الهند: انخفاض معدلات التنمية يؤدي الى ضياع آلاف الوظائف

مع انتشار «التعهيد» زيادة نسب الشباب الذين يحصلون على رواتب جيدة

70 في المائة من الهنود، البالغ إجمالي عددهم 1.15 مليار نسمة، ينتمون إلى الفئات العمرية دون الخامسة والثلاثين («واشنطن بوست»)
TT

في أحد الإعلانات التلفزيونية التي عرضت أخيرا بالتلفزيون الهندي، تظهر عروس في أبهى حلة وتجلس على فراش مغطى بالورود داخل غرفة تتميز بإضاءة خافتة وتمد يدها بكوب من الحليب لعريسها طبقاً للأعراف السائدة المرتبطة بليلة الزفاف. ولكن في إطار هذا الإعلان التلفزيوني الكوميدي، تظهر فجأة يد تختطف الكوب الذي يظل ينتقل من يد لأخرى. وتخص جميع تلك الأيدي أقارب للعروسين وذلك في إطار الأسر كبيرة العدد التقليدية التي تتسم بها الهند.

وأخيراً، يصل الكوب إلى نهاية الغرفة حيث يجلس العريس في نهاية الغرفة، ويشرب من الكوب ويبعث لعروسه بقبلة في الهواء. ثم يعلو صوت في الإعلان يقول: «هل تعاني من ضيق المساحة؟»، ثم يمضي الإعلان بالحديث عن قروض ميسرة للمتزوجين حديثاً. ويعتبر هذا الإعلان مجرد مثال على كيفية استهداف صناعة الإعلان الآخذة في الازدهار داخل الهند لقطاع الشباب بين الشعب الهندي الذي يضم أحد أكبر نسب الشباب على مستوى العالم، حيث تكشف الإحصاءات أن ما يزيد على 70 في المائة من الهنود، البالغ إجمالي عددهم 1.15 مليار نسمة، ينتمون إلى الفئات العمرية دون الخامسة والثلاثين. ومع انتشار عمليات التعهيد من الغرب إلى الهند، علاوة على توسع مراكز الاتصال، تزداد نسبة الشباب الذين يحصلون على رواتب جيدة، بينما يواجهون التزامات مالية ضئيلة، ما يوفر لهم دخلا أكبر. تُعرف هذه الفئة من المستهلكين الذين ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والعليا باسم «إنديز» أو الشباب الهنود المستقلون مالياً. ويعمد هؤلاء الشباب أيضاً إلى إرجاء الإنجاب حتى يبلغوا منتصف أو أواخر العشرين من العمر. وتشير الدراسات إلى أنهم يحرصون على شراء أحدث صيحات النظارات الشمسية واقتناء أحدث الهواتف الجوالة اعتماداً على بطاقات اعتمادهم، علاوة على ميلهم للحصول على قروض لشراء شقة أو سيارة، وإرجاء الشعور بالقلق حيال السداد لما بعد. من جهته، أعرب «كمال باسو»، الرئيس التنفيذي لفرع مومباي الخاص بوكالة «ستاشي آند أمب» الإعلانية، عن اعتقاده بأن: «القصة الهندية اليوم تدور حول ثقة المستهلك السائدة بين شبابنا الذين يبدون استعدادهم للإنفاق بجنون». وتمخضت عادات الإنفاق الجديدة عن ظهور مصطلح جديد على الساحة الهندية يُعرف باسم «ينجستان» (شبابستان). وكانت شركة «بيبسي» أول من ابتكر هذا المصطلح في إطار إحدى حملاتها الدعائية. والآن، بات يجري استخدامه باستمرار من قبل المسؤولين التنفيذيين بمجال الدعاية للإشارة إلى جيل تتناقض عاداته في الحب والحياة والإنفاق تماماً مع التوجهات التقليدية بالمجتمع الهندي. وأكد «باسو» أنه «في الكثير من الجوانب، تعد الهند أكثر الأسواق إثارة على مستوى العالم لأنها سوق مفعمة بالشباب والنمو بها مرتفع للغاية. ولا نرغب في أن يتغير ذلك». إلا أن التغيير ربما يكون في الطريق بالفعل، فرغم أن متوسط النمو الاقتصادي السنوي للهند بلغ 9 في المائة تقريباً خلال السنوات الأخيرة، فإن عجلة الاقتصاد تتباطأ مع تباطؤ حركة الاقتصاد العالمي. وخلال الصيف الجاري، ارتفعت معدلات التضخم بسرعة لتصل إلى 11 في المائة، وهو أعلى معدل سنوي خلال الأعوام الثلاثة عشر السابقة. وشهدت أسعار الأرز والحليب وزيت الطعام بشكل خاص ارتفاعاً هائلاً، وأسفرت الزيادات في أسعار الجازولين عن اندلاع مظاهرات. من ناحيتهم، يتوقع الخبراء الماليون في مومباي، العاصمة التجارية للهند، أن النمو الاقتصادي بالبلاد سيتباطأ ليصل إلى حوالي 7 في المائة وقد يعني هذا التراجع فقدان آلاف الوظائف. ومع ذلك، يبقى الاقتصاد الهندي واحداً من أكبر الاقتصادات الآسيوية، ويبدي الكثير من الخبراء الماليين تفاؤلهم حياله. وتشير بعض التقديرات إلى أن أعداد الشباب الذين يتكسبون قوتهم بأنفسهم داخل الفئة العمرية ما بين 20 و24 عاماً تزداد سنوياً بمقدار 3 مليون شاب، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع لأكثر من الضعف في السنوات القليلة المقبلة. إلا أنه في حال تراجع وتيرة النمو الاقتصادي بصورة حادة، يخشى بعض الخبراء الاقتصاديين الهنود من أن يكون الشباب أكثر الفئات تضرراً جراء ذلك، بالنظر إلى أن الكثير من أبناء العشرين والثلاثين من العمر كدسوا فوق رؤوسهم ديونا كبيرة خلال سنوات الازدهار. كما أن هذا الجيل الأكثر عرضة للتأثر بالإعلانات حول منتجات استهلاكية باهظة التكلفة، مثل التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة والغسالات الكهربية وأجهزة تكييف الهواء. يذكر أنه داخل الهند تقف أقل معدلات الفائدة المرتبطة ببطاقات الاعتماد عند مستوى 20 في المائة تقريباً، بينما يبلغ متوسط معدل الإقراض 34 في المائة والذي يتضمن 12 في المائة ضريبة خدمة على الفائدة. وأشار «فيشش تشانديوك»، وهو رجل أعمال، إلى أنه على الصعيد التقليدي، يهتم الهنود اهتماماً خاصاً بالمدخرات، لكن المدخرات من الممكن أن تتلاشى سريعاً. وأضاف: «الآن بمقدورك إنفاق 10 آلاف دولار لشراء سيارة. وقد ينطوي هذا الأمر على خطورة كبيرة بالنسبة للأفراد غير الملمين بالآليات المرتبطة بالإنفاقات المعتمدة على بطاقات الاعتماد والذين ربما ينفقون أموالا لا تتوافق مع مستويات دخولهم ـ خاصة داخل الهند حيث تتصل بك شركات بطاقات الاعتماد خمس مرات يومياً».

ويعتبر براتيك دوغرا، الذي يبلغ من العمر 21 عاماً، وهو صحافي رياضي يعيش في نيودلهي، واحداً من الذين ربما تواجههم مشكلات على هذا الصعيد، حيث يعشق دوغرا ارتياد المطاعم وشراء الملابس المستوردة ومشاهدة مباريات الكريكيت برفقة أصدقائه داخل الحانات. وقال إنه يستخدم بطاقة الاعتماد دوماً في توفير نفقاته، موضحاً أن هذه النفقات عادة ما تصل إلى 250 دولار شهرياً، ما يتجاوز راتبه بقليل. وأكد أنه رغم كونه مفلسا، فهو سعيد بحياته الحالية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»