، أدى إغلاق جسر الجادرية الى ان نسلك طرقا تمر بمناطق فيها مشكلات أمنية لاسيما تلك التي حدث فيها عنف طائفي، حيث كنا نحاول الوصول الى تلك المنطقة، لنجد أن رتلا أميركيا توقف في احد الطرق مما استلزم الامر البقاء داخل السيارة لمدة جاوزت الساعتين، الأمر الذي لم يتحمله الراكب ففضل الترجل من السيارة».

ويشكو أحمد أن دخله اليومي يكاد لا يغطي احتياجاته، فبالرغم من انه ملتزم بإيصال بعض الطلبة الى كلياتهم وبسعر يكاد يكون ثابتا وجيدا إلا انه في بعض الاحيان يجد ان تلك المبالغ تتبخر عند حدوث أي طارئ كمرض أحد أطفاله او عند شراء احتياجات اضافية للمنزل. ويضيف «اما المشكلة التي تؤدي الى استنزاف كل ما أدخره من عملي فهي عندما يعترضني عطل في سياراتي فانه يعد مشكلة كبيرة لي ولعائلتي، حيث اضطر الى التوقف عن العمل لأكثر من يومين». ويقول أحمد ان سيارته عادة ما تكون مكاناً لنقاشات ساخنة بين الركاب، ويستشهد بنقاش تحول الى مشاجرة كبيرة بين اثنين من الاصدقاء. ويضيف «بعد ان استأجرني شخصان للذهاب الى احدى الدوائر الحكومية، بدأ حديث وهو عادة ما يبدأه الراكب وفي بعض الاحيان احاول ان اكسر الصمت الذي يحدث خلال فترات الانتظار الكثيرة في الطريق، وغالباً ما يكون راديو السيارة موجها الى اذاعة سوا فجاءت الشرارة من خبر عن حزب الله وانقلابه على الحكومة في بيروت، الأمر الذي جعل أحد الصديقين يجادل الآخر بقوة بأن الجميع ضد حزب الله». ويمضي أحمد قائلا «تطورت الامور الى حد بدأ أحدهما يتهم الآخر بالطائفية.. وسرعان ما طلب أحدهما مني التوقف وترجل تاركا صديقه في سيارتي الذي بقي صامتا خلال ما تبقى من الرحلة».

ويتهم أحمد، مثله مثل غيره من العراقيين، أطرافا عديدة بالتسبب في أزماته، فتجده تارة ناقما على قوات الاحتلال وتارة اخرى على الحكومة وثالثة على جاره الذي يرمي الاوساخ عند باب بيته ورابعة على المسؤول عن تشغيل خطوط مولدات الكهرباء. لكنه يضيف «عزائي الوحيد هو ابنتي سارة التي تستقبلني كل يوم عند عودتي من العمل في المساء وتلاطفني بأسئلتها البريئة عن الاشياء التي احضرتها لها وتطلب مني أحيانا أن أعلمها قيادة السيارة لتساعدني في العمل».