«التاكسي الملاكي» أحدث صيحة لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود في مصر

ودعوا زمن الوجاهة ويثيرون سخرية سائقي عربات الأجرة

سيارة التاكسي بالأبيض والأسود تعتبر أحد معالم العاصمة المصرية (أ.ب)
TT

ما ان وقفت عربات المترو في محطة المعادي الهادئة بجنوب القاهرة وبدأ الركاب في التدفق خارجها والاستعداد للاتجاه لمنازلهم بعد يوم عمل شاق حتى فوجئ الجميع برجل في منتصف العمر يفتح باب سيارته «الملاكي الفارهة» وينادي على من يرغب في الركوب للوصول لمنطقة أخرى تقع شرق المعادي على بعد خمسة كيلومترات نظير جنيه واحد للفرد، وما هي إلا دقائق معدودة وامتلأت السيارة بالركاب وانطلق السائق، ثم أعقبه سائق آخر وكرر التجربة. اقتربت من أحد الرجلين، اسمه «كمال.ن»، يعمل محاسبا بإحدى الشركات الاستثمارية حتى الرابعة مساء ثم يذهب إلى المعادي بسيارته الخاصة لنقل الركاب حتى العاشرة مساء تقريبا ـ كما روى لي ـ مشددا على أن «الشيء الأهم بالنسبة له هو أن مكسبه حلال ولا شائبة فيه.. والشغل مش عيب». وحين سألته عن زمن الوجاهة قال لي «زمن الوجاهة ولى إلى غير رجعة يا أستاذ.. مسؤولياتي كرب أسرة تضغط عليّ باستمرار وأحاول أن تعيش أسرتي حياة كريمة»، ورفض كمال الإفصاح عن مكسبه اليومي مكتفيا ـ وهو يهم بغلق باب سيارته ـ بالقول «مستورة والحمد لله». أما أحمد هاشم «موظف» فيعتبر أن لا أحد يستطيع لومه على تلك الساعات التي يقضيها كسائق في المساء لأنه أحد الحلول المتاحة لتحسين ظروف حياته التي باتت أصعب وأصعب. وأكد هاشم أنه شخصيا كان يفضل تحويل سيارته من سيارة خاصة إلى تاكسي حتى ينسجم مع الواقع من حوله ولا يصبح عرضة للدهشة والسخرية، إلا أن الحصول على ترخيص السيارة الخاصة بات أسهل بكثير من الحصول على ترخيص التاكسي.

ويضحك خضر فوزي (موظف حكومي) فهو الشريك الأسعد حظا في هذه المنظومة الجديدة. فوزي يشعر بسعادة غامرة كونه كل يوم يركب سيارة ملاكي مكيفة في شوارع المعادي مقابل جنيه واحد، بدلا من «الحشرة» ـ على حد قوله ـ في الميكروباص فالفرق بينه وبين الملاكي 25 قرشا فقط، وهو فرق بسيط لا يمنع بأي حال من الأحوال من التمتع قليلا والشعور بأنني «بيه» لمدة خمس دقائق، مفضلا دوما الجلوس في المقعد الأمامي بجوار السائق. وعلى العكس من ذلك يضحك حمدي جمعة (سائق تاكسي)، ويضرب كفا بكف، متعجبا من الإقبال على السيارات الخاصة وتجاهل سيارته الأجرة .. «مش عارف هنلاقيها منين ولا منين..من الحكومة ولا من أصحاب هذه السيارات الذين قرروا فجأة محاربتنا في لقمة عيشنا»، مشيرا إلى أن هذه المسافة التي تقطعها السيارة الخاصة ويحصل سائقها على أربعة جنيهات نظيرا لها يحصل هو شخصيا فيها على 5 جنيهات على الأقل. لكن الركاب يفضلون الجلوس معا في سيارة خاصة مقابل جنيه من كل واحد منهم بدلا من أن يدفع كل منهم 5 جنيهات في سيارته. ويستدرك جمعة وكأنه يكلم نفسه: الزبائن «البهوات لسه موجودين..أنا بانتظرهم طول اليوم حتى أرجع لبيتي مجبور والحمد لله». ظاهرة تحول ملاك السيارات الخاصة إلى سائقين «بالطلب» مؤخرا وبخاصة في العاصمة القاهرة لا يستطيع أي محلل أن يتجاهل ارتباطها بارتفاع أسعار الطاقة والذي أدى بدوره إلى ارتفاع تعريفة المواصلات الخاصة في مصر وألقى بظلاله الكثيفة على خريطة النقل داخل المدن وبين المحافظات المصرية المختلفة فقرر السائقون على إثر ذلك زيادة التعريفة بنسبة 100% أحيانا و50% في أحيان أخرى. مما أدى إلى عزوف قطاع كبير من الناس عن ركوب سيارات الميكروباص التي تعد المواصلة الأهم والأيسر للتنقل، وعادت شريحة كبيرة إلى انتظار حافلات هيئة النقل العام الحكومية التي لم تطلها الزيادات الجديدة حتى الآن. هذا المشهد يعود بالقاهرة عشرين عاما مضت، عندما كانت الكتل البشرية تتراص داخل «باصات» الهيئة الحكومية، وتنطلق كعلب السردين من محطاتها العامة في ميدان التحرير والعتبة، والعباسية وأحمد حلمي وغيرها.

حسام الزيني (موظف) يحكي أنه عاد مرة أخرى إلى الانتظار على محطات الحافلات الحكومية بعد أن كاد ينسى هذا المشهد الذي يذكره بشبابه، فزحام الأوتوبيس بالنسبة له أفضل بكثير من استغلال «مافيا» الميكروباص ـ على حد قوله ـ ويطالب الزيني الحكومة بتوفير عدد أكبر من الحافلات لان هناك فئات عديدة من المواطنين لم تستفد من العلاوة الاجتماعية التي قال المسؤولون أنها ستعوضهم الغلاء .. وحين سألته عن ظاهرة التاكسي الملاكي: أجابني دون تردد «العيشة غاليه. الناس هتعمل أيه»