باكستان: زعيم طالبان يزهو بقوته في الشريط الحدودي

السرية تحيط بعلاقات بيت الله محسود و«القاعدة»

TT

أخذ الجيش الباكستاني الصحافيين في رحلة إلى منطقة وعرة من المناطق القبلية الخارجة عن القانون في مايو (أيار) ليريهم الدمار الذي ألحقه بمخابئ حركة طالبان، ومن بينها مدرسة للانتحاريين، وذلك في معركة وقعت أوائل هذا العام.

وبعد عدة أيام، عقد بيت الله محسود، زعيم حركة طالبان الباكستانية والذي يعيش في عزلة لمعظم الوقت، مؤتمرا صحافيا في نفس المنطقة ليوضح من هو صاحب القرار هناك. وقد وصل في سيارة تويوتا غالية الثمن، ومعه فريق من مقاتلي طالبان المسلحين، وفقا للصحافيين الباكستانيين الذين تمت دعوتهم. وجلس محسود على أرض مدرسة حكومية ممسكا برشاش كلاشنيكوف ليعلن أنه يؤكد على محاربة الجيش الأميركي عبر الحدود في أفغانستان.

وقد أخبر الصحافيين في تصريحات نشرتها الصحف الباكستانية ونقلتها « بي بي سي» «إن الإسلام لا يعترف بالحدود. ولا يمكن عقد اتفاق مع الولايات المتحدة».

إن ظهور محسود في مسقط رأسه في جنوب وزيرستان، وهي منطقة غير خاضعة للحكومة وسط المناطق القبلية الباكستانية، يؤكد على النطاق الواسع الذي منحته الحكومة الباكستانية للمجاهدين بمقتضى اتفاقيات سلام جديدة، وعلى اثره في أفغانستان، حيث يقول قادة الناتو والقادة الأميركيون إنه يتم شن هجمات عبر الحدود منذ بدء المباحثات حول اتفاقيات السلام في مارس.

وقد أثار إفلات محسود من العقوبة غضب الإدارة الأميركية، التي تضغط على الحكومة الباكستانية لاعتقاله ومحاكمته.

وقد صرح مساعد وزيرة الخارجية جون نيغروبونتي الشهر الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، أن الولايات المتحدة تريد من باكستان أن «تلقي القبض على بيت الله مشهد زعيم الجماعة المتطرفة في جنوب وزيرستان وتقدمه للعدالة، وهو ما يجب أن يحدث له». ولكن بدت الحكومة الباكستانية، والتي تعتبر محسود حليفا لها لبعض الوقت وتخشى من قوته الآن، مترددة في إلقاء القبض عليه. وقبل أن يعقد مؤتمره الصحافي، انسحبت القوات الباكستانية من منطقته في جنوب وزيرستان كجزء من اتفاق السلام. ويتهم المسؤولون الأميركيون والباكستانيون محسود بأنه العقل المدبر لاغتيال بي نظير بوتو، رئيسة الوزراء السابقة، في ديسمبر(كانون الاول) وإرسال العشرات من الانتحاريين إلى باكستان وأفغانستان، وإقامة علاقات مع «القاعدة» على الجبهة الباكستانية.

وفي مقابلات مع مسؤولي دفاع وحكومة سابقين وسكان محليين وعضو سابق في طالبان عمل بالقرب من محسود، وصفوه بأنه زعيم المقاتلين الذي تلقى قدرا قليلا من التعليم، ولكنه يجتذب إلى جانبه أشخاصا على مستوى أعلى من التعليم، وهو لا يتنازل عن هدفه في تطبيق حكم إسلامي متشدد. وقد بنى هو وحليفه الأساسي قاري حسين، والذي يصفه كل من المسؤولين ورفاقه بالمقاتل الذي تلقى تدريبا عاليا، معاقل في شمال وجنوب وزيرستان، فقتلوا زعماء القبائل غير المتعاونين، وعينوا الشباب الذي يعاني من البطالة ليشاركهم الجهاد، وملأوا الفراغ الناتج عن نقص الخدمات الحكومية. والآن أصبح لديهم أيضا ملازمون وحلفاء في المناطق القبلية. وفي جنوب وزيرستان، اقاموا معسكرات تدريب للانتحاريين، معظمهم من الأطفال، وفقا لما ذكره عضو سابق في حركة طالبان. وكان مقرهم آمنا لدرجة أن جماعة محسود قد أقامت مؤتمرا صحافيا للآلاف من المقاتلين، كما روى أحد السكان المحليين. وقد صرحت السلطات الباكستانية المحلية بأنها لم تجد حلا غير الاتفاق مع جماعة محسود. وفي إجراء يائس، أعلنت السلطات عقدها الهدنة مع طالبان يوم الأربعاء في منطقة محمد، التي أقيم فيها المؤتمر الصحافي. وكان محسود عضوا صغيرا في أحد فروع قبيلة طالبان، التي تعيش في جنوب وزيرستان. ويقول مسؤولون سابقون في الجيش الباكستاني وزعماء القبائل إنه خطط للوصول إلى مكانة عالية عن طريق تناقضات السلطات الباكستانية ـ أو كما يسميها بعض المسؤولين حمايتها. وقد زادت قوته بسرعة بعد فبراير (شباط) عام 2005، عندما عقد الجيش، بقيادة الرئيس برويز مشرف، اتفاق سلام معه. ويقول أحد زعماء القبائل الذي تعامل مع محسود ورفض ذكر اسمه لأسباب أمنية: «عندها علمت أن الجيش ليس جادا». «فإذا كان الجيش قد اتخذ إجراء صارما، لاستطاع أن يتخلص منه في شهرين». ولكن بدلا من ذلك، أراد الجيش وأهم وكالة استخبارات باكستانية أن «يحتفظا» بمحسود، وفقا لما قاله زعيم القبيلة الذي كان أيضا ضابطا سابقا في الجيش. وتعمل السلطات الباكستانية وفقا لسياسة «العمق الاستراتيجي» طويلة المدى في أفغانستان كحصن لها أمام عدوتها الهند، وكان محسود أداة في تلك اللعبة. كما قال العميد المتقاعد محمود شاه إن اتفاق السلام الذي عقد عام 2005 يساوي «إذعانا» كاملا لمحسود، الذي انطلق في طريقه بدون أي معوقات. وقال أيضا إن مناطق التفتيش العسكرية في أماكن مهمة من أرض محسود ـ وبخاصة بازار ماكين وهو المكان المفضل لطالبان، وجبل كاراما الاستراتيجي، قد تركت بعد اتفاق 2005.

ويقول المتحدث باسم الجيش الباكستاني اللواء أثار عباس إنه أثناء الهجوم على محسود في شهر يناير (كانون الثاني)، اختبأ بين المدنيين في بازار ماكين مستخدما إياهم كدروع بشرية مما جعل من الصعب القبض عليه. وقال شاه أيضا إن معظم قوة محسود تكمن في تحالفه مع حسين المقاتل في مجموعة مناهضة للشيعة. وبدا حسين الذي قام لتحية الصحافيين، وهو أصغر من محسود، أكثر ثقة. وهو ينتمي إلى قبيلة أكبر من قبيلة محسود. وأضاف العضو السابق في حركة طالبان في حوار معه إن حسين قد أقام مدارس لتدريب الانتحاريين وموقعا لإنتاج أقراص DVD عنيفة لتشجيع الشباب على الالتحاق بالجهاد. ورفض العضو السابق في حركة طالبان، الذي يبلغ العشرينات من العمر، ذكر اسمه خوفا من الانتقام. ولم يكن كل ما ذكره العضو السابق موثوقا به، فقد اتفقت نقاط مهمة مما قاله مع أحداث عامة ومع أقوال مسؤولين عسكريين ومدنيين سابقين.

وقد ذكر أنه كان يعمل في الجناح الدعائي من جماعة محسود من مايو (أيار) 2006 إلى مايو 2007. ثم تركه بعد أن أمر حسين بقتل ثمانية من أقاربه في خلاف بينهم. ولكنه ظل على علاقات ودية معهم. ويضيف: «ان بيت الله محسود ليس له قيمة بدون قاري حسين».

وقد وصف حسين بأنه أداة تنفيذ، فهو مساعد محسود الذي قد يأمر بقتل رجال القبائل وأحيانا يقطع أعناقهم بنفسه. وأضاف أن المقاتلين الذين يسافرون من وإلى أفغانستان غالبا ما يستشيرون حسين أولا.

ويقيم حسين مدرسة للانتحاريين، حيث يدرب الأولاد من عمر 10 سنوات. وقال العضو السابق أيضا: «إنه ينادي على كل طفل باسمه، ويتحدث إليه عن الحياة في الآخرة».

وفي الوقت الذي بدأ فيه الجيش هجمته ضد قوات محسود في جنوب وزيرستان في يناير، والتي أظهرها للصحافيين في الجولة التي قاموا بها في شهر مايو (أيار)، كان حسين على بعد خطوة منهم، وفقا لما ذكره العضو السابق. وأضاف أيضا أن حسين كان قد نقل مقر مدرسة الانتحاريين إلى شمال وزيرستان. ويقول إن هناك حظي محسود وحسين بحماية سراج الدين حقّاني، زعيم حركة طالبان الأفغانية في باكستان والذي تربطه علاقات بـ«القاعدة»، وفقا لمسؤولين في الاستخبارات الأميركية.

وتحيط السرية بالعلاقات بين محسود و«القاعدة»، مع اعتبار «القاعدة» الشريك القوي وطالبان خاضعة لها، كما ذكر عضو طالبان السابق. وقد وصف القاعدة بـ«العرب» الذين يساعدون طالبان في جنوب وزيرستان بالتدريب العسكري. وربما يكون مقاتلو طالبان، الذين يريدون تلقي التدريب، معصوبي الأعين لكي لا يعلموا أين يذهبون. وفي الشهور الأخيرة، تحصن مساعدو محسود في المناطق القبلية البعيدة عن وزيرستان. ووفقا لما ذكره مسؤولون في بيشاور، فإن مساعدا آخر لمحسود وهو فاكر محمد مسؤول عن وكالة باجور، في أقصى الشمال من المناطق القبلية. وفي إقليم خيبر، وهو طريق لعبور وقود الناتو إلى أفغانستان من كراتشي، نظم حلفاء محسود جرائم قتل قبلية. وحذر مفتش الشرطة العام مالك نافيد خان من أن انتشار حركة طالبان الباكستانية يهدد بيشاور أيضا.

* خدمة «نيويورك تايمز»