فتح الله ولعلو لـ«الشرق الأوسط»: ليس من السليم أن يظهر من يدعي القرب من الملك أكثر من الآخرين

مرشح أمانة الاتحاد الاشتراكي المغربي: هناك علاقة بين تشخيص حالة الحزب والوضع السياسي في البلاد

فتح الله ولعلو (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

قال فتح الله ولعلو، أحد المرشحين للامانة العامة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي (مشارك في الحكومة) ووزير المالية والاقتصاد السابق، ان النقاش الذي دار في المدة الاخيرة بين مناضلي الحزب، كشف الحاجة الى مزيد من الشفافية في اصلاح العمل السياسي، مشيراً إلى أن ما حدث خلال اقتراع 7 سبتمبر (ايلول) 2007، أظهر أنه كلما كانت وتيرة الاصلاحات والتغييرات مهمة، ومست الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، رافقها تراجع على المستوى السياسي. وأوضح ولعلو في حديث أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الوضع «يسائل الجميع، ولا يقتصر على الاتحاد الاشتراكي»، مشيراً الى انه توجد علاقة جدلية بين تشخيص حالة الحزب، والوضع السياسي في البلاد. وأضاف ولعلو «ان الحزب شرع في عملية التشخيص، منذ استقالة عبد الرحمن اليوسفي، الأمين العام الأسبق».

وبخصوص موقفه من جمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، التي يتزعمها النائب فؤاد عالي الهمة، قال ولعلو: «ما يقلقني حقا، هو قراءة التاريخ السياسي لبلادنا في عقد الستينات من القرن الماضي. ففي كثير من الاحيان، تخلق أوضاع لتأسيس أحزاب من فوق. هذا أمر غير سليم». واضاف ولعلو ان الاحزاب يجب ان تتولد عن التناقضات الاجتماعية، ولا يمكن ان نذهب الى تجمع أو تكتل يضم كل مشارب الناس، وبالتالي فان فكرة قيام قطب يستقطب الجميع، هي فكرة مناهضة للديمقراطية والتعددية. وهنا ايضا يشتبه علينا الامر، بين الخطاب والواقع.

وأوضح ولعلو قائلاً: «إننا محظوظون في المغرب أن لنا نظاما ملكيا، ننخرط فيه كلنا بنفس القوة. وبالتالي، ليس من السليم سياسيا وديمقراطيا ان يظهر من يدعي القرب من الملك اكثر من الآخرين. إذا أردنا حقا اعادة الاعتبار للشأن السياسي، فيجب في اعتقادي مصاحبة الاحزاب القائمة، كونها تمثل توجهات المجتمع، حتى تلعب دورها في تطوير وتأهيل الديمقراطية». وفي ما يلي نص الحوار الذي جرى في الرباط.

* هل تعتقدون ان حزبكم مؤهل تنظيميا وسياسيا وفكريا لخوض تجربة غير مسبوقة في انتخاب الامين العام والقيادة بواسطة اللائحة؟

ـ فعلا، لا يخلو الامر من جرأة، وكما تعلمون فالانظمة الانتخابية لها مزايا وخصائص وعيوب، ولذلك فكل تجربة انتخابية يجب ان تتبعها محاولة إصلاحها. ولا بد هنا من الاشارة الى ان الاتحاد الاشتراكي، شكل دائما نوعا من المختبر، سواء على مستوى التنظير او التنظيم. فمن الناحية السياسية زاوج حزبنا بين مفهومي الديمقراطية والوطنية، كما كان اول من ادخل في العالم العربي، مفهومي الديمقراطية والاشتراكية، وذلك عام 1975، حينما كان نظام الحزب الواحد سائدا ومهيمنا. وعلى الصعيد التنظيمي كان الاتحاد الاشتراكي سباقا ايضا، فهو الذي صاغ ما يصطلح عليه داخل الحزب «المذكرة التنظيمية»، التي ارتبطت باسم الراحل عمر بنجلون، كما صادق المؤتمر السادس لحزبنا على اجراءات تنظيمية، اضافية لا تقل اهمية عن سابقاتها.

لقد كشف النقاش الذي دار في المدة الاخيرة بين مناضلي الحزب، الحاجة الى مزيد من الشفافية في اصلاح العمل السياسي، ذلك ان الذي حدث يوم 7 سبتمبر (ايلول) 2007، خلال الانتخابات التشريعية، اظهر أنه كلما كانت وتيرة الاصلاحات والتغييرات مهمة، ومست الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، رافقها تراجع على المستوى السياسي. او على الاقل محدودية التطور. وهذا وضع يسائل الجميع، ولا يقتصر على الاتحاد الاشتراكي. من هنا وجب اعادة الاعتبار للشأن السياسي في بلادنا. وفي هذا السياق يشعر «الاتحاديون» بانهم لعبوا دورا لتأهيل الحياة السياسية، عن طريق تجديد الحزب الذي يندرج ضمنه تجديد الآلية الانتخابية.

شخصيا، اعتقد ان النمط الانتخابي الجديد، قد يحسن طبيعة النقاش، لتبتعد عن «الشخصنة»، وكذلك عما نسميه «اللوائح السوداء» وتصبح العلاقات بين الناس سليمة، قائمة على التضامن والتآخي، فضلا على ان النقاش التراكمي سينصب مستقبلا على المشاريع. والمؤكد انه في اطار السعي نحو تجديد الحزب، يلزم على الاتحاديين التمعن بعيدا في المواصفات التي يجب ان يتصف بها المسؤولون الحزبيون، وفي مقدمتهم الكاتب الاول (الأمين العام) لتحقيق القفزة المنشودة التي يستلزمها التطور الديمقراطي للمغرب.

* أشرتم إلى مواصفات قيادة الاتحاد الاشتراكي، فهل تذكرون لنا مواصفات الأمين العام باعتباركم مرشحا للامانة العامة للحزب؟

ـ تعلمون، ان اعتبارات الماضي، التاريخية والاجتماعية، جعلت خلال عقود، موقع القائد او الزعيم محوريا ورئيسيا. يلتف الجميع حول شخصه، وينخرطون في مشروعه، وتلك ظاهرة مرتبطة اساسا بمرحلة الكفاح الوطني من اجل الاستقلال، ومراحل البناء الديمقراطي لاحقا، التي كانت حرجة جدا.

لقد تغير المغرب، جذريا، خلال العقد الاخير، ما يفترض تغيير آلية العمل السياسي، الذي يستوجب بدوره، ان يتسم المسؤول الحزبي بالكفاءة، ليس فقط في المجال الاقتصادي وعالم المقاولة. وان تكون له مصداقية، تتجلى في الاستقامة الشخصية، وفيها كذلك طبيعة مسار عمله، والواجهات التي اشتغل فيها في الماضي، وكيف ينظر الرأي العام اليه. واعتقد انه على الاتحاد الاشتراكي استحضار موقف الرأي العام قبل اتخاذ اية مبادرة، وخاصة بعد تجربة الانتخابات التشريعية الاخيرة.

وانطلاقا مما سبق، يقتضي تحمل المسؤولية الإفصاح عن طبيعة البرنامج التدبيري، الذي يعتزم المسؤول الحزبي تطبيقه، ليكون الحكم عليه في النهاية، بناء على النتائج التي حققها، وبذلك يصبح معيار النتائج او المردودية، اساسيا في الحياة السياسية.

انني أطمح الى ان تتم مستقبلا متابعة عمل المسؤول الحزبي في الاتحاد الاشتراكي، من طرف الرأي العام والمنتسبين.

اضيف الى المواصفات، كذلك طريقة العمل والتدبير، التي اعتبر أنها يجب ان تقوم على اساسين او ثلاثة. في المقدمة يوجد معيار القيادة، والقدرة على الاشتغال ضمن مجموعة او فريق عمل، واشاعة روح التجانس داخله، وذلك بالانصات الى مكوناته ومصاحبتها والدفع بها، في ظل اجواء يسود فيها الاقتناع بان جميع المنتسبين الى الاتحاد الاشتراكي، يشكلون قيمة اضافية، تقوم العلاقات بينهم على الاحترام المتبادل، بدل المواجهة او المجاملة.

ويندرج هذا التوجه، في سياق المراهنة على الانتخابات المقبلة، ليستعيد الاتحاد الاشتراكي ثقله السياسي، مع ملاحظة ان الثقل السياسي كان في الماضي أقوى واكبر من الثقل الانتخابي. غير ان كبوة الانتخابات التشريعية الاخيرة، ربما أثرت على الوضع السابق، رغم إيماننا بان الرهان الديمقراطي في المغرب، محتاج للاتحاد الاشتراكي، كما تحتاجه المنظومة السياسية، باعتباره قاطرة ومكونا اساسيا. وهذا لا يعني الانتقاص من قوة وحجم باقي التشكيلات الحزبية.

* أكيد انكم، قبل اعلان ترشيحكم لمنصب الامانة العامة، قمتم بتشخيص لأمراض الحزب، فما هي خلاصة ما انتهيتم إليه؟

ـ في اعتقادي، توجد علاقة جدلية بين تشخيص حالة الحزب، والوضع السياسي في البلاد، على اعتبار ان ما حدث يوم السابع من سبتمبر، يسائل المغرب كله، دولة وحكومة واحزابا. وحزبنا كانت له الشجاعة والجرأة لفتح الحوار الجاد داخل صفوفه وأجهزته. ويبدو لي اننا شرعنا في عملية التشخيص، منذ استقالة عبد الرحمن اليوسفي، الامين العام الاسبق. بعدها اعددنا ورقة سميناها وثيقة 28 نوفمبر (تشرين الثاني). سجلنا فيها مفارقة مفادها أنه بقدر ما يكون مشروعنا السياسي واضحا، بقدر ما تؤدي آليات العمل المتبعة الى نوع من الانزلاق، يجب مواجهته، وذلك ما اتفقنا عليه. وهذا امر طبيعي تمر به سائر الاحزاب الديمقراطية، ما يجعلها تلجأ الى ممارسة النقد الذاتي، لوقف الزبونية والحلقية وبعض الامراض السياسية التي برزت، بالنظر الى أن الثقافة السياسية للاتحاد الاشتراكي، كانت قائمة على «المعارضة» لعدة عقود. وعندما عدنا لتدبير الشأن العام، وساهمنا في تطوير البلاد، لم نعد بطبيعة الحال قادرين على التحكم في تدبير الآلة الحزبية، بل بدأ ذلك منذ مشاركتنا في تدبير الشأن المحلي في البلديات عام 1976، ما أحدث الهوة التي أشرت اليها في مستهل حديثي بين التطور الشامل الذي عرفته البلاد، مقارنة بوتيرة التطور السياسي. اضافة الى ذلك، فان المكونات السياسية العامة في البلاد، عجزت بدورها عن تجديد آليات التواصل الكفيل بردم الهوة بين السياسي وغير السياسي.

* من خلال جوابكم، يبدو ان حزب الاتحاد الاشتراكي مريض فعلا، هل تقبلون هذا التوصيف؟

ـ ليس الى هذا الحد، فما زال الحزب قادرا على الاجتهاد والابتكار، ويجدد افكاره. إن التنظيم الذي يتحمل ويستوعب نقاشا قويا بداخله لعدة اشهر، لا شك في أنه يمتلك القدرة والقوة، غير انه من المحقق انه مطالب بالتواصل مع المجتمع والمحيط، آخذا بالاعتبار ان المجتمع تغير كما وكيفا.

* كيف يمكن استعادة الثقة؟

ـ ممكن ذلك، عن طريق مراجعة مفاهيم التنظيم التقليدي للحزب، التي اصبحت متجاوزة، والعودة الى الاهتمام بالقطاعات الموازية مثل النساء والشباب، وتلك المرتبطة بالمهن، وخاصة الجديدة التي ظهرت في السنوات الاخيرة، واستوعبت اعدادا من الشباب. هذا الوضع يحتم عليها الخروج من المؤتمر الثامن برؤية مغايرة، تسعى الى تحسين جاذبية الحزب، التي من شأنها خلق جسور التواصل وتقويتها مع مكونات المجتمع.

* ألا ترون ان توجها مثل الذي وصفتموه، يستلزم إجراءات أصعب، وخاصة أن المنتسبين لحزبهم والرأي العام، يلاحظون ازدواجية في موقف الحزب. رأس في السلطة، وآخر لا يريد ان يفك ارتباطه بالمعارضة من خلال التزام ما يسمى «المساندة النقدية للحكومة»؟

ـ مبدأ المساندة النقدية، معمول به في اغلب الحكومات الديمقراطية. خذ مثال الحكومة الايطالية اليسارية السابقة، التي جمعت احزابا من اقصى اليسار الى المعتدل. ما أريد قوله هو ان نتائج الانتخابات تفرض اللجوء الى التحالفات لتشكيل حكومة. ويجب ألا ننسى كذلك اننا ما زلنا في مرحلة الانتقال الديمقراطي والسياسي والفكري، حيث تختلط القيم وتتصارع فيما بينها، في اجواء الدينامية الديمقراطية، التي تجعل الرأي العام قادرا على استيعاب ذلك الصراع وفهمه. وان الاوراق المعروضة على المؤتمر الثامن للاتحاد، تحاول الاجابة على اهم التساؤلات والقضايا الابرز مثل مسألة الهوية، بمعنى كيف يكون الحزب ديمقراطيا واشتراكيا عام 2020، في عالم متغير ومعولم. وفي اعتقادي أنه لا بد من الحرص اقصى ما يمكن على إقامة تجانس بين الاداة والمشروع.

* على ذكر مسألة التجانس، يلاحظ كثيرون انه اصبح مفقودا في الاتحاد الاشتراكي، بدليل ان القوائم المتنافسة التي اعلنت حتى الآن (اربعة) يتشابه متزعموها في كثير من الخصائص، ما يجعلها تتنافس عموما على نفس الكتلة الناخبة، خاصة ان التيارات ليست متبلورة داخل الحزب؟

ـ أعتقد ان المؤتمرين سيفاضلون بين اللوائح، استنادا الى معيار قدرة رأس اللائحة وفريقه على تجديد الاتحاد الاشتراكي. وهذا ما سأدافع عنه، كما انه من حق أي واحد ان يدعي ذلك. والحكم في النهاية متروك لحرية الاتحاديين، وما اسميه «عبقريتهم». وما أود التنصيص عليه هنا هو ان المنافسة الشريفة بين الاخوان الاخرين ستقوي علاقاتنا الشخصية المبنية على ثقافة جديدة.

* اعلنتم ترشيحكم مباشرة بعد اعلان زميلكم عبد الواحد الراضي ترشيح نفسه. ألم يفاجئكم قرار هذا الاخير خاصة أنه يتقاسم المسؤولية السياسية مع محمد اليازغي، الامين العام السابق؟

ـ انا لا أربط بين الترشيحين. والواقع انني لم اترشح خلال مساري الحزبي لاية مسؤولية قيادية. اخواني هم الذين دفعوا بي الى ذلك دائما، ايمانا منهم اني اصلح لذلك الدور، أو لتلك المسؤولية، حزبية كانت ام حكومية. ومن المؤكد ان التغييرات الجارية في المغرب، فرضت اسلوب الترشيح الذاتي المستند الى برنامج واهداف ومشروع والتزامات. وبالنسبة للاخ الراضي، فهو صديق حميم، وتجربة نضالية غنية، هو يكبرني سنا، واحترمه كثيرا، واعتبره أخا كبيرا، لقد عملنا معا في واجهة البرلمان. وما كنت اتمناه هو ان يصبح الراضي، مرجعا في موقع يعود اليه الجميع، لإتاحة الفرصة لعناصر اخرى، لتلعب دورا اساسيا.

من جهة اخرى، لقد اخبرت شخصيا إخواني في قيادة الاتحاد، انني سأوقف عملي في القيادة، عام 2012 ذلك اني اعتبر السنوات الاربع المقبلة منعرجا خطيرا، نهيئ خلاله الاجيال الصاعدة لتحمل المسؤولية. واعتقد ان الرأي العام يسائلنا عن قدرتنا على التجديد.

* التجديد يستلزم الوضوح، والملاحظ أن جريدة الحزب، ساكتة عن الخوض في قضايا المؤتمر. ملاحظة اخرى وصفتم الراضي بـ«الاخ الكبير»، فماذا تقولون عن «الأخ الصغير»، نجل عبد الرحيم بوعبيد، الذي عبر عن رغبته في الترشيح، لاسيما أن الاسم ذو رنين تاريخي؟

ـ لا أدري مدى صحة الخبر الذي نشرته الصحافة. المهم ان علي بوعبيد، يصغرني سنا، وأنا معجب بديناميته الفكرية والسياسية، وهو من العناصر الواعية بالتطور السياسي والفكري لحزبنا.

* خاض الاتحاد الاشتراكي، تجربة الانفتاح على المجتمع، لكنها لم تعط ثمارها، كما تعرضت لانتقادات من داخل الحزب، ما هي تصوراتكم بشأن ذلك؟

ـ انا من المدافعين عن الانفتاح، فالاتحاد الاشتراكي، هو حزب القوات الشعبية، لكن الذين ينخرطون فيه يجب ان يكونوا مقتنعين بمبادئه وقيم الحداثة والديمقراطية والوطنية التي يؤمن بها. وكما تعلمون فان المغرب تغير في المجال الترابي، فقد اصبح يتكون من عدة جهات (مناطق)، تبرز فيها النخب الاجتماعية والاقتصادية وحتى الفكرية. وهذا معطى يجب ان يراعيه الحزب. لقد انتخب المؤتمرون على اساس معيار الجهوية، ويجب المضي ابعد في تجسيد هذا المفهوم.

تغير المغرب كذلك، في مجال القطاعات وهي مرتبطة بتطور الجهات. في هذا الصدد اشير الى ان المغرب قرر في السنوات الاخيرة برنامجا لتكوين اكثر من 10 الاف مهندس، وصل الى 15 الفا. انها نقلة نوعية كبيرة. ومن هنا، يكون انفتاح حزبنا على الفعاليات الجديدة، مراهنة على مغرب الغد والمستقبل، بمشاكله وطموحاته، بنقائصه وانجازاته. اننا بهذا التوجه، منسجمون مع التوجه الاصيل لحزب القوات الشعبية، على الرغم من ان «القوات الشعبية» مفهوم تغير بدوره.

* تحول الاتحاد الاشتراكي، في المدة الاخيرة الى ورش كبيرة للافكار، غير ان القرارات التي اتخذتها القيادة لم تكن في مستوى الانتظارات: انفتاح على المجتمع لم يؤت ثماره، انضمام حزب جديد «الاشتراكي الديمقراطي» لم يحقق الذوبان المطلوب، مشاركة في حكومتين، لم تحقق للحزب مكاسب سياسية كبيرة، ماذا بعد؟

ـ قلت لكم منذ البداية إن التحولات التي عرفتها بلادنا، عميقة وكبيرة في شتى المجالات، ولكن النقاش كامن في ان «السياسي» ونحن جزء منه، لم يساير التحول الحاصل. وهذا هو لغز مرحلة ما بعد عشر سنوات. ومن ثم فان المؤتمر الثامن للحزب، يتوخى معرفة نقط الضعف وجوانب القوة في مسارنا.

* وهل للمؤتمر ما يكفي من الوقت للحسم في القضايا الكبرى؟

ـ الواقع ان المؤتمر بدأ منذ عدة شهور، ولذلك فان فترة «ثلاثة ايام» تكون مخصصة لإنهاء النقاش، وفتح حقول التطور نحو المستقبل. يمكن ان اقول لكم ان الجميع في المغرب ينتظر نتائج مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، سواء الحلفاء، أو حتى الخصوم. إنه ليس في مصلحة طرف ترك فراغ ، علما بانه يوجد من ينزع نحو ملء ذلك الفراغ. يجب القول ان هناك مجالا في الحياة السياسية لا يمكن ان يمثله إلا الاتحاد الاشتراكي، بجانب القوى الديمقراطية الاخرى القريبة منه.

* ألم يقع التفكير كإجراء انتقالي فقط، في الاكتفاء بانتخاب الامين العام وحده في المؤتمر، حتى لا يضيع الحزب في حرب اللوائح، ويتم تجنب القفز نحو المجهول؟

ـ تمت دراسة وبحث كل الأنماط الانتخابية، وهي كلها محترمة. لكن الحاجة الى الشفافية جعلت المجلس الوطني (برلمان الحزب) يقرر الانخراط في الآلية الاقتراعية الجديدة. أعتقد انه يجب عدم المبالغة في الخوف. وربما كان في هذه الجرأة نوع من السلامة.

سيقول الاتحاد الاشتراكي، للرأي العام المغربي إن البلاد تواجه اشكالية في مسارها الديمقراطي، فقد كشفت تجربة الانتخابات التشريعية الاخيرة وجود عدة مخاطر، من بينها بلقنة المشهد الحزبي، والاستعمال غير المشروع للمال في الانتخابات، الى جانب مخاطر إقحام الدين في السياسة، بينما الدين يوحد والسياسة عادة ما تفرق.

لوحظ في المدة الاخيرة كذلك، توجه نحو مأسسة التكنوقراط، الذين أؤمن بكفاءتهم في التدبير من خلال مخالطتي لهم، لكني في نفس الوقت أقاوم إضفاء أي طابع مؤسسي على تلك الفئة. التكنوقراط لا يخضعون للمراقبة الديمقراطية. إن المعطيات السابقة كلها هي التي تدفعنا الى التساؤل عن اسباب ما حدث، وتلزمنا بالبحث عن البدائل.

* تحدثتم عن فراغ سياسي وعمن يحاول ملأه، وهنا تقفز الى الذهن جمعية «حركة لكل الديمقراطيين» التي يقودها فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية. كيف تنظرون الى مبادرته، وهل تعتبرونها ظاهرة صحية؟ وكتكملة للسؤال فإن الحركة، كما يقول اصحابها، تندرج ضمن سياق تجديد الحقل السياسي، الذي يعمل من اجله ايضا الاتحاد الاشتراكي؟

ـ شخصياً لا يخيفني التجديد. ما يقلقني حقا، هو قراءة التاريخ السياسي لبلادنا في عقد الستينات من القرن الماضي. ففي كثير من الاحيان، تخلق أوضاع لتأسيس احزاب من فوق. هذا أمر غير سليم. الاحزاب يجب ان تتولد عن التناقضات الاجتماعية. لا يمكن ان نذهب الى تجمع أو تكتل يضم كل مشارب الناس. ولذلك، ففكرة قطب يستقطب الجميع، فكرة مناهضة للديمقراطية والتعددية. وهنا ايضا يشتبه علينا الامر، بين الخطاب والواقع.

إننا محظوظون في المغرب لان لنا نظاما ملكيا، ننخرط فيه كلنا بنفس القوة. وبالتالي، ليس من السليم سياسيا وديمقراطيا ان يظهر من يدعي القرب من الملك اكثر من الآخرين. اذا اردنا حقا اعادة الاعتبار للشأن السياسي، فيجب في اعتقادي مصاحبة الاحزاب القائمة، كونها تمثل توجهات المجتمع، حتى تلعب دورها في تطوير وتأهيل الديمقراطية.

* الملاحظ ان حلفاءكم السياسيين، في تجمع الكتلة على سبيل المثال، لا يشاطرونكم نفس النظرة الى حركة الهمة، لدرجة وجود نوع من التواطؤ أو الحرج؟

ـ يجب التفريق بين احترام الاشخاص، والنظر الى كل دينامية، يمكن ان تؤدي الى انزلاقات سياسية. أتمنى الا تؤدي تلك «الحركة» الى ميلاد حزب جديد. وعلى افتراض ان «الحركة» تمثل قوى الحداثة والديمقراطية، فانه يوجد من يمثلها في المجتمع، وبينها حزب الاتحاد الاشتراكي.

* كيف قرأتم الاضراب العام الاخير الذي دعت اليه الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل التي يتزعمها رفيقكم السابق محمد نوبير الاموي؟ هل كان التوقيت ملائما؟

ـ سأجيبكم بكامل الصراحة. المؤكد انه يوجد قلق اجتماعي في البلاد، ناتج عن عدة اسباب منها موجة الغلاء. فالحكومة فتحت حوارا اجتماعيا مع الاتحادات العمالية التي عبرت عن القلق بأشكال مختلفة. وبخصوص هذه المسألة، يبدو لي كذلك ان المغرب تغير ايضا، فظروف عام 1981 لم تعد قائمة، كما ان التعامل مع الحركة الاضرابية، تغير من جهته. شخصيا، ادعو الى تقوية النقابات ومصداقيتها. ولست مع الذين يصفقون اذا ما لاحظوا بوادر ضعف في الجسم النقابي. فالاتحادات العمالية مثل الاحزاب السياسية، يفترض فيها القيام بدورها، كما عليها أن تتأقلم مع التحولات الاجتماعية. علينا أن نصاحبها بعطف لتقوية موقعها مثلما يجب ان يتقوى موقع اصحاب العمل، والمقاولات، في اطار ما اسميه عملية تمنيع الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات التي ستتزايد، حتما.

* يبدو أن النقابات لا تفكر بنفس الكيفية، فأغلبها ليست مؤهلة ومهيكلة، وتنقصها الديمقراطية الداخلية. سؤالنا ينصب على العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الاشتراكي، والنقابة الموالية له، خاصة ان هذا الموضوع كان دائما سبب الخلافات الكثيرة في الحزب منذ تأسيسه الى الامس القريب؟

ـ اتمنى ان تتعزز استقلالية النقابات عن التوجهات السياسية، وان تظهر دينامية تعمل من اجل توحيد النقابات. ان النقاش الذي عرفه الاتحاد الاشتراكي بخصوص المسألة النقابية، عرفته القوى الاشتراكية في انحاء كثيرة من العالم. والملاحظ انه كلما كانت النقابات قوية، كانت قادرة على استيعاب التحولات في بلد ما.

* يوجد حديث عن دور جديد للمجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، ضمن إطار «توازن السلطات» بينه وبين الامين العام. ما حقيقة ما يتداول؟

ـ الأحداث الأخيرة والنقاش داخل الحزب، ادت الى تقوية موقع المجلس الوطني، فهو الذي اشرف على صياغة تقرير تركيبي بخصوص ما حدث في الانتخابات التشريعية، كما انبثقت عن المجلس، اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن، ولجانها الفرعية. أتصور ان المجلس الوطني بمكوناته الوطنية والجهوية وكذا الفعاليات التي تتحمل مسؤوليات، سيصبح في المستقبل برلمانا حقيقيا للحزب. ومن شأنه كأي برلمان ان يحدث لجانا لمراقبة ومتابعة عمل المكتب السياسي.

* هناك من يتحدث أيضا عن توافقات محتملة، يصبح بمقتضاها الامين العام السابق محمد اليازغي، رئيسا للمجلس الوطني للحزب؟

ـ أعتقد ان لكل واحد وظيفته، مهما كان، وذلك في اطار توضيح وظائف كل هيئة، بدءا من المؤتمر العام الذي يضبط استراتيجية العمل والخط السياسي.

* هل استشرتم شخصيات من الحزب قبل إعلانكم قرار الترشح للأمانة العامة؟

ـ علاقاتي بسائر الاتحاديين ليست قائمة على التشكيلة والحلقية والزبونية. وبالتالي فاني لا أواجه احدا ولا أجامل احدا.

* متى راودتكم فكرة الترشيح؟

ـ بكامل الصراحة، منذ كبوة الانتخابات التشريعية، ومشاورات تشكيل الحكومة الحالية، ظهر أن هناك إشكالية. توصلت الى قناعات انه اذا كانت لي مؤهلات ومراكمة التجارب، فمن واجبي الأخلاقي ان استعملها لخدمة حزبي.