بافيت يستثمر كما لو كان أغنى طفل في العالم يعيش في خمسينيات القرن الماضي بأميركا

الاستراتيجية الاستثمارية لأغنى رجل في العالم تمتاز بالذكاء والدقة

وارن بافيت متحدثا في فرانكفورت أثناء جولته الأوروبية في مايو ( أيار) الماضي (ا.ف.ب)
TT

بالنظر إلى القائمة المتنامية للشركات التي يستحوذ عليها وارن بافت يوما بعد يوم، يبدو أن رجل الأعمال الأميركي يستثمر كما لو كان أغنى طفل في العالم، إذا كان هذا الطفل يعيش في أميركا عام 1955. ويعد بافت أكبر مساهم بشركة «كوكا كولا»، ويمتلك «ديري كوين». وخلال العام الماضي، استثمر بافت في خطوط سكة حديدية «بورلينجتون نورثرن سانتا في». وفي نهاية أبريل (نيسان)، استثمر 6.5 مليار دولار في عملية دمج «مارس» بـ«وريجلي». ما هي الاستثمارات القادمة لهذا الملياردير القادم من نبراسكا؟ هل ستكون في «دي سي كوميكس» أم في «ديزي بي بي»؟ ولكن، من الواضح ان استراتيجية بافت في الاستثمار تمتاز بالذكاء والدقة. وبالنسبة للكثيرين، فإنه مستثمر بارز من نوع خاص. يذكر أن شركة «بركشير هاثاواي» القابضة التي يمتلكها بافت تستحوذ أو لديها حصة كبيرة في العديد من الماركات البارزة مثل «كرافت فودز» و«جونسون آند جونسون». يُقبل المستثمرون الكبار على شركات تتمتع بأسماء مشهورة لها اعتبارها في السوق مثل «آبل» و«تيفاني» و«ديزني» و«ماكدونالد». والفكرة هي أنه على الرغم من أن هذه الشركات الكبيرة قد تكون لديها منتجات مختلفة، فإن طبيعة هذه الشركات، بالإضافة إلى الإدارة القوية والتسويق على نطاق واسع ونظام التوزيع، تعني نظاما متساوقا وعوائد فوق المتوسط على المدى البعيد. وقد قال بافت على «سي آن بي سي» عقب الإعلان عن أنه سيمول جزءا من استحواذ «مارس» على «وريجلي»: «في الواقع، لن تكون هناك مشكلة مع علامات كبيرة مثل «وريجلي» و«مارس»، فقد تمكنتا من الاستمرار لعقود طويلة ويعتمد المستهلكون على المزيد والمزيد من منتجاتهما».

ويقول بعض مديري المحافظ المالية المحترفين إن العلامات التجارية البارزة يمكن أن تكلف منتجاتها أكثر من المنافسين الأقل في السوق وتستطيع التصرف في الأوقات الصعبة بصورة أسهل بسبب ولائهم لعملائهم. ولديهم أيضا القدرة على دفع الكثير للحفاظ على سمعتهم. أضف إلى هذا، فإن العلامات الكبيرة تحرص على الحفاظ على سيطرتها في المجالات التي تعمل فيها، مما يجعل من الصعب على الجدد الحصول على حصة كبيرة من السوق. ويرى محللون أنه من الصعب قياس هذا الأمر، ولكنها بالتأكيد تساهم بشكل كبير في أرباح الشركات التي يستهلكها الملايين في كل يوم. ويقول روبرت ميلان، هو رئيس ومدير بـ«جنسن لإدارة الاستثمارات»: «لا توجد العلامات التجارية البارزة في الميزانية العمومية الخاصة بالبيانات المالية للشركة، ولكن لديها قيمتها بشكل واضح في النشاط التجاري، ونحتاج لسنوات طويلة حتى تحظى إحدى العلامة التجارية بسمعة في السوق، ولكن بمجرد أن تكون قد أخذت مكانها وتستمر أنت في الحفاظ عليها، تحصل على قوة تسعير تتيح للشركة الحفاظ على هامش الربح خلال الأوضاع الاقتصادية المختلفة. ويمكن أن تكرر نفس الأمر مع شركة أخرى، ويؤدي هذا إلى أرباح مستمرة». يذكر أن «جنسن لإدارة الاستثمارات» لديها حصص في «بروكتر آند جامبل» و«كوكا كولا» و«جونسون آند جونسون». ويقول لاري كوتس من أحد الصناديق الاستثمارية إنه يكون لدى الشركات ذات العلامات التجارية البارزة حرص أكبر على رفع الأسعار إذا ما زادت عليها التكلفة. ويكون هذا الأمر حيويا في الأوقات التي تزيد فيها أسعار الغذاء والطاقة. ويضيف كوتس: «يشتري المستهلك ما هو أكثر من المادة الخام، فهو يشتري شيئا آخر، إما العلاقة المبنية على الثقة في المنتج أو تقدير جودته الأعلى». ويمتلك كوتس حصصا في «ثري أم» و«أميركان إكسبرس» و«أوراكل» و«بركشير هاثواي». وقد سعى كوتس خلال الأشهر الأخيرة إلى شراء أسهم في «تيفاي»، التي انخفضت قيمة أسهمها بسبب خوف المستهلكين من أن التراجع في الأوضاع الاقتصادية سيحد من الإنفاق على الكماليات. وقد وجد كوتس أن «تيفاني» تحرص على هامش إجمالي قدره 55-57 في المائة، وهو يزيد على الهامش الذي يحافظ عليه بائع التجزئة في المجوهرات والذي يقف عند 50 في المائة. ويقول كوتس: «بالنسبة للمجوهرات، لا يعرف المستهلك تكلفة المادة التي تباع، ولكنه يعلم جيدا أنه يريد أن يشتري منتجا عالي الجودة من بائع يثق فيه. وبالنسبة للمستهلك فإن هذه المجوهرات تكون في الصندوق الأزرق الذي هو دليل على الثقة».

ومن أهم الأشياء التي تدفع جراي برادشو، من «هودجز» لإدارة رأس المال، للبحث عن الشركات التي تحمل علامات تجارية بارزة هو قدرة هذه الشركات على التوسع في الدول الأخرى. والفكرة هي أنه على الرغم من أن العلامات الناضجة قد تجد مساحة صغيرة للنمو داخليا، لاسيما خلال فترة التراجع في الاقتصاد، فيمكنهم استخدام مصانعهم في الخارج والقوة السوقية الكبيرة لتعديل منتجاتهم بصورة تتيح لهم الحصول على حصة سوقية في الاقتصادات الناشئة. ويضيف برادشو، الذي يملك أسهما في ستاربكس وماكدونالد و«وول ـ مارت»: «يتجه العالم إلى الصناعة بشكل متزايد، وسيكون هناك نحو 2 مليار شخص كمواطنين من الطبقة المتوسطة في العالم وأعتقد أن هؤلاء سيعيشون كما نحيا في أميركا».

وعلى الرغم من أن برادشو يراهن في الوقت الحالي على «كوكا كولا»، التي تحصل على 70 في المائة من عوائدها من الخارج فقد باع أسهمه في «دكتور بيبر سنابل غروب» عندما انفصلت عن «كادبري» إلى أحد المستثمرين الجدد في بورصة نيويورك، ويرجع هذا جزئيا إلى أن 90 في المائة من استثماراتها داخل الولايات المتحدة. وقد أدرك كوتس خطأه سريعا عندما اشترى حصة صغيرة في «إستمان كوداك» عام 2000، عندما كانت بارزة في مجال الأفلام وفي النشاطات التجارية النامية. وكان يعتقد أن هذه العلامة قوية بالدرجة التي تسمح لها تعزيز مركزها في هذا المجال. ولكنه أدرك أن التحديات التي تمثلها الأعداد الكبيرة التي ظهرت من الكاميرا الرقمية والطابعات المنزلية. والنتيجة أنه باع الأسهم، التي كان قد اشتراها في «كوداك» مقابل 50 دولارا في المتوسط، مقابل 39 دولارا. ويوم الجمعة، أقفلت البورصة على سعر 15.32 دولار. ويمكن أن تكون عمليات الدمج والاستحواذ التي يقوم بها المنافسون تحديا كبيرا لأحد المنتجات التي تستحوذ على حصة كبيرة في السوق. ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي، حصل مات كوفلر، وهو مدير المحفظة المالية بصندوق «تاتشستون فاليو أوبرتيونيتز»، على حصة في «بيت» وهي شركة غذائية لديها العديد من العلامات التجارية البارزة. ولكن بعد هذا استحوذت «كامبل سوب»، على شركة «باس فودز». وكان لهذا تأثيره الكبير على السوق. وحتى بافت عانى من بعض العثرات على الرغم من تاريخ الطويل، ففي عام 1989، استثمرت «بركشير هاثواي» 358 دولارا في الخطوط الجوية «يو إس آير» مقابل 9.25 في المائة من أسهم الشركة. وفي خطابه عام 1996 لحملة الأسهم، قال بافت قد خدع بتاريخ الشركة الطويل وعملياتها التي أدرت ربحا كبيرا. وأضاف أنه لم يراع حقيقة هامة هي أن الدولة قد بدأت ترفع يديها عن الخطوط الجوية. وأدى هذا إلى منافسة شرسة أتت على أرباح «يو إس آير». وتمكن بافت من بيع أسهمه في «يو إس آير» محققا أرباحا عام 1998، ليتجنب حادثتي إفلاس لشركة الخطوط الجوية في الأعوام التي تلت، ولكنه قال إن تحليله لهذه الشركة كان «خطأ». كما اشترى بافت في شركة «بير 1» عام 2004، بعد أن ارتفع سهمها إلى أكثر من 25 دولارا، ولكنه باع حصته في عام 2007، في الوقت الذي انخفض فيه سعر السهم إلى أقل من عشرة دولارات. ويقول مديرو المحافظ المالية إنه في الأغلب يبذل المستثمرون الأفراد وسعهم لشراء أسهم في الشركات ذات العلامات التجارية البارزة التي لديها تاريخ طويل من الأرباح والنمو في المبيعات. ويقول كوفلر: تحدث المشكلة عندما يتجه المستثمرون إلى الشركات الكبيرة في أوقات تراجعها. ويضيف: «العلامات التجارية القوية نادرة والأكثر ندرة هو أن تتمكن من شراء أسهما رخيصة الثمن». ويؤكد المحللون على أن الصبر أمر هام جدا. ويقول كوفلر: «يقول بافت إنه عندما يذهب لشراء شركة ما، فإنه يشتريها وفي فكره أنه سيظل ممتلكها للأبد».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)