تدور أحداث المسرحية العراقية «حقل الأحلام» التي بدأت عروضها اول من امس على المسرح الوطني، أكبر الصالات الخاصة بالعروض المسرحية في بغداد، في حقل ألغام، حيث تتصارع هناك قيم الخير والشر، ذلك لأن مؤلف المسرحية، الكاتب المسرحي المعروف، فاروق محمد، لم يجد ساحة لصراع أبطاله وتجسيد الوضع العراقي الراهن أفضل من حقل الألغام، إذ قد ينفجر فيك لغم أينما تضع قدميك، وقد يكون لغما بشريا أو طائفيا أو امنيا أو سياسيا، ففي بغداد هناك شعار سائد: «الخارج من بيته مفقود والعائد إليه مولود». تعترف الممثلة بشرى إسماعيل، بطلة المسرحية، بهذه الحقيقة عندما تقول: «نحن نخرج للتمارين او العروض المسرحية ولا ندري إن كنا سنعود الى البيت أم لا».
يقول المؤلف فاروق: «فكرة المسرحية عبارة عن حقل كان فيما سبق عبارة عن قرية مزدهرة بالحياة والسعادة والفرح وتسمى حقل الأحلام، لكن الحروب مسحت هذه القرية من الخارطة، وهجّرت أهلها لتتحول مساحة القرية إلى حقل للألغام».
ويضيف فاروق لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد «تبدأ احداث المسرحية بوقوع شاب في حقل الالغام، اذ ينفجر إطار سيارته ويجد نفسه وسط الالغام. وما ان يحاول التحرك حتى يسمع تنبيه امرأة له بأنه وسط حقل الغام ويجب ان يتحرك بحذر بالغ وإلا انفجر فيه لغم ما».
عرف فاروق بتاريخه الابداعي من خلال تأليفه لأكثر من 14 مسرحية؛ ابرزها الانسان الطيب، ترنيمة الكرسي الهزاز، التي اخرجها البروفيسور الراحل عوني كرومي، ومسرحية «بيت و5 بيبان» من إخراج محسن العلي، إضافة الى مسرحية «الغائب» التي افتتح بها المسرح الوطني عروضه اوائل الثمانينات. كما كتب عشرات الاعمال الدرامية التلفزيونية على مدى اكثر من 30 عاما هو تاريخه مع الابداع الدرامي. ويتميز اسلوب هذا المؤلف المتمكن بترميز الافكار بما يتناسب والحدث الراهن من جهة وصياغته للأحداث بلغة يستطيع ان يفهمها الجمهور العادي.
يقول المؤلف «هذا الشاب، الذي يجسد دوره الممثل الشاب بهاء خيون، ينتمي الى جيل الحرب، او ما اطلق عليه عراقياً جيل الحواسم، اثرى على حساب الآخرين ومصائبهم، وهو بالتالي يمثل الجيل الذي لا يتمتع بأية قيم اخلاقية او اجتماعية، كل ما يهمه هو ان يثرى وباية طريقة كانت».
أما بشرى، فبدأت حياتها المسرحية عام 1981 مع مسرحية «حسين أرخيصش التي ألفها طارق عبد الواحد واخرجها للمسرح العسكري محسن العلي، وجسدت بشرى في الكثير من المسرحيات التي مثلت فيها، أدواراً لن ينساها الجمهورُ العراقيُّ، مثل أدوارها في «بيت و5 بيبان» و«اطراف المدينة» و«المطحنة» و«جذور الحب»، وهي تمتلك موهبة تجسيد الأدوار الكوميدية والتراجيدية بذات الكفاءة، اذ اشتهرت تلفزيونياً من خلال المسلسل الساخر «كاريكاتير» الذي تبثه قناة الشرقية الفضائية.
تقول بشرى: «وجود المرأة هنا اصيل وليس مفتعلا او مفاجئا مثل وجود الشاب الخالي من القيم، المرأة هنا في ارضها، هذه قريتها التي كانت حقلا للأحلام فيما سبق وقد هجّرتها الحرب منها، فعادت لتتفقدها، لتفاجأ بأنها تحولت إلى حقل للألغام. ومن هنا يتصاعد الصراع الدرامي بين الشاب الذي لا يتحلى بأية قيم والمرأة التي تحمل قيم الارض والانتماء اليها، وبالتالي نحن هنا لإيصال رسالة واضحة عن تأثير مصائب الحروب على القيم الاخلاقية وليس فقط على ما هو ملموس ومادي».
وتحدثت الممثلة بشرى عبر الهاتف من بغداد عن معاناتها ومعاناة زملائها، وهم يستمرون بتقديم عروض مسرحية ملتزمة لجمهور متعطش لكل ما هو ابداعي، تقول: «نحن نتدرب على هذه المسرحية منذ نهاية العام الماضي، أي ما يقرب من ستة اشهر، متحدّين الظروف الأمنية السيئة خلال رحلتنا اليومية الى بناية المسرح الوطني، فالتحدي كان ولا يزال هو الأساس والحياة يجب ان تستمر، والحركة افضل من السكون، في الحركة ثورة على الواقع. لذا كان التزامنا بالتدريبات ومن ثم بتقديم العروض كبيرا وبالفعل فيه الكثير من التحدي».
ولا تخفي بشرى سعادتها «بحضور جمهور واسع ومتفهم ونوعي بالرغم من ان العروض تقدم الساعة 12 ظهرا بسبب الظروف. وهذا غير مهم طالما أن المسرحية تقدم والجمهور يأتي لمشاهدتنا.. الجمهور هنا ايضا يخوض مغامرة، اذ ليس هناك مكان آمن في بغداد من الانفجارات، تماما مثلما هي فكرة المسرحية، فنحن نعيش في حقل الغام كبير ومفتوح».
بشرى كانت، وما تزال ترفض فكرة ترك بغداد مثلما فعل الكثير من المثقفين العراقيين، تقول «هنا بيتي وهنا اهلي وهنا خشبة العرض التي أقدم من خلالها اعمالي غير هذه الفكرة تعني بالنسبة لي الموت، والجفاف. وانا اعتبر أيَّ عرض مسرحي او تشكيلي او موسيقي او شعري يقدم اليوم في العراق انجازا كبيرا ونفخر به».
مخرج المسرحية عزيز خيون استخدم سينوغرافيا متواضعة ومعبِّرة عن الحدث مستعينا بمفردات الشارع العراقي اليومية، بقايا سيارات ممزقة بفعل العبوات الناسفة، والوان داكنة تعبر عن المشهد النفسي للعراقيين في ظل الظروف الحياتية الصعبة.
المؤلف فاروق عبر عن إعجابه بأداء الممثلة بشرى والممثل الشاب بهاء خيون، وهو تعمد ان يختصر شخوص العمل بامرأة ورجل، متقشفا في عدد المشاهد حسبما تقتضي الظروف الحياتية في العراق اليوم.