تحتل صكوك المشاركة المتناقصة المرتبة الثانية من حيث حجم الإصدارات في سوق الصكوك، والمقصود بالمشاركة المتناقصة هنا هي قيام الشريك المتمول (المصدر) بشراء حصص شركائه (حملة الصكوك) في المشروع بصفة دورية إلى ان يتم شراء كامل حصصهم وهو ما يسمى (إطفاء الصكوك) وتستخدم هذه الصكوك لتمويل المشاريع العقارية ومشاريع البنى التحتية، حيث تتميز بالمرونة في شروط الإصدار فلا يلزم ان يكون المشروع الممول قائما بل يجوز إصدارها لتمويل الإنشاء. كما يجوز إصدارها لتطوير مشروع قائم بالإضافة إلى قدرة الشركة المصدرة على استخدام أصولها كحصة في هذه الصكوك، وتتميز كذلك بالمرونة في تقسيم الأرباح بين المصدر وحملة الصكوك من المستثمرين. وتمثل صكوك المشاركة حصص ملكية على الشيوع في مشروع معين، فهي كالأسهم إلا أنها محدودة المدة مع إمكانية تحديد سقف أعلى لأرباح حملة الصكوك، وواجهة صكوك المشاركة المتناقصة في الآونة الأخيرة أزمة فقهية بسبب وجود تعهد من مصدري بعض هذه الصكوك لحملة الصكوك بإعادة شرائها منهم بالقيمة التاريخية أو بقيمة محددة سلفا، ومنشأ هذا الخلاف هو ان هذا التعهد هو ضمان لرأس مال الشريك المحرم في الشريعة الإسلامية حيث ان الغنم بالغرم. كما ان رأس مال الشريك يتحول بموجب هذا الضمان إلى قرض فأية زيادة على قيمة القرض تعتبر من الفائدة المحرمة شرعا، إلا ان وجود هذه المخالفة لا يعني إلغاء هذه الصكوك من هيكلة الصكوك الإسلامية بل يجب تصحيح الخطأ والبحث عن بدائل شرعية تغطي المخاطر الناشئة عن عدم وجود مثل هذا التعهد، ومن هذه البدائل ان يتم رفع نسبة العائد على هذه الصكوك بحيث يكون هناك تناسب طردي بين المخاطر والعوائد، فلا يعقل ان يتم احتساب العائد على هذه الصكوك وفقا للسايبور او الليبور، وهما من معايير الإقراض الذي تكاد تنعدم فيه المخاطر سوى مخاطر الائتمان المعتادة في مثل هذا النوع من التمويل. ان هذا الشرح المعرفي لصكوك المشاركة المتناقصة يعتبر تمهيدا لموضوع المقال وهو استخدام صكوك المشاركة لتمويل إنشاء مركز الملك عبد الله المالي المملوك لصندوق مصلحة التقاعد والذي من المتوقع ان يكلف 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) حيث يقوم الصندوق بإصدار صكوك مشاركة متناقصة لكل مرحلة من مراحل المشروع بحيث يتم نقل أصول كل إصدار من هذه الإصدارات إلى الشركة ذات الأغراض الخاصة التي يتم إنشاؤها لهذا الغرض، وفي مرحلة لاحقة يقوم الصندوق بإطفاء هذه الصكوك عن طريق إعادة شرائها بسعر شراء يتم تحديده في نشرة الإصدار ولن يكون المصدر (الصندوق) ملزما في نشرة الإصدار بالشراء. ولكن يتم إلزام حملة الصكوك بالبيع للمصدر وفق السعر المذكور في مذكرة الطرح متى رغب في ذلك المصدر، وبهذا يضمن الصندوق عدم قدرة حملة الصكوك التصرف في الأصول ويتم احتساب الأرباح وفق المخاطر المحتملة ويجوز النص على ألا تتعدى نسبة الأرباح المستحقة لحملة الصكوك نسبة معينة يتم تحديدها في نشرة الإصدار، ويعين الصندوق مديرا لأصول الصكوك على ان يتم إعطاؤه ما زاد عن نسبة الأرباح المستحقة لحملة الصكوك كحافز له عن حسن إدارته.
ان استخدام هذه الآلية لتمويل المركز سوف تحقق المصالح التالية:
اولا: توفير التمويل اللازم للمشروع بعيدا عن تعقيدات التمويل المصرفي واشتراطاته.
ثانيا: المساهمة في امتصاص جزء من السيولة الموجودة في السوق نتيجة انخفاض الفائدة.
ثالثا: ان ما يستتبع هذا النوع من التمويل من متطلبات وإجراءات مالية وإدارية كالإفصاح والشفافية والحوكمة الإدارية كلها ستبقى محصورة في نطاق هذا المشروع ولن تتعداه إلى بقية أنشطة الصندوق بخلاف طرح الذراع العقاري للصندوق كشركة مساهمة عامة.
رابعا: ملكية حملة الصكوك للمشروع ملكية مؤقتة تنقضي بإطفاء المصدر للصكوك بخلاف التمويل عن طريق طرحها كشركة مساهمة.
خامسا: إفساح المجال أمام القطاع الخاص من مؤسسات وأفراد للاستفادة من هذه المشاريع العملاقة.
سادسا: المساهمة في تطوير سوق رأس المال المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في السعودية.
* مستشار في المصرفية الإسلامية